في زيارته الحالية إلى المملكة المتحدة، أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في تصريحات لافتة أن العراق يولي أهمية كبيرة للملف السوري، مؤكداً أن العراق يسعى دائماً للحفاظ على سيادته وحقوقه في التعامل مع القضايا الإقليمية. وقال السوداني في مقابلة مع قناة “بي بي سي” العربية والإنجليزية: “من المهم للإدارة السورية الجديدة احترام إرادة الشعب السوري، وألا تكون أداة بيد أي جهة أجنبية”.
وأكد السوداني أن العراق يواصل تبادل الرؤى مع الدول الإقليمية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، مشيراً إلى التزامه بالحلول السلمية للتعامل مع الأزمات. وأوضح أن العراق يركز على الحوارات لتخفيف التوترات الإقليمية.
التعاون الأمني بين العراق وسوريا
فيما يخص الوضع الأمني في سوريا، أشار السوداني إلى التحديات الأمنية الناتجة عن وجود تنظيم “داعش” في مناطق غير خاضعة لسيطرة الحكومة السورية، مؤكدًا أن العراق ينسق مع الدول المعنية لمكافحة الإرهاب. كما شدد على رفضه لأي تدخل أجنبي في شؤون الدول العربية.
السوداني أيضاً أشار إلى العلاقات القوية التي تجمع العراق مع دول مثل إيران والسعودية والأردن ومصر، وأكد أن العراق يحافظ على استقلالية قراره السياسي دون تدخل من أي جهة خارجية.
اقرأ أيضاً: السوداني: ماهر الأسد لم يدخل العراق عقب سقوط النظام السوري – 963+
الداخلية العراقية: “مجاميع إرهابية” لا تزال نشطة على الجانب السوري – 963+
في السياق نفسه، أكد الكاتب والمحلل السياسي واثق الجابري، رئيس مركز كتاب العراق المقيم في بغداد، أن الزيارة السابقة للوفد العراقي إلى سوريا كانت خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني بين البلدين في مواجهة التهديدات الإرهابية، خاصة تنظيم “داعش”.
وأوضح الجابري في تصريحات لموقع “963+”، أن “الوفد العراقي كان أمنياً بحتاً، يهدف إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الجانب السوري”. وأضاف أن “العراق يمتلك بنكاً معلوماتياً قوياً حول الجماعات الإرهابية، ما يساعد في تعزيز التنسيق الأمني بين العراق وسوريا”.
وأكد المحلل السياسي أن “العراق لا يهدف إلى التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، بل يسعى فقط إلى ضمان استقرار المنطقة ومنع عودة الإرهاب إلى الأراضي العراقية”.
من جانبه أضاف صباح زنكنة، المحلل السياسي ورئيس مركز اتحاد الخبراء الاستراتيجيين، لـ”963+” أن إرسال الوفد العراقي إلى سوريا يعكس رغبة في تعزيز “التنسيق الأمني والعسكري” بين البلدين، خصوصاً في ظل التهديدات المشتركة من تنظيم داعش. وأشار إلى أن هذا التعاون قد يسهم في “تعزيز السيطرة على المعابر الحدودية” وضبط الحدود بشكل أكثر فاعلية.
اقرأ أيضاً: عناصر للنظام السوري السابق في الأنبار.. تظاهرات تطالب بالعودة والقرار بيد العراق – 963+
الاستقلالية ورفض التدخلات الأجنبية
في تحليل للموقف العراقي، أشار الجابري إلى أن تصريحات رئيس الوزراء السوداني بشأن ضرورة احترام إرادة الشعب السوري تمثل استجابة من العراق لتجربته السياسية الداخلية. وقال الجابري: “العراق واجه تحديات داخلية وخارجية أثرت على العملية السياسية، وهو يدعو إلى أن تكون سوريا ممثلة لجميع مكوناتها، بعيداً عن التدخلات الأجنبية”.
وأوضح الجابري أن العراق يسعى إلى إيجاد حلول تدعم استقرار سوريا دون التدخل في قراراتها السيادية أو التأثير على توجهاتها السياسية.
وأضاف المحلل السياسي: “العراق لا يسعى إلى دفع سوريا للانحياز إلى محور إقليمي أو دولي على حساب آخر، بل يدعو إلى أن تكون سوريا مستقلة في قراراتها وتعبر عن إرادة شعبها المتنوع بعيدًا عن أي هيمنة خارجية”. هذا الموقف يعكس سياسة العراق الحالية التي ترفض التدخلات الخارجية وتعزز من استقلالية القرار السوري.
اقرا أيضاً: السوداني وبزشكيان يبحثان تطورات الأوضاع في سوريا – 963+
وفيما يتعلق بالسياسة العراقية الحالية تجاه الإدارة السورية الجديدة مقارنة بالنظام السوري السابق، أشار زنكنة، إلى أنها تبدو “أكثر براغماتية” في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية.
بدوره أكد الكاتب والأكاديمي محمد كريم، أن العراق، من خلال موقفه الحالي، يسعى إلى تعزيز علاقاته الإقليمية والدولية، وخصوصاً في ضوء التحولات التي شهدتها المنطقة منذ أحداث 7 أكتوبر.
كما أشار إلى أن موقف العراق من الإدارة السورية قد يؤثر بشكل متباين على علاقاته مع المحاور الإقليمية: “قد تتعامل إيران بحذر مع أي تحالف عراقي مع إدارة سورية جديدة، خاصة إذا قللت هذه الإدارة من قربها من المحور الإيراني. وهنا يحتاج العراق إلى طمأنة إيران بأنه يسعى إلى سياسة متوازنة. وقد ترى السعودية في هذا الموقف فرصة للتقارب مع العراق، خاصة إذا دعمت الإدارة السورية الجديدة توجهاً سياسياً يقلل من نفوذ إيران”.
التحديات والضغوط الدولية
قال كريم لـ”963+”: “موقف العراق الرافض للتدخلات الأجنبية في سوريا يعكس رغبته في حماية سيادته واستقلال قراره السياسي، وهو إدراك واضح لتأثير هذه التدخلات على أمنه واستقراره الداخلي. وأضاف أن العراق يبعث برسالة داعمة للحلول السورية الداخلية بعيدًا عن أي وصاية خارجية، مع تطلعه للعب دور إيجابي في دعم الاستقرار الإقليمي”.
وأوضح كريم أن السياسة العراقية تجاه الإدارة السورية الجديدة تبدو أكثر “حذراً وتوازناً مقارنة بسياساته السابقة، وذلك نتيجة: التغيرات الإقليمية المتمثلة بتعدد اللاعبين الدوليين والإقليميين في الملف السوري. وتقليل الاعتماد على الأطراف الخارجية لضمان استقراره الداخلي”.
أما الباحث في الشؤون السياسية والأمنية بسام القزويني، فأوضح أن “سوريا تعد لعملية انتخابية وفقاً لتصريحات الإدارة السورية الحالية”، مشيراً في تصريحات لـ”963+” إلى أن “التدخلات الخارجية تشكل مرضاً مزمناً يعاني منه البلدان، إذ إن أي سلطة تتهاون مع الإملاءات الخارجية ستواجه صعوبة في تحقيق استقلالها السياسي”.
وأضاف أن سوريا قد عانت طويلاً من هذا التحدي، مشيراً إلى أن “معالجة هذا المرض ضرورية لبناء مستقبل خالٍ من المعوقات”.
وفيما يتعلق بتأثير التدخلات الخارجية على النظام السوري المخلوع، أكد القزويني أن “إطالة عمر النظام السوري عبر الإملاءات الخارجية ساهم في اختفاء سلطة الدولة، ما أدى إلى “انهيار دمشق أمام التغيير، وهو ما كان بمثابة علامة واضحة على ضرورة إعادة بناء النظام السياسي في سوريا”.
ومن خلال التصريحات المتعددة والمتنوعة التي أدلى بها المحللون السياسيون، يتضح أن العراق يتبنى سياسة متوازنة تجاه سوريا. العراق يعارض التدخلات الأجنبية ويؤكد على ضرورة احترام السيادة السورية، بينما يسعى إلى تعزيز التعاون الأمني بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة، مثل خطر تنظيم “داعش”.