وسط تطلعات شعبية وإقليمية لإنهاء أطول أزمات المنطقة، شهدت الرياض اجتماعاً تاريخياً حول الملف السوري، بمشاركة عربية ودولية واسعة. الاجتماع، الذي حمل آمالاً في إرساء خريطة طريق للانتقال السياسي وإعادة الإعمار، أثار تساؤلات عدة حول فرص النجاح وسط تعقيدات المشهد السوري. المحللون يتفقون على أن الطريق طويل، لكنه ممكن.
وأكد البيان الختامي للاجتماع على ضرورة دعم خيارات الشعب السوري، والتأكيد على احترام سيادة سوريا ووحدتها، إلى جانب وضع خريطة طريق لعملية انتقال سياسي شاملة تحفظ حقوق جميع مكونات الشعب السوري.
كما تم التركيز على أهمية التصدي للإرهاب، مع الإصرار على عدم السماح بوجود أي ملاذ آمن للجماعات الإرهابية داخل سوريا. كما دعا المجتمعون إلى رفع العقوبات الأممية والأحادية المفروضة على البلاد، وتقديم دعم إنساني واقتصادي عاجل لتحسين أوضاع الشعب السوري.
توافق دولي على إعادة الاستقرار
شدد المشاركون في الاجتماع على أهمية العمل عبر الحوار لمعالجة المخاوف الأمنية والسياسية، مع احترام استقلال سوريا. وأبدوا قلقهم من التوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة، خاصة في جبل الشيخ ومحافظة القنيطرة، مطالبين باحترام وحدة الأراضي السورية وسلامتها.
من جانبه، أكد الصحافي حسين الوائلي، خبير الشؤون الأوروبية، لموقع “963+” أن رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا يرتبط بتحقيق انتقال سياسي حقيقي. وأوضح أن المجتمع الدولي ينتظر تشكيل حكومة شاملة تضم مختلف مكونات الشعب السوري، مع ضمان عدم وجود أعمال انتقامية.
كما شدد على أهمية أن تصبح سوريا شريكاً آمناً لأوروبا وجيرانها، ما يساهم في الحد من الهجرة غير النظامية.
وأضاف الوائلي: “الإدارة السورية الجديدة يمكن أن تقدم بيانات أمنية دقيقة حول الشبكات الإرهابية، ما يفتح الباب لتعاون دولي فعال في مكافحة الإرهاب وتقويض الجريمة المنظمة”. وأشار إلى أن المؤتمر السوري المزمع عقده قريباً سيكون محطة مهمة لرسم ملامح المرحلة المقبلة.
وشارك في الاجتماع 11 دولة عربية، من بينها السعودية، مصر، الإمارات، وقطر، بالإضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي. وعلى الصعيد الدولي، حضرت تركيا وبريطانيا وألمانيا، بينما شاركت الولايات المتحدة وإيطاليا على مستوى نواب وزراء الخارجية.
وتطرقت المناقشات إلى أهمية رفع العقوبات المفروضة على سوريا كخطوة أساسية لإعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد. وأوضح الدكتور رائد المصري، أستاذ الفكر السياسي والعلاقات الدولية، أن “رفع العقوبات يتطلب خطوات إصلاحية جادة، بما في ذلك إعادة ترتيب المصرف المركزي السوري وفتح قنوات لاستقطاب الاستثمارات والسيولة الأجنبية”.
وقال المصري لـ”963+”: “تحقيق الانتعاش الاقتصادي في سوريا مرتبط بقدرتها على تبني نظام ليبرالي اقتصادي، مع ضمان توفير بيئة آمنة ومستقرة لجذب رؤوس الأموال”.
وأضاف أن الدول العربية والإقليمية تملك مصلحة استراتيجية في ضمان وحدة الأراضي السورية، ما يعزز الاستقرار الإقليمي ويمنع أي سيناريوهات تفكك محتملة.
أهمية صياغة دستور جديد
ركز الاجتماع أيضاً على الحاجة إلى صياغة دستور عصري يحفظ حقوق الأقليات ويوسع نطاق المشاركة السياسية، مع تعزيز اللامركزية كبديل للتسلط المركزي الذي أثبت عدم فاعليته.
وأكد الدكتور المصري أن “صياغة الدستور يجب أن تكون خالية من التدخلات الدولية والإقليمية التي قد تعرقل العملية السياسية”، مشيراً إلى “تجربة اتفاق الطائف في لبنان كمثال على تعقيد هذه التدخلات”.
وأضاف المصري: “مطلوب حوار سوري داخلي يفضي إلى وضع دستور جديد يحدد صلاحيات السلطات التنفيذية ويضمن الفصل بينها، مع تعزيز المرونة والتنوع السياسي”.
ومن المتوقع أن يكون المؤتمر السوري المزمع عقده خلال الشهرين المقبلين محطة حاسمة لتحديد معالم الانتقال السياسي، مع التركيز على تقديم ضمانات دولية لدعم مسار الإصلاحات. ومع ذلك، فإن تضارب المصالح بين القوى الإقليمية والدولية يظل تحدياً قائماً، قد يؤثر على سرعة تنفيذ التفاهمات.
شكل اجتماع الرياض خطوة مهمة نحو وضع رؤية مشتركة للحل في سوريا. ومع انعقاد المؤتمر السوري المرتقب، يبقى التحدي الأكبر في ترجمة التفاهمات إلى خطوات عملية تحقق تطلعات الشعب السوري نحو الاستقرار وبناء مستقبل أفضل.