في خضم تصاعد حدة الاشتباكات الدائرة شمالي سوريا، تتجه الأنظار إلى سد تشرين بريف محافظة حلب شمالي البلاد، المنشأة المائية الاستراتيجية التي تحبس خلفها نحو 1.9 مليار متر مكعب من المياه. القصف المتواصل والعمليات العسكرية المتزايدة في محيط السد أثارا مخاوف من كارثة بيئية وإنسانية قد تمتد آثارها من شمالي سوريا إلى العراق. وبينما تُظهر التقارير أن الهيكل الإنشائي للسد قد يكون صامداً، إلا أن تعطل آلياته الحيوية وعنفاته يزيد من احتمالية فيضانات كارثية تهدد ملايين السكان والمناطق الزراعية الشاسعة على ضفاف نهر الفرات.
وتتزايد الدعوات المحلية والدولية لتجنب الأسوأ، مع تأكيد الخبراء على ضرورة تحييد السد والمنشآت المرتبطة به عن دائرة الصراع، واتخاذ إجراءات فورية للحفاظ على استمرارية عمله، في ظل أزمة إنسانية باتت تُلقي بظلالها الثقيلة على المنطقة بأكملها.
وأمس الأربعاء، قصفت طائرات حربية ومسيرة تركية، بشكل مكثف سد تسرين ومحيطه، بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف على المنطقة، واشتباكات بين قوات “مجلس منبج العسكري” التابع لقوات سوريا الديموقراطية (قسد) وفصائل من “الجيش الوطني السوري) المدعوم من تركيا، أعقب ذلك مقتل 3 مدنيين وإصابة 15 آخرين جراء قصف مسيرة تركية لقافلة مدنيين كانت متجهة للسد للتنديد بالهجمات، وفق ما أفادت وكالة أنباء (هاوار) المقربة من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
تصاعد التحذيرات من كارثة بيئية
حذر إياد الحجي، الباحث الاقتصادي ومدير المدينة الصناعية الحرة في حلب سابقاً، من أن تعطل آليات سد تشرين وعنفاته نتيجة العمليات العسكرية الجارية قد يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه في بحيرة السد البالغة سعتها 1.9 مليار متر مكعب، “مما قد يتسبب في أضرار كارثية”.
وأكد الحجي في تصريحات لموقع “963+” أن “احتمال انهيار الهيكل الإنشائي للسد غير وارد، إلا أن تعطيل العنفات سيؤثر بشدة على مشاريع الري وتوليد الكهرباء في المنطقة، مما يزيد من خطورة الوضع”.
وكانت قد حذرت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في بيان رسمي أمس الثلاثاء، من فيضانات محتملة نتيجة خروج سد تشرين عن الخدمة بسبب القصف التركي المتواصل على المنطقة.
وأوضحت الإدارة أن القصف والاشتباكات المستمرة في محيط السد تسبب أضراراً كبيرة في بنيته، مع تصدعات قد تؤدي إلى انهياره في حال استمرار العمليات العسكرية.
وأكد البيان أن انهيار السد سيطلق كميات ضخمة من المياه تتجه نحو سد الفرات، الذي لن يتمكن من استيعاب هذه الكمية الهائلة، ما سيؤدي إلى غمر مناطق واسعة تمتد من الرقة والطبقة وصولاً إلى الأراضي العراقية، وينذر بكارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة.
اقرأ أيضاً: الإدارة الذاتية تحذر من تداعيات الحرب بمحيط سد تشرين – 963+
تداعيات تعطل السد
منذ كانون الأول/ ديسمبر 2024، تسبب القصف التركي المكثف في تعطيل عمل سد تشرين، بما في ذلك توقف توليد الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة في شمال شرقي سوريا.
كما أدت الاشتباكات الأخيرة، التي تصاعدت في 7 كانون الثاني/ يناير 2025، إلى توقف السد عن العمل، وارتفاع منسوب المياه داخل بحيرته، مما يهدد سلامة السد ويفاقم الأزمة.
ويشار إلى أن سد تشرين، الذي يبلغ طوله 1.5 كيلومتراً، يحتوي على محطة كهرومائية بقدرة 105 ميغاواط، ويعد من أهم المنشآت الحيوية في سوريا.
وأوضح الحجي أن سد تشرين صمم منذ تشغيله في عام 1999 لاستيعاب التدفقات المائية عبر عنفاته الستة، مما يضمن تصريف المياه إلى سد الفرات في مدينة الطبقة.
ومع ذلك، فإن تعطل هذه العنفات، بحسب الباحث الاقتصادي، “قد يؤدي إلى غمر جسم السد بمياهه، وهو ما يهدد بكارثة بيئية وزراعية بين السدين”. كما أكد أن استمرار العمليات العسكرية “يعوق القدرة على تنظيم التدفق المائي، ويزيد من خطر غمر الأراضي الزراعية والقرى المحاذية لنهر الفرات”.
دعوات للتحرك العاجل
ناشدت الإدارة الذاتية المجتمع الدولي والأمم المتحدة للتدخل الفوري والضغط على تركيا لوقف العمليات العسكرية في محيط السد. ودعت إلى تحييد سد تشرين والمنشآت الحيوية المحيطة به لضمان عدم تفاقم الكارثة.
وفي السياق ذاته، شدد الحجي على أهمية: “تشغيل سد تشرين بكامل طاقته لضمان تصريف المياه وتنظيم تدفقها نحو سد الفرات، السماح بوجود فرق هندسية دولية لتوفير قطع الغيار اللازمة للصيانة، وإعادة تشغيل العنفات المائية والكهرومائية، تأمين استمرارية خدمات المياه والكهرباء لتلبية احتياجات المناطق المتضررة، بما في ذلك مدينتي حلب والرقة ومحيطهما، ومنع استخدام المنشآت الحيوية كساحة للمعارك، لما لذلك من عواقب كارثية على حياة السكان والبنية التحتية الأساسية”.
ورغم تطمينات بأن السدود العراقية قادرة على استيعاب أي فيضان محتمل، فإن انهيار سد تشرين سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية داخل سوريا. ومن المتوقع أن تتأثر مناطق واسعة تعتمد على مياه السد وكهربائه، مما يهدد حياة مئات الآلاف من السكان في شمال شرقي سوريا.
وتظل المنطقة في حالة تأهب وسط تصاعد الاشتباكات، مع تحذيرات متزايدة من تداعيات خطيرة في حال لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لتحييد السد وإنقاذه من خطر الانهيار.