في خطوة مثيرة للجدل، أعلنت الإدارة السورية الجديدة عن رفع التعرفة الجمركية على كافة البضائع المستوردة بنسبة تتراوح بين 300% و500%، وذلك اعتباراً من 11 كانون الثاني/ يناير 2025، في خطوة تهدف إلى زيادة الإيرادات المالية وتحقيق عدة أهداف اقتصادية أخرى.
ويشير القرار إلى أن رفع التعرفة الجمركية يأتي في إطار تعزيز الإيرادات العامة التي تشهد تراجعًا كبيرًا نتيجة للعقوبات الاقتصادية المستمرة. كما يهدف القرار إلى حماية المنتج المحلي، من خلال تقليل التنافسية السعرية للبضائع المستوردة، مما يساعد في دعم الصناعات المحلية. وفيما يتعلق بالسوق، فإن القرار يسعى إلى تقليص الاعتماد على الاستيراد وتخفيف الضغط على العملات الأجنبية، في محاولة لتحسين الوضع الاقتصادي العام.
من المتوقع أن يكون لهذا القرار تداعيات كبيرة على الاقتصاد السوري. أبرز هذه التداعيات هي ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ، مما سيزيد من معاناة المواطنين الذين يعانون أصلًا من ضعف القدرة الشرائية.
وبسبب التكلفة المرتفعة للبضائع المستوردة، يتوقع البعض أن يحدث تراجع في النشاط التجاري، مما قد يؤدي إلى شح بعض المواد الأساسية في الأسواق. كما يشير البعض إلى احتمال حدوث زيادة في الاحتكار، حيث يمكن لبعض الجهات الاستفادة من القرار لفرض أسعار مرتفعة على المستهلكين.
ردود الفعل
شهد القرار ردود فعل غاضبة من مختلف شرائح المجتمع. فقد انتقد المواطنون القرار بشكل واسع، مؤكدين أن رفع الرسوم الجمركية سيزيد من صعوبة تأمين احتياجاتهم اليومية، خصوصاً في ظل ارتفاع نسب الفقر.
من جهة أخرى، وصف التجار والمستوردون القرار بأنه ضربة قاصمة للنشاط التجاري، محذرين من أن هذا القرار قد يتسبب في إفلاس العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني أصلاً من الأزمات الاقتصادية. أما الخبراء الاقتصاديون، فقد دعوا إلى ضرورة مراجعة القرار، معتبرين أن توقيته غير مناسب في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وفي محاولة لتوضيح أسباب القرار، بررت مصادر مقربة من الإدارة السورية الجديدة، رفع التعرفة الجمركية بتوحيد تعرفة الجمارك لجميع المعابر والمنافذ السورية، موضحة أن الرسوم في المعابر القديمة كانت رمزية، ولا بد من رفعها لتعادل الرسوم التي كانت مطبقة في المعابر التي كانت تحت سيطرة النظام.
وفي خطوة موازية، أعلنت مديرية الجمارك السورية، عن إلغاء أكثر من 10 رسوم إضافية كانت تُفرض على المعابر والموانئ، والتي كانت تُعد من الأسباب الرئيسية في ارتفاع أسعار السلع المحلية وزيادة الأعباء المالية على المواطنين.
تأثير القرار على الأسواق
في الشمال السوري، سادت حالة من الاستياء والغضب، حيث ارتفعت أسعار المواد بنسبة تجاوزت 10%، مما أدى إلى توقف بعض التجار عن إدخال البضائع عبر المعابر مع الجانب التركي. وفي مدينتي دمشق وحلب، أكدت مصادر اقتصادية أن الأسعار انخفضت في هذه المناطق بعد صدور النشرة الجمركية الجديدة، ما يطرح تساؤلات حول التفاوت في تأثير القرار بين المناطق السورية المختلفة.
نفي تصريحات خاصة لـ “963+”، أدان عامر كشكش، مدير شركة كشكش التجارية، الارتفاع غير المسبوق في التعريفات الجمركية في السوق السوري، حيث قال: “أنا كتاجر، السوق تأثر بمستوى غريب جدًا. الجمرك اليوم ارتفع بنسبة 1000%، وهو أمر غير منطقي وغير صائب أن يتم رفع الجمارك بهذا الشكل المفاجئ. كنا نبيع للمناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، ولكن اليوم بعد توحيد الجمارك، أصبحنا غير قادرين على البيع في تلك المناطق”.
وأضاف كشكش: “اليوم، المناطق في الداخل ستعود للاعتماد على التهريب من لبنان أو من العراق، حيث الأسعار هناك أقل بكثير من أسعارنا هنا. الجمرك لدينا ارتفع بشكل ملحوظ ليصبح أغلى بكثير من الأسعار في تلك البلدان، وبالتالي من الطبيعي أن نعود للاعتماد على البضاعة المهربة. هذا يعني أن التجار وأصحاب النفوس الدنيئة سيعودون للتلاعب بالأسواق بدلاً من استخدام المعابر الرسمية”.
وأردف كشكش بأن “معظم التجار أغلقت محلاتها بسبب هذا الارتفاع الكبير في الرسوم الجمركية، مما يعكس حجم الأزمة التي يواجهها قطاع التجارة في البلاد”.
قرار لا يتماشى مع الواقع
من جانبه، قال الناشط المدني فؤاد الديك في تصريحات لـ”963+”: “القرار الذي تم اتخاذه لا يتماشى مع الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الشعب السوري، أبداً. نحن اليوم خرجنا من حالة ثورة منهكين، مهجرين، مشردين، وبيوتنا مدمرة. وغير قادرين على النهوض بشكل سريع، ومنذ بداية تحرير سوريا بدأت الحكومة برفع الضرائب والأسعار. هذا الكلام غير منطقي”.
وأضاف الديك: “هذه القرارات كان من المفترض أن تُصدر بعد مرور فترة من الزمن، عندما يتنفس الشعب قليلًا وتستقر الأوضاع. كان يجب أن تتمكن الناس من العودة إلى بيوتها وقراها ومصالحها، وبالتالي عندما يكون هناك مردود اقتصادي يمكن للناس من خلاله الصمود في ظل هذه القرارات. أما في هذا الوقت العاجل، ولسه الناس ما عرفت كيف تبدأ في إصلاح بيوتها وفتح مصالحها، فهذا غير مقبول”.
وأكد الديك: “اليوم، السوق يشهد غلياناً بسبب ارتفاع الأسعار، حتى أبسط المواد ارتفع سعرها 7 و 8 ليرات تركية، وهناك حديث عن زيادة سعر المازوت أيضًا. وبالطبع، بما أن المازوت هو مادة أساسية في أي صناعة، فإن ارتفاعه سيؤدي إلى ارتفاع كل شيء. إنها جريمة بحق هذا الشعب المتعب والمنهك”.
أما المحامي خزاعي خطاب فقد قال في حديث لـ “963+”: “موضوع الضرائب يتعلق بالمالية العامة، ولكن هذا القرار الذي تم اتخاذه خاطئ من جهة الإعلان عنه في الوقت الحالي، خاصة في ظل الوضع الذي تعيشه الدولة من انهيار اقتصادي. وعود السلطة منذ البداية كانت خاطئة، لأن الوعود الزائفة تضر كثيرًا ولا تقدم حلولًا حقيقية”.
وأوضح خطاب: “في حالات الحروب، يتم ترك الأمور الضريبية على حالها ويقتصر التركيز على محاربة الفساد، مع إعادة دراسة الضرائب على الحاجات الضرورية وشبه الضرورية فقط، بينما يتم رفعها على السلع الكمالية والضارة”.
وأضاف: “الضرائب الجمركية هي ضرائب غير مباشرة يتحمل عبئها المستهلك، في حين أن التاجر يحقق أرباحًا أكبر. وهذا يؤدي إلى تحميل العبء على المواطنين بشكل مباشر، مما يزيد من معاناتهم”.
واختتم خطاب حديثه بالقول: “في ظل هذا القرار، سيكون هناك تهرب ضريبي قانوني، حيث سيحاول التجار تحميل العبء الضريبي على المستهلكين، مما يؤدي إلى زيادة الأعباء المالية على المواطنين”.