بينما تستعد الولايات المتحدة الأميركية لتنصيب الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، في 20 كانون الثاني/يناير الجاري، بعد فوزه على منافسته الديموقراطية كاملا هاريس، يترقب العالم باهتمام كيف ستكون سياسة الحاكم الجديد للبيت الأبيض، خاصةً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. وقد أعرب ترامب سابقاً عن رغبته في إحداث تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية، مثل إنهاء الحروب واتخاذ سياسة “أميركا أولاً”. ونظراً للوجود العسكري والسياسي الأميركي المؤثر في سوريا، يطرح السؤال المهم: كيف ستبدو سياسة ترامب تجاه سوريا في ظل الأوضاع الحالية في المنطقة؟ وما هو موقفه من نظام الأسد بعد تراجع نفوذه؟
وفي سياق ولاية ترامب الأولى (2016-2020)، اتخذت الإدارة الأميركية مجموعة من القرارات الحاسمة تجاه سوريا. كان من أبرز هذه القرارات وقف الدعم لفصائل المعارضة السورية، وإقرار قانون “قيصر” الذي فرض عقوبات اقتصادية على نظام الأسد، بالإضافة إلى سحب جزء من القوات الأميركية من بعض المناطق السورية في عام 2019. كذلك، نفذت الولايات المتحدة ضربة عسكرية استهدفت مطار الشعيرات في سوريا بعد الهجوم الكيميائي الذي تعرضت له بلدة خان شيخون في شمال غرب البلاد.
سياسة ترامب القادمة في سوريا
في تصريحات خاصة لموقع “963+”، أكد الدكتور سمير تقي، الباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن سياسة ترامب تجاه سوريا ستكون أكثر تشدداً في المستقبل. وذكر تقي أن الرئيس الأميركي سيكون مستعداً لتقديم “عربون فعّال وجدّي مؤقت” للحكومة السورية الجديدة، لكن بشرط أن تتمكن هذه الحكومة من حماية حقوق جميع المكونات السورية.
وأوضح تقي أن “بعض الملفات الهامة مثل رفع العقوبات ورفع هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب قد تُحل بعد تنسيق بين الإدارتين الحالية والمقبلة”.
وأشار تقي إلى أنه رغم العلاقات الجيدة بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، “إلا أن ترامب سيكون أكثر تشدداً مع تركيا فيما يتعلق بمسألة الأكراد”. وأضاف أنه “من المتوقع أن تتجه السياسة الأميركية إلى تعزيز موقفها مع القوى الإقليمية في ظل تلك العلاقات المعقدة”.
من جانبه، أكد المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية، رضا سعد، المقيم في جنيف، أن “ترامب سيركز على العوامل الاقتصادية والأمنية في سياسته تجاه سوريا”.
وأوضح سعد في حديث لـ”963+” أن ترامب سينظر إلى سوريا باعتبارها دولة ذات موقع استراتيجي وموارد طاقة هامة، وقد يسعى إلى توقيع عقود اقتصادية طويلة الأمد مع الشركات الأميركية في مجالات الاستثمار وإعادة الإعمار.
كما أشار المحلل السياسي، إلى أن “ترامب يرى أن سوريا المستقبلية يجب أن تكون جزءاً من النظام العربي المعتدل الذي يتماشى مع السياسات الأميركية في المنطقة، خاصةً في قضايا الأكراد وإسرائيل”.
سوريا كـ “كعكة” في نظر إدارة ترامب
من جهته، أكد الصحفي والمحلل السياسي عصام خوري، المقيم في واشنطن، أن إدارة ترامب ترى في سوريا “كعكة مقسمة” بين تركيا وإسرائيل. وأوضح خوري في تصريحاته لـ”963+” أن تركيا “هي الكاسب الأكبر في سوريا من الناحية الاقتصادية والسياسية، بينما إسرائيل هي الكاسب الأكبر من الناحية الأمنية”.
ورأى خوري أن إدارة ترامب “ستسعى إلى خلق نوع من الاستقرار الجزئي في سوريا، وهو ما قد يساعد في تقليص تدفقات اللاجئين نحو أوروبا، في وقت تعاني فيه الأخيرة من تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية”.
وحول مستقبل العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، أفاد خوري أن إدارة بايدن قد علقت جزئياً بعض العقوبات لمدة ستة أشهر، لكن الإدارة القادمة ستراقب أفعال الحكومة الانتقالية في سوريا.
وأضاف أن التمديد للعقوبات “قد يكون هو الخيار الأكثر احتمالاً، خاصةً في ظل التوترات الإقليمية ووجود معارضة من الكونغرس الأميركي لأي رفع سريع للعقوبات”.
وفي هذا السياق، وافقت إدارة الرئيس جو بايدن في نهاية الأسبوع الماضي على السماح لوزارة الخزانة الأميركية بإصدار إعفاءات لبعض المجموعات الإنسانية والشركات التي تقدم مساعدات أساسية لسوريا، ولكن دون رفع العقوبات بشكل كامل.
وأوضح الباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن “هناك اتفاقاً بين الجمهوريين والديموقراطيين في الكونغرس على ضرورة استمرار العقوبات لفترة طويلة للتأكد من قدرة الحكومة السورية على إجراء مصالحة وطنية حقيقية”.
التعامل مع الملف الكردي التركي
من أبرز القضايا التي ستواجه ترامب في سوريا هو الملف الكردي التركي. في هذا الصدد، أكد خوري أن “ترامب قد يسعى لحل الخلافات مع تركيا عبر فتح ملف عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، وربما يطرح فكرة تحويل حزبه إلى حزب سياسي، كما حدث مع عدة حركات إسلامية وعسكرية في الشرق الأوسط”.
أما الباحث رضا سعد، فقد أشار إلى أن العلاقات الأميركية مع الأكراد “ستظل وطيدة”، لكن في الوقت نفسه “لن يسمح ترامب بتصعيد الخلافات مع تركيا، خاصةً في ضوء تحالف تركيا مع الولايات المتحدة في إطار حلف الناتو”.
وعلى صعيد الوجود العسكري الأميركي في سوريا، ذكر تقي أن “ترامب لن يتخذ قراراً بالانسحاب الكامل من سوريا في المستقبل القريب، خاصةً بعد تجربة انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان التي خلّفت نتائج كارثية”. وأضاف أن “تهديد تنظيم داعش لا يزال قائماً، ولا يوجد رئيس أميركي قادر على تحمل تبعات الانسحاب في هذا الوقت”.
أما خوري، فقد ربط فكرة الانسحاب العسكري الأميركي “بتصعيد التدخلات الإسرائيلية في المنطقة”. وحسب رأيه، فإن “الولايات المتحدة ستستمر في وجودها العسكري في سوريا لدعم حلفائها، وخاصةً إسرائيل، في مواجهة التهديدات الأمنية”.
وأضاف خوري أنه “إذا استقرت الأمور إقليمياً، فقد تتعاون الولايات المتحدة مع دول إقليمية مثل السعودية والإمارات وتركيا لدعم مشروع مكافحة الإرهاب وتقليص وجود التنظيمات المتطرفة”.
وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قد أكد في تصريحات لوكالة “أسوشيتد برس” أن “الوجود العسكري الأميركي في سوريا يظل ضرورياً للقضاء على تنظيم داعش وضمان الأمن في مخيمات الاعتقال التي تضم العديد من عناصر التنظيم السابقين وأسرهم”.