خاص – نادر دبو /درعا
يشتكي السكان في محافظة درعا جنوبي سوريا، من استمرار ارتفاع الأسعار بشكل كبير رغم تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار خلال الأسابيع الأخيرة، وسط مبررات يقدمها التجار لا يعتبرونها مقنعة، ويعتبرون أن عدم استجابة هؤلاء التجار للتغير في سعر الصرف وتوفر المواد بشكل كبير مقارنة بالفترات السابقة راجع إلى ضعف الرقابة والمحاسبة.
وشهد سعر صرف الليرة السورية تحسناً ملحوظاً منذ مطلع الشهر الماضي، حيث انخفض سعر صرفها أمام الدولار من نحو 16000 خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إلى نحو 11000 خلال هذه الفترة، لاسيما بعد الرفع الجزئي للعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا قبل أيام.
ويعاني السوريون أزمة اقتصادية ومعيشية متفاقمة منذ العام 2011 بسبب الحرب التي شهدتها البلاد، وعمّقها العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام المخلوع، والتي طالت جميع القطاعات الأساسية وأثرت بشكل مباشر على حياة السكان الذين تؤكد تقارير أممية أن نسبة 90 في المئة منهم يقعون تحت خط الفقر، ونصفهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
لا تغيير في الأسعار
أحمد العمارين، أحد سكان مدينة نوى في ريف درعا الغربي، تحدث لموقع “963+”، عن عدم انعكاس تحسن سعر صرف الليرة على أسعار المواد الأساسية وخاصة الغذائية منها، ويقول: “لم نرى أي تغيير حقيقي في الأسعار بجميع الأسواق، ارتفاع الأسعار يؤثر بشكل كبير على حياة المدنيين هنا”.
ويضيف، أن “تبرير التجار بأنهم اشتروا المواد بأسعار مرتفعة في وقت سابق لم يعد مقبولاً وهو غير صحيح، لاسيما أن الأسعار انخفضت في مناطق سورية أخرى”، مشيراً إلى أن “ارتفاع الأسعار يدفعهم لشراء كميات أقل والاستغناء عن الكثير من المواد بما في ذلك الأساسية منها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة”.
وطالب العمارين، الحكومة السورية الجديدة، بالتدخل لضبط الأسعار ومنع التجار من التحكم بها، والذين هم بدورهم أيضاً مطالبون بجانب أخلاقي ومراعاة أوضاع الناس المعيشية، بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب والحصار الذي عانته البلاد”.
أوسيلا السقر، معلمة مدرسة في ريف درعا، تقول، إن “أسعار المواد الأساسية كالمواد الغذائية والمحروقات أصبحت مرتفعة بشكل كبير، وهذا يدفعنا لتقليل المواد المشتراة والتخلي عن الكثير من الحاجيات الأساسية وتعديل أولوياتنا بما يتناسب مع دخلنا”.
وتؤكد في حديث لموقع “963+”، أن “الراتب الشهري لم يعد كافياً لشراء المواد الأساسية في ظل غلاء المعيشة، حيث أصبح السكان يبحثون عن مواد بديلة تكون أسعارها أرخص، مشيرةً إلى أن الظروف المعيشية في ظل ارتفاع الأسعار، أصبحت تشكل عامل ضغط كبير في درعا”.
ارتفاع تكاليف النقل واللوجستيات
ويبرر نسيم الدعاس، وهو أحد التجار في مدينة درعا، ارتفاع الأسعار بأن “أغلب المواد تم شراؤها بأسعار مرتفعة قبل تحسن سعر صرف الليرة أمام الدولار، ولذلك فهم مجبرون على البيع بأسعار مرتفعة لحين نفاد هذه الكميات”.
يقول الدعاس لـ”963+”، إن “مشكلات كبيرة تواجههم أبرزها ارتفاع تكاليف النقل واللوجستيات، وعدم استقرار سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية، ما ينعكس بشكل مباشر على المواد الأساسية ويصعّب تخفيض الأسعار لتتناسب مع دخل المواطن”، لكنه أشار إلى أنه “في حال استقرار سعر الصرف وتحسن الوضع الاقتصادي فإنه من المحتمل انخفاض الأسعار مستقبلاً”.
ولفت، إلى أنهم “يحاولون تحقيق التوازن بين الربح وأوضاع الناس، لذلك يتم تقديم عروض وخصومات على بعض المواد الأساسية، لكن لابد من المحافظة على هامش ربح معقول لتغطية التكاليف”.
مدير هيئة الرقابة والتموين في درعا المهندس محمد المصري، يقول إن “الحكومة الجديدة تعمل بجد لضبط الأسواق ومكافحة المخالفات، خاصةً في ظل التحسن النسبي لسعر صرف الليرة بعد الرفع الجزئي للعقوبات”.
تغييرات كبيرة في المناخ الاقتصادي
ويؤكد في تصريحات لـ”963+”، أن “سوريا تعيش مرحلة جديدة مع تغييرات كبيرة في المناخ الاقتصادي، في ظل تحسن سعر صرف الليرة وانفتاح الأسواق أمام التجارة الخارجية، ما يتيح فرصة أكبر لتحقيق استقرار الأسعار وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين”، مشيراً إلى أن “العمل يتركز حالياً على تكثيف الرقابة الميدانية لضمان التزام التجار بتعديل الأسعار يما يتناسب مع التحسن الاقتصادي”.
واعتبر المصري، أن “التحدي الآن هو ترجمة تحسن سعر صرف الليرة إلى انخفاض فعلي في أسعار السلع، خاصةً الأساسية منها لتخفيف العبء على المواطنين”، موضحاً أن “رفع العقوبات أزال الكثير من العقبات أمام تدفق السلع وخفض تكاليف الاستيراد، ما يعطي أدوات أفضل لضبط الأسواق، لذلك يجب على التجار التحلي بالمسؤولية والعمل مع الجهات الرقابية لضمان تحقيق التوازن”.
وشدد على أن “تطبيق القوانين بحزم والتعاون المجتمعي سيكونان المفتاح لتحقيق استقرار اقتصادي ينعكس ايجابياً على حياة المواطنين، خاصةً أننا في مرحلة إعادة بناء الاقتصاد التي تحتاج إلى تكاتف الجميع من مواطنين وتجار ومؤسسات”.
ويرى عز الدين الجهماني، وهو صاحب محل صرافة في محافظة درعا، أن “التحسن الأخير في سعر صرف الليرة يعكس حجم التغيرات الاقتصادية والسياسية التي شهدتها البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد، والذي فتح الباب أمام انفتاح اقتصادي وزيادة التحويلات المالية الخارجية”.
يقول الجهماني لموقع “963+”، إن “جزءاً كبيراً من التحويلات القادمة إلى سوريا تأتي من المغتربين الذين أصبحوا يشعرون بثقة أكبر في إرسال الأموال بعد سقوط النظام”، مشيراً إلى أن “معظم التحويلات الحالية توجه لشراء العقارات والسيارات، بدلاً من دعم القطاعات الإنتاجية أو تلبية الاحتياجات الأساسية ما يجعل التأثير الإيجابي للتحويلات محدوداً على السوق المحلية”.
ويعتبر، أن “استمرار التحسن في سعر الصرف، يعتمد بشكل أساسي على قدرة الحكومة الجديدة على إدارة التحويلات بشكل أفضل، وضمان استثمارها في إعادة بناء الاقتصاد المحلي وتنشيط الإنتاج الداخلي”، لافتاً إلى أن “سقوط النظام يعتبر بداية لتحولات كبيرة، لكن النجاح يعتمد على توحيد الجهود والعمل على ترجمة هذا التحسن إلى واقع ملموس في حياة الناس”.
ويقول خبراء اقتصاديون، إن “الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وتحسين ظروف السكان وتوفير المواد الأساسية بأسعار مقبولة، تعتبر من أبرز التحديات التي تواجه السلطات الجديدة خلال الفترة الانتقالية، خاصةً في ظل تهالك مؤسسات الدولة وتدهور البنى التحتية الأساسية، على اعتبار أن توفر الخدمات والتعافي الاقتصادي بوابة للاستقرار الأمني والسياسي لاحقاً”.