يشكل اجتماع الرياض الوزاري محطة لرسم ملامح مستقبل سوريا بعد التغيرات السياسية الأخيرة، وسط تنافس إقليمي ودولي محموم على النفوذ. وتسعى السعودية، وفق رؤية استراتيجية جديدة، إلى قيادة الجهود الإقليمية لدعم الاستقرار السوري، رغم تحديات كبرى تشمل العقوبات الدولية والدور التركي المثير للجدل، الذي اعتبره محللون “جزءاً من المشكلة”. ومع مشاركة واسعة من قوى دولية وإقليمية، يبقى الاجتماع اختباراً حقيقياً لإمكانية ترجمة هذه اللقاءات إلى خطوات عملية تعيد الأمن والاستقرار للشعب السوري.
ووصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إلى العاصمة السعودية للمشاركة في اجتماع وزاري موسع تستضيفه المملكة الأحد. يهدف الاجتماع إلى بحث الأوضاع في سوريا بعد التغيرات السياسية الأخيرة التي أطاحت بحكم الأسد وسيطرة الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع.
ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية “واس”، كان في استقبال وزير الخارجية السوري نائب وزير الخارجية السعودي وليد بن عبدالكريم الخريجي، في مطار الملك خالد الدولي بالرياض. وسيشارك في الاجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، تركيا، العراق، لبنان، الأردن، ومصر، بالإضافة إلى ممثلين من بريطانيا وألمانيا، بينما ستمثل الولايات المتحدة وإيطاليا على مستوى نائب وزير الخارجية.
كما أكدت كايا كالاس، الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، حضورها الاجتماع إلى جانب أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وغير بيدرسون، المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا.
اقرأ أيضاً: انطلاق الاجتماع الوزاري الدولي بشأن سوريا في الرياض – 963+
دور السعودية في المرحلة الجديدة
وأوضحت مصادر سعودية، لوكالة الصحافة الفرنسية (ا ف ب)، أن القمة ستُعقد على جلستين، الأولى تجمع مسؤولين عربًا لمناقشة الشأن السوري بشكل خاص، بينما ستتوسع الجلسة الثانية لتشمل دولًا إقليمية ودولية منها تركيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وقال مسؤول سعودي لوكالة فرانس برس، إن “الاجتماعات تمثل امتداداً لمحادثات حول سوريا ما بعد الأسد، التي عُقدت في العقبة الأردنية الشهر الماضي”.
الكاتب والمحلل السياسي نزار الجليدي، أشار في تصريح لموقع “963+” إلى أن السعودية تسعى إلى تعزيز مكانتها الإقليمية ضمن الخارطة الجيوسياسية الجديدة.
وقال: “السعودية تعود بقوة إلى ملف الشرق الأوسط، وخصوصاً سوريا، في إطار رؤيتها الاقتصادية الجديدة التي تعزز مكانتها الإقليمية”. وأضاف أن بلاد الشام تمثل محوراً استراتيجياً مهماً للمملكة.
ورأى الجليدي أن مشاركة تركيا في هذه القمة “مثيرة للجدل”، معتبراً أن “أنقرة كانت عقبة أمام تسوية الملف السوري”، ومشيراً إلى أن دور جامعة الدول العربية “سيظل محدوداً”، حيث وصفها بأنها “تملأ الفراغ أكثر من أن تقدم حلولاً جوهرية”.
التحديات أمام الجهود الدولية
من جهتها، قالت آنا جاكوبس، الزميلة غير المقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن لـ”فرانس برس”: “هذه القمة ترسل رسالة مفادها أن السعودية تريد أن تأخذ زمام المبادرة في تنسيق الجهود الإقليمية لدعم تعافي سوريا”. لكنها تساءلت عن مدى التزام المملكة بجهود إعادة الإعمار في ظل استمرار العقوبات المفروضة على سوريا.
وأوضحت جاكوبس أن الاجتماع يمنح الرياض فرصة لتعزيز نفوذها في سوريا التي تشهد تنافساً بين قوى إقليمية ودولية، مثل تركيا وقطر، على النفوذ داخل البلاد.
بدوره، الباحث في الشؤون الدولية شبرمة ياسين، المقيم في برلين، على أهمية الدور العربي في تغيير المواقف الغربية تجاه الحكومة السورية الحالية. وقال لـ”963+”: “الثقل العربي يبدو واضحًا من خلال المحور الأردني-السعودي-القطري-التركي، حيث تلعب هذه الدول دورًا محوريًا في تغيير وجهة النظر الأوروبية، رغم التحفظات الغربية”.
وقال: “بينما تركز ألمانيا وبريطانيا على تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في النظام السابق، فإن لديهما تحفظات واضحة. ألمانيا تتحفظ على قيام هياكل إسلامية في سوريا، وبريطانيا ترفض دعم الحكومة الحالية بقيادة أحمد الشرع، ولم نشهد حتى الآن أي اتصالات بريطانية مباشرة مع هذه الحكومة، بخلاف دول مثل إيطاليا وفرنسا التي أبدت مرونة أكبر”.
وبدوره أشار المسؤول السعودي، إلى أن الرياض تتبع نهجاً أكثر حذراً مقارنة بتركيا وقطر، اللتين بادرتا بإعادة فتح سفارتيهما في دمشق.
أهمية اجتماع الرياض
وأشار ياسين إلى أن الدول العربية الفاعلة تسعى لإعادة سوريا إلى الحضن العربي، مؤكداً أن اجتماع الرياض يبرز أهمية هذا التوجه. وقال: “إخراج سوريا من الجامعة العربية جعلها ساحة مفتوحة للأطماع الإيرانية. لن تقبل الدول العربية بخسارة سوريا مجددًا لصالح النفوذ الإيراني. كما أن تركيا، التي أدركت أنها لا تستطيع مساعدة سوريا بمفردها، تسعى الآن للعمل بشكل مشترك مع الدول العربية لتحقيق الاستقرار”.
وقال عمر كريم، الخبير في السياسة السعودية في جامعة برمنغهام، لـ”فرانس برس” إن السعودية تتعامل بإيجابية مع الإدارة الجديدة في دمشق، لكنها تنتظر خطوات واضحة لتحقيق الاستقرار والسيطرة على العناصر المتطرفة.
في سياق متصل، أرسلت السعودية مساعدات إنسانية إلى سوريا هذا الشهر، وتفاوض حالياً على كيفية دعم الانتقال السياسي في البلاد. وأشارت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يرفع العقوبات عن سوريا إذا اتخذت الإدارة الجديدة خطوات لتشكيل حكومة شاملة تحمي الأقليات.
ويمثل اجتماع الرياض، بحسب محللين، محطة مهمة في تحديد مستقبل سوريا بعد التغيرات السياسية الأخيرة. وأوضح الجليدي أن “المرحلة الحالية تشهد تنافساً مكلفاً بين القوى الإقليمية والدولية للسيطرة على المواقع الاستراتيجية، وخصوصاً المياه الدافئة، مما يرفع من أهمية التحركات السعودية في هذا السياق”.
وشدد الباحث في الشؤون الدولية، على أن “الدول الأوروبية تفضل استقرار سوريا لضمان عودة اللاجئين وتقليل مخاطر النزوح الجماعي مجدداً، وهو ما يضع أهمية كبيرة على التعاون العربي-الأوروبي في هذا الملف الحساس”.