قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن أمس الأحد بعد اجتماع الرياض، إنه تقلى ضمانات بتشكيل هيئة حكم انتقالية في سوريا خلال ثلاثة أشهر، وأنه سمع من الإدارة السورية الجديدة تطمينات عن عقد مؤتمر الحوار الوطني خلال أقل من تسعين يوماً، لكن رغم كل التصريحات الإيجابية والإجماع الدولي بهذا الشأن، إلا أنه لا يزال هناك معوقات كبيرة أمام العملية السياسية السورية ككل، فهل تسمح الظروف بتشكيل هذه الهيئة خلال المدة المحددة؟
المبعوث الأممي، أكد خلال مقابلة تلفزيونية أن المجتمع الدولي جاهز للعمل مع الإدارة السورية الحالية والهيئة الانتقالية مع إدراك أن إجراء الانتخابات في سوريا قد يستغرق أربع أو خمس سنوات، معتبراً أن “عقد الحوار الوطني بمشاركة واسعة من مكونات البلاد، سيؤدي لطمأنة الداخل والخارج، على أن يخرج بخارطة طريق واضحة المعالم”.
وعقد أمس الأحد في العاصمة السعودية الرياض، اجتماع وزاري بشأن سوريا، ضم وزراء ونواب وزراء خارجية عدة دول عربية وغربية بينها مصر وبريطانيا والإمارات وتركيا، إضافة للمبعوث الأممي إلى سوريا والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، وتضمن بيانه الختامي التأكيد على الوقوف مع الشعب السوري، وضرورة رفع العقوبات عن سوريا، ودعم عملية انتقال سياسية شاملة تمثل كافة القوى السياسية والاجتماعية وتضمن حقوق جميع السوريين، مع أهمية مشاركة مختلف مكونات الشعب في هذه العملية.
اقرأ أيضاً: الرياض تجمع الفرقاء.. قمة دولية ترسم ملامح سوريا الجديدة
لكن الجهود الأممية والدولية والإقليمية، الرامية لدفع عجلة العملية السياسية في سوريا بعد إسقاط نظام بشار الأسد، تصطدم بمعوقات كثيرة أبرزها التدهور الكبير الذي تعاني منه البلاد جراء أكثر من 14 عاماً من الحرب، والأزمة الاقتصادية المرتبطة بدورها بالعقوبات المفروضة على البلاد، والتي تصعّب من مهمة تمهيد الأرضية لتشكيل هيئة حكم انتقالية، بحسب أغلب المحللين.
حكومة انتقالية موسعة
الكاتب والباحث السياسي السوري حسام طالب المقيم في دمشق، يؤكد أنه “من الممكن جداً تشكيل هيئة حكم انتقالية خلال الأشهر القليلة القادمة، وهذا الأمر يتم العمل عليه، حيث أن هناك سعي كبير من الإدارة السورية الجديدة ومن جميع مكونات الشعب السوري في هذا الشأن، كما أن الظروف مهيأة بشكل كبير من أجل ذلك”.
يقول طالب لموقع “963+”، إن “الهيئة المتوقعة هي حكومة انتقالية موسعة وليست هيئة حكم انتقالية، وستعتمد على الخبرات من كل أطياف المجتمع السوري وليس على المحاصصة عبر اختيار وزراء ومسؤولين من كل طائفة ومكون، والتي لا تبني أوطاناً”.
مجازفة كبيرة
لكن الباحث والناشط السياسي نزار أبو فخر، المقيم في السويداء جنوبي سوريا، يرى أن “تشكيل حكومة خلال ثلاثة أشهر في ظل عدم وجود آليات واضحة لاختيار أعضائها سيما وأنها يجب أن تكفل مشاركة جميع الأطياف السورية، وتحقق معايير الكفاءة والخبرة يعتبر مجازفة، ولكنه أمر لا بد منه، لأنه مطلوب دولياً وعربياً”.
اقرأ أيضاً: بعد العودة للبيت الأبيض.. ماهي سيناريوهات سياسة ترامب تجاه سوريا؟
ويشدد أبو فخر خلال تصريحات لموقع “963+”، على “وجوب التفكير بآلية فعالة تراعي معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة، وذلك لا يتوفر إلا بحكومة التكنوقراط، وعليه فإنه يجب توزيع الوزارات على الورق بين المناطق، وتتم دراسة مرشحي كل منطقة على حدة ليتم اعتماد الأنسب بينهم”، مؤكداً أن “هيئة الحكم الانتقالية يجب أن تتكون من التكنوقراط حتماً لكي تتمكن من أداء مهامها الإجرائية ومقررات مؤتمر الحوار الوطني بكفاءة”.
وكان قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، قد أعلن نهاية الشهر الماضي، عن عقد مؤتمر للحوار الوطني في دمشق بين الخامس والسادس من كانون الثاني/ يناير الجاري، إلا أن وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة أسعد الشيباني، أعلن لاحقاً عن تأجيل المؤتمر، “لإعطاء فرصة لمشاورات أوسع من أجل توجيه الدعوات وتمثيل أوسع لكافة السوريين”.
ثلاثة أشهر غير كافية
حسن النيفي، الكاتب السوري المقيم في فرنسا، يقول إن “إدارة العمليات العسكرية في سوريا وعدت بتشكيل حكومة تكنوقراط في بداية آذار/ مارس القادم، أما بخصوص الحكومة الانتقالية فشأنها مختلف، إذا يجب أن تكون مسبوقة بمؤتمر وطني يفضي لتشكيل لجنة تأسيسية ودستور للبلاد وحكومة انتقالية، ومن غير المتوقع أن تكون ثلاثة أشهر كافية لإنجاز ذلك”.
ويشدد خلال تصريحات لـ”963+”، على أن “إدارة العمليات وعدت بحكومة تكنوقراط أو انتقالية شاملة لجميع الكفاءات والمكونات المجتمعية، لكن هذا لا يعني بالتحديد مفهوم المحاصصة الطائفية أو العرقية، وإنما المشاركة على أساس الكفاءة والمهنية دون استئثار طرف بمفاصل المسؤولية”.
اقرأ أيضاً: ما دور أوروبا بالمرحلة الانتقالية وإعادة الإعمار في سوريا؟
هل يلغى القرار الأممي 2254؟
وحول القرار الأممي بشأن سوريا 2254 وإمكانية تطبيقه بعد سقوط النظام، يرى طالب، أن “مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن يتحدث بواقعية، حيث أن القرار لم يعد ممكناً تطبيقه بالصيغة التي كان عليها قبل سقوط نظام بشار الأسد، لذلك فهناك ضرورة لتعديله وفقاً للمعطيات الجديدة إذ أنه لم يعد هناك نظام ومعارضة، بل يوجد تيارات وفئات متفقة جميعها على ضرورة الوصول لحكم انتقالي وبعده حكم ديموقراطي لسوريا”.
لكن أبو فخر، يعتبر أن “البند الرابع بالقرار الأممي 2254، بشأن تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات التنفيذية وصياغة دستور جديد للبلاد، وإصدار قانون للانتخابات وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة في نهاية المرحلة الانتقالية، إضافةً للعدالة الانتقالية ومحاكمة مجرمي الحرب، جميعها ضرورية من أجل الوصول إلى انتقال سياسي ناجز يطوي صفحة الصراع الذي شهدته البلاد”.
إلا أن النفي، يشير إلى أن “حديث بيدرسن، المقصود منه تعديل القرار من أجل الاحتفاظ بدور إشرافي للأمم المتحدة على العملية الانتقالية، دون أن يكون هذا الإشراف يحمل سمة الوصاية بل المراقبة والإشراف فقط”.
ويقول، إن “حديث بيدرسن عن الحاجة إلى 4 إلى 5 سنوات لصياغة الدستور وإجراء الانتخابات في سوريا، هو غير منطقي، لكن ربما نحتاج إلى بعض الوقت لإتاحة الفرصة أمام الشعب السوري ليكوّن أحزاب وتنظيمات تمكنه من خوض انتخابات ذات معنى، ولكن من غير المتوقع أن يحتاج ذلك إلى أكثر من سنتين”.
وبحسب طالب، فإن “مؤتمر الرياض هو انطلاقة جديدة لسوريا المستقبل ودعم عربي ودولي للبلاد، من أجل الانتقال إلى مرحلة سياسية تعددية ديموقراطية تحفظ حقوق الجميع”، فيما يرى أبو فخر، أن “المؤتمر زكّى إدارة أحمد الشرع وأعطاها الثقة الكافية للمضي قدماً في عملها، ووفر لها الدعم المادي والسياسي وأحاطها بكثير من الدفء والرعاية، مقابل الحصول منها على تعهدات محددة وملزمة”.
ومنتصف الشهر الماضي، دعا الشرع خلال استقباله بيدرسن في دمشق، إلى “ضرورة مراجعة قرار مجلس الأمن 2254 بشأن سوريا، ليواكب الواقع الجديد بناءً على المعطيات والتطورات الأخيرة”، مشدداً على “أهمية التعاون السريع والفعال لمعالجة الملفات السورية، وضرورة التأكيد على وحدة أراضي سوريا وإعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية، والتعامل بحذر خلال المرحلة الانتقالية”.