شهدت المنطقة العربية خلال فترة ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تغيرات كبيرة أثرت بشكل ملحوظ على التوازن السياسي والاقتصادي الإقليمي. وعادت سياسات ترامب لتتصدر النقاشات بعد عودته إلى البيت الأبيض لفترة رئاسية جديدة، مما أثار تساؤلات حول مستقبل المنطقة ومدى تأثيرها على المشهدين الدولي والإقليمي، خاصةً في الشرق الأوسط.
“تقييم سياسات ترامب يتجاوز الربح والخسارة”
صرح سبهان ملا جياد، مستشار رئيس الحكومة العراقية، لموقع “963+”، بأن تقييم سياسات ترامب تجاه الدول العربية “لا يمكن أن يتم عبر مقاربة الربح والخسارة التقليدية”. وأوضح أن هذه المقاربة “لن تكون مناسبة لتحديد نتائج سياساته خلال السنوات الأربع المقبلة”.
وأضاف أن “معظم دول العالم اليوم تعتمد سياسات براغماتية، مما يسهل عليها الوصول إلى تفاهمات مع الإدارة الأميركية الجديدة”. وأكد أن بعض الدول بدأت بالفعل في مراجعة سياساتها منذ إعلان فوز ترامب.
وأشار جياد إلى أن ترامب يتميز بوفائه بجزء كبير من وعوده الانتخابية، وذكر أن فريقه يستعد للقاء مرتقب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدف تحقيق وقف لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا أو تجميد الحرب عند الوضع الحالي. وتوقع جياد أن “تسعى إدارة ترامب لتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، مما قد يضر بالمكسيك والصين على وجه الخصوص”.
أما في الشرق الأوسط، فرجح جياد أن “الشعب الفلسطيني وإيران سيكونان الأكثر تأثراً بسياسات ترامب”. لكنه أوضح أن هذا التأثير “قد يدفع إيران لتبني تغييرات جذرية في سياساتها الإقليمية والنووية، مما قد يفتح الباب أمام توافق مع الولايات المتحدة”. كما توقع أن يشهد الملف الفلسطيني تغييرات ملحوظة، بما في ذلك إنهاء سلاح “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
براغماتية ترامب
من جانبه، أشار وزير الخارجية المصري الأسبق نبيل فهمي إلى أن فترة ترامب الجديدة “ستتسم بالحدة والبراغماتية السياسية”. وأوضح فهمي في تصريحات لـ”963+” أن “ترامب وفريقه أدركوا أن المبالغة في السعي نحو الحلول الوسطية خلال فترته الأولى كانت خطأً، وأن سياسته الخارجية الجديدة ستتمحور حول تحقيق المصالح الأميركية المباشرة بعيداً عن الانخراط في معارك مكلفة”.
وأكد فهمي أن ترامب اعتمد خلال فترته السابقة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية مع الدول العربية، لا سيما دول الخليج، ودعم اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. وتوقع أن يستمر هذا النهج، مما سيعزز من مكانة الولايات المتحدة في المنطقة.
بدوره، أوضح الدكتور برنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون، أن ترامب يهدف إلى تحقيق صفقات كبيرة في الشرق الأوسط تركز على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا واحتواء إيران. وقال إن ترامب قد يسعى للحصول على جائزة نوبل للسلام، مما سيدفعه للعمل على حل النزاعات في فلسطين.
ومع ذلك، استبعد هيكل أن يؤدي ذلك إلى قيام دولة فلسطينية في المستقبل القريب. وأشار إلى أن “موقف ترامب من تركيا يشوبه الغموض بسبب تضارب آراء مستشاريه بين مؤيدين لتركيا وداعمين للأكراد”. وتوقع أن يترك ترامب إدارة الوضع في سوريا لتركيا ودول الخليج.
“اللايقين سيظل السمة الأبرز”
وصف السفير المصري علاء الحديدي، سياسات ترامب بأنها “ستزيد من حالة اللايقين في الشرق الأوسط”. وأكد أن عودته ستتأثر بالوضع بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى التنافس الأميركي مع الصين، خاصة أن دول الخليج سعت مؤخراً إلى تنويع علاقاتها الاقتصادية مع الصين.
ورجح الحديدي في تصريحات لـ”963+” أن “إسرائيل ستكون المستفيد الأكبر من سياسة ترامب، حيث من المتوقع أن تحقق المزيد من المكاسب في ملف التطبيع مع السعودية، حتى لو كان ذلك على حساب القضية الفلسطينية”.
وأشار إلى أن العلاقة بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان “تحمل الكثير من التناقضات، خصوصاً في ظل وجود القوات الأميركية في سوريا واستمرار هجمات أنقرة ضد قوات سوريا الديموقراطية”.
وفي ظل هذه التحديات، من المتوقع أن تسعى الدول العربية لتحقيق توازن بين الضغوط الأميركية وتنوع علاقاتها الاستراتيجية. ويبدو أن قدرة هذه الدول على استخدام المناورات التكتيكية ستكون العامل الحاسم في مواجهة الضغوط القادمة.
ورغم حالة اللايقين التي قد تميز فترة ترامب الجديدة، فإن المصالح الاقتصادية والأمنية الأميركية ستظل العامل الأبرز في رسم ملامح سياساته تجاه الشرق الأوسط. ما يجعل المنطقة أمام مرحلة حافلة بالتحديات والفرص على حد سواء.