بعد سنوات طويلة من الصراع في سوريا، وانهيار نظام بشار الأسد وفراره من العاصمة دمشق، تتجه الأنظار إلى ضرورة إحياء عملية إعادة الإعمار وترميم الاقتصاد السوري، باعتبارهما حجر الزاوية في استعادة الاستقرار والتنمية للبلاد.
تأتي هذه الجهود في سياق معقد، يشمل تحديات داخلية وإقليمية ودولية، مما يستدعي التعامل مع أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة. إلى جانب ذلك، تلوح آمال كبيرة نحو تأسيس سوريا جديدة. ومع ذلك، تواجه البلاد دمارًا واسعًا في البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه، والطرق، والمدارس، والمستشفيات، والمساكن. هذا الوضع يشير إلى عملية إعادة إعمار طويلة ومعقدة، تتطلب موارد مالية ضخمة، وشركات متخصصة، ودعماً دولياً.
أما الاقتصاد السوري، فهو يعاني من انهيار شبه كامل نتيجة الحرب والعقوبات الاقتصادية، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة والانخفاض الحاد في قيمة العملة المحلية التي فقدت جزءًا كبيرًا من قيمتها خلال سنوات الصراع الأخيرة. هذه الأزمة تجعل إصلاح الاقتصاد وإعادة بنائه أولوية ملحّة تحتاج إلى رؤية مستدامة وجهود متواصلة.
المسار السياسي وتأثيره
يشير الخبير الاقتصادي سمير طويل إلى أن تكلفة إعادة الإعمار في سوريا قد تصل إلى نحو 400 مليار دولار، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة. وفي تصريحاته لموقع “963+”، يوضح طويل أن إعادة الإعمار تتطلب جهوداً محلية ودولية، ويشدد على أهمية تفعيل مؤتمر المانحين، تليه خطوة من الحكومة السورية لإطلاق مرحلة إعادة الإعمار رسمياً.
ويحدد طويل أن مرحلة إعادة الإعمار يجب أن تشمل تأهيل وإعادة بناء المناطق المدمرة، إلى جانب تأسيس البنية التحتية الأساسية، مثل شبكات الصرف الصحي والكهرباء، إضافة إلى إنشاء وتجديد الجسور والطرق والكباري.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن إعادة الإعمار تحتاج إلى دعم وتمويل دولي، بالإضافة إلى ضرورة إشراك شركات خارجية متخصصة في هذا المجال. ويشير طويل إلى أن الوضع ما يزال غامضًا، حيث لم يتم تحديد رقم دقيق وواقعي للتكلفة رغم التقديرات التي تشير إلى 400 مليار دولار.
ويضيف طويل أنه لا يزال من المبكر الحديث عن إطلاق مرحلة إعادة الإعمار في الوقت الحالي، على الأقل في المدى المنظور، نظرًا للاضطرابات السياسية وتناقضاتها، رغم الأهمية الكبيرة لهذه العملية للبلاد والمجتمع الذي عانى طويلاً.
في جميع الأحوال، تبقى إعادة الإعمار بحاجة إلى مؤتمر مانحين أولاً، يليه مشاركة شركات أجنبية، ثم الإعلان الرسمي عن إطلاق العملية. وفي السياق السياسي، من المحتمل أن يكون لبعض الدول دور أكبر من غيرها في هذه العملية.
على الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية، يبدو أن دولاً مثل قطر وتركيا، وربما السعودية، سيكون لها دور بارز في مشاريع إعادة الإعمار، إلى جانب بعض الدول الغربية التي لم تكشف بعد عن موقفها حيال هذه القضية.
يربط سمير طويل مسألة إعادة الإعمار بالوضع الداخلي في سوريا، ومدى نجاح الحكومة في تحقيق الاستقرار السياسي وتموضعها بشكل كامل في السلطة. وفي ختام حديثه لـ”963+”، يشير طويل إلى أن الحديث عن تعافي الاقتصاد والحصول على الموارد اللازمة للحكومة، بالإضافة إلى تحقيق التوازن في الموازنة العامة، ما زال غامضاً.
ويعود ذلك إلى الضبابية الناتجة عن استمرار عدم الاستقرار السياسي والمالي. من هنا، يرى أن المعيار الحقيقي لانطلاق جهود إعادة الإعمار يكمن في تنفيذ خطة واضحة المعالم قابلة للتنفيذ الفعلي.
إن الشؤون السياسية والاقتصادية تتداخل بشكل معقد في المناطق التي تمر بمرحلة صراع وتحاول التوجه نحو الاستقرار، مما يستدعي التدقيق الشديد في مسار إعادة الإعمار في سوريا. إذ سيكون الدعم الدولي مرهونًا برؤية الدول المانحة حول مدى قدرة السلطة الجديدة في سوريا على تنفيذ الإصلاحات السياسية المطلوبة وإقامة نظام ديمقراطي مستقر قبل تقديم المساعدات الكبيرة، مما يعني أن هناك ضغطًا سياسيًا على الحكومة الانتقالية.
من جانب آخر، يبرز أهمية تنمية موارد سوريا الطبيعية والثروات التي تملكها لتعزيز الاقتصاد الوطني، وتحديثه بما يتطلبه من آليات للنمو الاقتصادي وتحقيق تطلعات الشعب السوري في مجالات التنمية المستدامة.
ويعتبر المجتمع المدني عنصراً محورياً في عملية إعادة الإعمار، حيث يمكنه أن يلعب دوراً فعالاً في تعزيز المصالحة الوطنية، وتقديم الخدمات الأساسية، ومراقبة تنفيذ المشاريع لضمان الشفافية والكفاءة.
دور الدول العربية والدعم الدولي
من جانبه، يرى رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة الأردنية، الدكتور رعد محمود، أن إعادة إعمار سوريا تعد أولوية ملحة بعد أكثر من عقد من الصراع الذي ألحق أضراراً جسيمة بالبنية التحتية، وأثر بشكل كبير على حياة ملايين المواطنين.
ويضيف الدكتور محمود في حديثه لـ”963+”، أن هذه المرحلة تمثل فرصة حقيقية لتحقيق الاستقرار الداخلي من خلال إعادة تأهيل القطاعات الأساسية مثل التعليم والصحة والنقل، مما يسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي ودفع عجلة التنمية الاقتصادية. كما أن استعادة سوريا لدورها الحيوي في المنطقة يتطلب بناء شراكات قوية مع الدول العربية لتحقيق التكامل الاقتصادي.
ويؤكد محمود أن الدول العربية تمثل شريكًا أساسيًا في إعادة إعمار سوريا، خاصة في قطاع البنية التحتية الذي يحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة بناء الطرق والجسور والمرافق العامة. وتتمتع دول مثل مصر والسعودية والإمارات بالخبرة والقدرة على قيادة مشاريع إنشائية ضخمة بالتعاون مع القطاع الخاص. هذه الجهود لا تسهم فقط في دعم الشعب السوري، بل تعزز أيضًا مكانة هذه الدول كمحركات رئيسية للتنمية في المنطقة.
آفاق التعاون العربي
يُعد قطاع الطاقة أحد الركائز الأساسية لإعادة إعمار سوريا، حيث يمكن للدول العربية أن تلعب دورًا بارزًا في هذا المجال من خلال مشاريع الربط الكهربائي وتطوير مصادر الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، يمكن أن يسهم الربط الكهربائي بين سوريا والعراق، بالإضافة إلى استثمارات في الطاقة الشمسية، في توفير مصادر طاقة مستدامة تساهم في إعادة تشغيل المصانع وتخفيف معاناة السكان. كما أن هذه المشاريع قد تفتح الباب أمام تعاون إقليمي أوسع، مما يعزز النمو الاقتصادي في المنطقة ككل.
ويختتم رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة الأردنية، الدكتور رعد محمود، تصريحاته لـ”963+” بالقول إن إعادة إعمار سوريا ليست مجرد جهد محلي، بل يجب أن تكون مشروعًا عربيًا مشتركًا يعزز الاستقرار الإقليمي ويفتح آفاقًا جديدة للتكامل الاقتصادي. إن نجاح الدول العربية في المشاركة بهذه الجهود سيعزز من دورها الإقليمي ويؤسس لعلاقات اقتصادية طويلة الأمد تعود بالفائدة على الجميع. ورغم التحديات السياسية والاقتصادية، تبقى عملية إعادة إعمار سوريا فرصة فريدة لتجديد الروابط العربية وبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للمنطقة.