في لحظة فارقة من تاريخ سوريا، حيث تتأرجح البلاد بين آمال بناء دولة جديدة وتحديات إرث ثقيل من الفساد والانقسام، جاءت تصريحات وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد حسن الشيباني، خلال زيارته إلى أنقرة، لتفتح نافذة على رؤية مستقبلية تسعى إلى استعادة وحدة سوريا وقوتها، رافضة أي محاولات للتقسيم أو تهديد استقرار الدول المجاورة. وبينما تحمل هذه التصريحات وعوداً طموحة، يظل التساؤل قائماً حول قدرة الإدارة الجديدة على مواجهة تحديات إعادة بناء مؤسسات الدولة والسيطرة على السلاح، ومدى كفاية الدعم الإقليمي والدولي لإطلاق عجلة إعادة الإعمار وسط واقع اقتصادي منهك.
وأكد وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد حسن الشيباني، خلال مؤتمر صحفي في العاصمة التركية أنقرة، أمس الأربعاء، أن النظام السوري المخلوع تسبب في زعزعة استقرار المنطقة وإضعاف مؤسسات الدولة على مدار سنوات.
وجاءت تصريحاته ضمن زيارة إلى تركيا اختتمت سلسلة من الجولات الإقليمية لتعزيز التعاون الدولي بشأن مستقبل سوريا.
سوريا الجديدة واستعادة الدور الإقليمي
شدد الشيباني على أن الحكومة المؤقتة تعمل بجد لإعادة بناء سوريا بما يحقق تطلعات الشعب السوري، مشيراً إلى أن وحدة البلاد واستعادة دورها الإقليمي أمر لا يقبل التهاون.
وفي هذا السياق، علق الباحث الأكاديمي السوري عرابي عرابي، على تصريحات الشيباني، موضحاً أن بناء “سوريا الجديدة” يتطلب تجاوز مجموعة كبيرة من التحديات الداخلية، أهمها إعادة بناء مؤسسات الدولة التي تضررت بفعل الفساد والانقسامات.
وأضاف عرابي لموقع “963+”: “إعادة بناء سوريا تتطلب تطهير المؤسسات من الكوادر الفاسدة وإعادة الثقة بالدولة. الشعب بحاجة إلى رؤية ملموسة لتحقيق هذه الوعود”.
من جانبه، أوضح الأستاذ صلاح قيراطة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في العاصمة الإسبانية مدريد، أن العلاقات بين الدول العربية وسوريا بعد التغييرات السياسية في دمشق ستتأثر بعوامل متعددة أهمها الاستقرار الإقليمي، التعاون الاقتصادي، والتوجهات السياسية الجديدة في سوريا.
وأشار قيراطة في تصريحات لـ”963+” إلى أن “الاستقرار الإقليمي سيكون محورياً في تحديد سياسات كل من السعودية وقطر تجاه سوريا، حيث ستنظر الدولتان إلى سوريا كجزء من جهود تعزيز الأمن الإقليمي ومواجهة التهديدات المحتملة في المنطقة”.
وخلال المؤتمر، أكد الشيباني أن الشعب السوري يرفض أي مشاريع لتقسيم البلاد، كما شدد على أن الأراضي السورية لن تُستخدم لتهديد أمن الدول المجاورة.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي التركي جواد غوك، هذه التصريحات تعبيراً عن التزام واضح بتعزيز الاستقرار الإقليمي، لافتاً إلى أن تركيا تشترك مع سوريا الجديدة في هذه الرؤية.
وقال غوك لـ”963+”: “أنقرة ترى أن استقرار سوريا هو المفتاح لضمان أمن المنطقة بالكامل. الحفاظ على وحدة سوريا هدف مشترك لكل الأطراف الفاعلة”.
اقرأ أيضاً: وزير الخارجية السوري: النظام المخلوع عمل على زعزعة استقرار المنطقة – 963+
تعزيز التعاون الأمني
التقى الشيباني، ضمن زيارته إلى أنقرة، بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالن. وأوضح أن هذه الاجتماعات ركزت على التعاون الأمني وإعادة الإعمار.
وقال الشيباني: “نحن مستعدون للعمل مع جميع الأطراف العربية والدولية لبناء سوريا. تركيا شريك أساسي، ونهدف إلى تحقيق مصالح مشتركة في الأمن والاستقرار”.
في تعليق على هذا الجانب، أشار غوك، إلى أن “التعاون التركي السوري يتسم بأهمية استراتيجية، خاصة فيما يتعلق بإعادة بناء الأجهزة الأمنية السورية”.
وأضاف المحلل السياسي التركي: “تركيا تسعى لتقديم خبراتها في بناء الاستخبارات السورية الجديدة. هذه الخطوة ستساعد في ضمان استقرار سوريا ومنع أي تهديدات أمنية مستقبلية”.
وأوضح قيراطة أن القضايا الأمنية، مثل الحدود والأكراد، “ستظل على رأس أولويات تركيا في علاقتها مع سوريا”.
اقرأ أيضاً: الشيباني يطالب إسرائيل بالانسحاب من سوريا – 963+
التحديات الاقتصادية وإعادة الإعمار
تطرق الشيباني أيضاً إلى أهمية الدعم الدولي لإعادة بناء سوريا التي دمرتها الحرب. وقال إن الحكومة المؤقتة تتطلع إلى العمل مع دول الخليج لتوفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار.
وعلق عرابي على هذا التصريح، مشيراً إلى أن التحديات الاقتصادية تعتبر من أكبر العوائق أمام الإدارة الجديدة.
وقال الأكاديمي السوري: “الأزمة الاقتصادية في سوريا عميقة جداً. إطلاق عجلة الإنتاج يحتاج إلى خطط مدروسة وإرادة سياسية قوية تتجاوز الأزمات الحالية”.
وأشار قيراطة إلى أن التعاون الاقتصادي سيكون جزءاً أساسياً في المرحلة القادمة، حيث ستكون إعادة بناء سوريا فرصة للمستثمرين الخليجيين، خاصة إذا تم استقرار الوضع الداخلي. وقد تتجه السعودية وقطر نحو دعم سوريا في عمليات إعادة الإعمار، لكن ذلك سيكون مشروطاً بالتوجهات السياسية للحكومة السورية الجديدة.
وختم الشيباني تصريحاته بالإشارة إلى دور تركيا ودول الخليج في دعم إعادة الإعمار، مشدداً على أن رفع العقوبات الدولية سيكون خطوة ضرورية لتمكين سوريا من تجاوز أزمتها.
ووصف المحلل السياسي التركي التعاون بين تركيا ودول الخليج بأنه فرصة مثالية لدفع عجلة التنمية في سوريا.
وأضاف غوك: “الدعم الخليجي واللوجستي التركي يشكلان أساساً قوياً لإعادة بناء سوريا. تركيا ودول الخليج تمتلكان الإمكانيات اللازمة لدعم الاستقرار والتنمية”.
توحيد القوى المسلحة
فيما يتعلق بالوضع العسكري، أشار الشيباني إلى أن أي جسم عسكري في سوريا يجب أن يكون تحت مظلة الدولة لضمان سيادة القانون.
وفي تعليق على هذه النقطة، أكد عرابي، على أن السيطرة على السلاح شرط أساسي لبناء دولة مستقرة، لكنه أشار إلى أن “هذا الأمر يحتاج إلى توافقات داخلية ودعم دولي”.
وأضاف عرابي: “توحيد القوى المسلحة ليس أمراً سهلاً، لكنه ضرورة لتجنب أي صراعات داخلية مستقبلاً. هذا الملف بحاجة إلى إدارة حازمة”.
ويرى محللون أن زيارة وزير الخارجية السوري المؤقت إلى تركيا، تأتي في وقت حساس يواجه فيه المشروع السوري الجديد تحديات كبيرة، لكن التصريحات واللقاءات تشير إلى رغبة حقيقية في تحقيق الاستقرار وبناء شراكات إقليمية ودولية. يبقى التعاون بين الأطراف الفاعلة محوريًا لإنجاح هذه المرحلة المصيرية.
وتوقع أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن هذه التحركات قد تؤدي إلى ضغط دبلوماسي على القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما قد يؤدي إلى تغييرات في مواقف هذه القوى تجاه سوريا والمنطقة بشكل عام.
وأكد قيراطة أن العلاقات بين سوريا والدول العربية والخليجية ستشهد تحولات إيجابية إذا استمرت الحكومة السورية في تحقيق الاستقرار الداخلي والانفتاح الإقليمي بما يتماشى مع مصالح الدول المعنية.
وقالت نور الفاضل، المختصة بالعلوم السياسية والهجرة من باريس، إن سوريا كانت لفترة طويلة ساحة نزاع سياسي وعسكري بين أطراف مختلفة، سواء سورية أو إقليمية أو دولية، ما أثر على استقرار المنطقة وساهم في تهديد الأمن الإقليمي.
وأوضحت الفاضل لـ”963+” أن “استقرار سوريا السياسي يعتبر أمراً بالغ الأهمية في تحقيق الاستقرار للمنطقة بأكملها، وهو ما سيعود بالفائدة على جميع الأطراف”.
وأكدت الفاضل أن الإدارة السورية الجديدة تتحمل مسؤولية حل العديد من التحديات. وأبرز هذه التحديات يكمن في ضمان “استدامة السلم الأهلي” والتعايش بين مختلف أطياف المجتمع السوري، خاصة بعد سنوات من زرع الخوف والرهبة بين فئات الشعب في ظل حكم النظام السابق.
وأشارت إلى ضرورة أن تكون هناك “رؤية سياسية تستقطب الجميع وتبتعد عن سياسة الاستبعاد الفئوي، مع التأكيد على أهمية فرض الاستقرار السياسي والأمني”.