تتصدر الأوضاع في سوريا المشهد عالمياً خلال هذه الفترة، في ظل مرحلة انتقالية تسودها الضبابية وتقودها إدارة جديدة تحاول العمل على ضبط الأوضاع داخلياً والحصول على دعم عربي ودولي للبدء بعمليات إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي، وسط مخاوف من وقوع البلاد تحت وصاية أطراف إقليمية أو دولية، فما هو الموقف الأوروبي من كل ما يجري في سوريا، وما دور الدول الأوروبية خلال المرحلة الانتقالية وبعدها وفي عمليات إعادة الإعمار؟
ألمانيا تؤيد رفع العقوبات
مصادر ديبلوماسية أوروبية أكدت أمس الثلاثاء، أن ألمانيا تؤيد تخفيف بعض العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا، وقالت إن الحكومة الألمانية أرسلت طلباً بهذا الشأن إلى مكتب مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، لإجراء مباحثات أولية خلال اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين ببروكسل في 27 كانون الثاني/ يناير الجاري.
وأوضحت المصادر، أن “برلين طرحت في رسالتها بعض الإمكانات على الطاولة منها تسهيل المعاملات المالية مع السلطات السورية الجديدة وحتى نقل رؤوس الأموال الخاصة لا سيما العائدة للاجئين السوريين في الخارج. والاحتمال الآخر هو رفع بعض العقوبات المتعلقة بقطاعي الطاقة والنقل الجوي”.
اقرأ أيضاً: الجامعة العربية: هناك زيارة قريبة إلى سوريا
بالتزامن، أكد المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك خلال تصريحات لقناة تلفزيونية عربية، على “ضرورة رفع العقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة على سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، لمساعدة شعبها على النهوض وتجاوز الأزمة”، وقال إن “موضوع العقوبات سيتم مناقشته خلال اجتماع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع عدد من نظرائه الأوروبيين في روما الخميس القادم، الأجواء الدولية والإقليمية إيجابية تجاه مشروع سوريا الجديدة ونجاحه”.
وأشار شنيك، إلى أن “برلين رأت عوامل إيجابية بشأن سلوك الإدارة السورية الجديدة، مثل الشعور بحرية في دمشق، والتنقل من دون أن تتم ملاحقة أو متابعة أي شخص، إضافة السعادة لدى السوريين، وامتلاء الأسواق بالناس وانخفاض الأسعار”، إلا أن ذلك قد يبدو متعارضاً مع تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال مؤتمر صحفي خلال زيارتها دمشق، حيث قالت إن “الدول الأوروبية لن تمول جماعات إسلاموية في سوريا”.
استقرار سوريا وعودة اللاجئين
الكاتب الصحفي السوري المقيم في فرنسا فراس علاوي، يوضح أنه “يهم الدول الأوروبية أن تكون سوريا دولة مستقرة وأن يتحسن الاقتصاد السوري لعدة أسباب أولها ما يتعلق بموضوع اللاجئين حيث أن تحسن الاقتصاد يخفف من تدفق اللاجئين وربما عودتهم من أوروبا إلى بلادهم، وبالتالي تخفيف الضغط على الحكومات من قبل اليمين المتطرف”.
اقرأ أيضاً: كيف سينعكس تخفيف العقوبات الأميركية على الأوضاع في سوريا؟
ويقول خلال تصريحات لموقع “963+”، إنه “بالنسبة للدول الأوروبية فإن سوريا الآمنة والمستقرة تعني أنه لا يوجد انفلات أمني كما كان على عهد نظام بشار الأسد المخلوع وما يتبع ذلك من عمليات تهريب لمادة “الكبتاجون” المخدرة من سوريا، لذلك فإن مساعدة السلطات الحالية في سوريا بضبط الأوضاع الأمنية والاقتصادية هو أمر مهم بالنسبة للدول الأوروبية”، لافتاً إلى أن “عمليات إعادة الإعمار ستعود بمكاسب كبيرة على الشركات الأوروبية ما يحسّن الاقتصاد الأوروبي الذي يعاني حالياً من تراجع وركود، وعليه فأوروبا تؤيد رفع العقوبات عن سوريا”.
بدوره، يقول الأمين العام لحركة الديبلوماسية الشعبية السورية الدكتور محمود الأفندي المقيم في موسكو، إن “الدول الأوروبية كانت بعيدة عن اللعبة الجيوسياسية في سوريا خلال السنوات الأخيرة، لذلك تحتاج إلى نحو عام للاستفاقة من الصدمة التي رافقت سقوط نظام بشار الأسد وانتقال الحكم إلى طرف إسلامي متشدد، وما يهمها من كل ذلك الآن هو خروج روسيا وإيران من سوريا”.
“اتّباع الخطوات الأميركية”
ويشير خلال تصريحات لموقع “963+”، إلى أن “الدول الأوروبية بما في ذلك الفاعلة منها تتبع خطوات الولايات المتحدة بشأن سوريا، في ظل تبعية شبه كلية لواشنطن، وعليه فهم بانتظار استلام دونالد ترامب السلطة في البيت الأبيض، وما يتخذه من قرارات بشأن سوريا ليتبعوه بطبيعة الحال على اعتبار أنها خارج اللعبة الجيوسياسي على مستوى العالم ككل”.
وفرض الاتحاد الأوروبي سلسلة عقوبات على سوريا تستهدف نظام بشار الأسد المخلوع ومؤيديه، وتطال هذه العقوبات أيضاً قطاعات من الاقتصاد السوري، وتحديداً القطاع المالي الذي كان النظام يستفيد منه، وتدعو الحكومة الانتقالية في دمشق إلى رفع العقوبات الدولية عن سوريا، لكن العديد من العواصم ومنها واشنطن قالت إنها تتريث لترى نهج السلطات الجديدة في الحكم قبل رفع القيود.
اقرأ أيضاً: التقارب السوري الخليجي.. هل يُضعف قبضة تركيا في المنطقة؟
الكاتب والمحلل السياسي والعضو السابق في الحزب الشيوعي الإيطالي عدي رمضان المقيم في إيطاليا، يقول إن “دول الاتحاد الأوروبي تعزف على وقع النوطة الأميركية، فإذا أرادت واشنطن أن يكون لهذه الدول دور في سوريا فسيكون لها ذلك، وزياراتهم لا تتعدى كونها تحرك ديبلوماسي، في انتظار وصول دونالد ترامب إلى السلطة في البيت الأبيض، كي يتعرفوا على الخطة التي سيرسمها لهم في الشرق الأوسط”.
ما هي حدود الدور الأوروبي
ويلفت الأفندي، إلى أن “سوريا هي شريك تجاري للاتحاد الأوروبي منذ تأسيس الدولة السورية، لذلك فهي لا يمكن أن تعيش دون دعم أوروبي سواءً في مجال التكنولوجيا أو البنية التحتية الأساسية التي في معظمها أوروبية منذ الانتداب الفرنسي، إلا في حال اتجاهها نحو الصين وهذا أمر مستبعد، على اعتبار أن الأخيرة هي حليف لروسيا وإيران”.
ويذهب علاوي في هذا الاتجاه أيضاً، ويرى أنه “من المؤكد أن يكون لأوروبا دور في سوريا الجديدة خاصةً أن الشركات الهامة المتواجدة في تركيا ودول الخليج هي شركات أوروبية، وعليه فإنه من المتوقع أن يكون هناك مساحة جيدة للدور الأوروبي سواءً اقتصادياً أو سياسياً، كما أنه من غير المتوقع أن تكون السلطات السورية الجديدة قادرة على العمل بمعزل عن الدور الغربي بسبب العلاقات الدولية المتشابكة أولاً، إلى جانب العدد الكبير من السوريين في أوروبا وقرب سوريا من المحيط الأوروبي، والدول الأوروبية هي دول فاعلة وصاحبة اقتصاديات كبيرة وتؤثر بالاقتصاد العالمي”.
ويعتبر أن تصريحات وزيري الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، والألمانية أنالينا بيربوك بشأن عدم تقديم الدعم لسوريا لحين مراقبة سلوك السلطات، “هي للضغط على الحكومة الجديدة لإشراك المكونات الأخرى بالحكم، لكنها ليست قرارات نهائية، فهذا الأمر يعود للبرلمانات والحكومات التنفيذية”.
ويخالف رمضان الرأيين السابقين، ويرى أنه “من غير المتوقع أن يكون للدول الأوروبية أي دور في سوريا الجديدة، على اعتبار أنه لم يكن لها دور في المنطقة ولا بإسقاط النظام السابق الذي تم باتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وقطر وإسرائيل، الذين أعطوا الضوء الأخضر لإسقاطه ورفعوا الحصانة عنه”، لافتاً إلى أن “الأوضاع في سوريا لا تزال غير مستقرة والجميع بانتظار وصول ترامب إلى سدة الحكم بالبيت الأبيض لتتضح معالم سياسته بالمرحلة المقبلة”.
ويوم الإثنين الماضي، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية رخصة عامة لسوريا تسمح بإجراء معاملات مع مؤسسات حكومية سورية، وبعض معاملات الطاقة والتحويلات المالية الشخصية، وأصدرت إعفاءات تهدف لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية للبلاد، موضحةً أن الترخيص يجيز تحويل الأموال الشخصية بما في ذلك عبر البنك المركزي.
ويسمح الترخيص العام الأميركي الذي يحمل اسم “GL24” بمعاملات محددة مع المؤسسات الحاكمة في سوريا بعد 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، والمعاملات الداعمة لبيع أو توريد أو تخزين أو التبرع بالطاقة، بما في ذلك النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي والكهرباء إلى سوريا، وتلك الأخرى التي تكون ضرورية لمعالجة التحويلات الشخصية غير التجارية بما في ذلك من خلال مصرف سوريا المركزي، بحسب بيان الخزانة الأميركية.