كانت زيارة الوفد الأوكراني لدمشق برئاسة وزير الخارجية المبعوث الشخصي للرئيس فولديمير زيلينسكي، أمراً لافتاً على مستوى الوضع الدولي، نظراً لتطور الحالة الميدانية فيما بين كييف وموسكو. ومن هنا برز في هذه الزيارة إعلان دولة أوكرانيا استعدادها لعودة العلاقات الديبلوماسية وفتح السفارات. وقد أوضح الديبلوماسي الأوكراني فيتالي فيديانين، أن كييف تعمل على المساعدة نحو استعادة الاستقرار في سوريا بعد سنوات من التدخل الروسي والإيراني.
وفي تصريحات خاصة لموقع “963+”، ناقش الديبلوماسي الأوكراني فيتالي فيديانين، تطورات العلاقات بين أوكرانيا وسوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد المخلوع، وأكد أن أوكرانيا تسعى إلى ملء الفراغ الذي تركته روسيا في الأراضي السورية.
وقال فيديانين: “نحن مقتنعون بأن هذا سيساعدنا بالتأكيد على استعادة السلام لأنفسنا في أوكرانيا. نحن نملأ الفراغ الذي تركته موسكو بعد هروبها من الأرض السورية، وذلك من خلال الديبلوماسية والدعم الإنساني والحوار السياسي”.
وشهدت دمشق زيارة رسمية لوفد أوكراني رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، وذلك عقب سقوط نظام الأسد. وهذه الزيارة، التي تضمَّنت أيضاً مبعوثاً شخصيا ًمن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جاءت لتؤكد دعم أوكرانيا الثابت لسوريا الجديدة بعد سنوات طويلة من الطغيان والمعاناة. وقال فيديانين في هذا السياق: “نهنئ الشعب السوري بمناسبة انتصار الثورة، ونحن نعتبر أن هذا الحدث يمثل لحظة تاريخية لسوريا، ويوفر أملًا كبيرًا في نقلة نوعية لبناء دولة جدية بعد سنوات طويلة من الصراع”.
أوضح فيديانين أن أوكرانيا تتطلع إلى فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع سوريا، التي كانت دائماً واحدة من أكبر شركاء أوكرانيا في الشرق الأوسط. وأشار إلى أهمية استعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين وتطوير التعاون في مجالات متعددة، بشرط أن تحترم سوريا الجديدة سيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية.
كما أشار إلى أن “نظام الأسد، تحت ضغط من موسكو، كان قد اعترف بالاحتلال الروسي للأراضي الأوكرانية، ودعم العدوان الروسي على أوكرانيا، مما أدى إلى قطع العلاقات بين البلدين في الفترة الماضية”.
وأضاف: “الآن لدينا فرصة لتغيير هذا الخطأ التاريخي والعودة إلى مسار العلاقات الطبيعية بين البلدين. إن أوكرانيا تظهر القيادة بسرعة في السياسة الخارجية، ونحن ملتزمون بأن نكون نشطين في إدارة سياستنا الخارجية، كما نفعل في ساحة المعركة. بزيارتها إلى دمشق، فاجأت الدبلوماسية الأوكرانية العالم مرة أخرى، واستولت على زمام المبادرة”.
التعاون الزراعي والإنساني
ضم الوفد الأوكراني في هذه الزيارة وزير السياسة الزراعية والأغذية، فيتالي كوفال، الذي أجرى مباحثات مع وزير الزراعة السوري في الإدارة السورية الجديدة، محمد الأحمد. تمحورت النقاشات حول التعاون في مجال الأمن الغذائي، بما في ذلك تزويد سوريا بالقمح، والشعير، وزيت دوار الشمس، والسكر، والدقيق.
وأكد فيديانين أن أوكرانيا مستعدة لدعم سوريا من خلال إمدادات الغذاء، وخاصة في إطار برنامج “الحبوب من أوكرانيا” بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي، الذي بدأ بتوريد 500 طن من دقيق القمح إلى سوريا في ديسمبر الماضي.
وقال كوفال: “سوريا اليوم بحاجة ماسة للدقيق والقمح، ونحن مستعدون لتوفير هذه المنتجات الزراعية الأساسية، إلى جانب تقديم الخبرات الأوكرانية في تطوير إنتاج البذور، واستصلاح الأراضي، وتقنيات الري”. وأضاف أن أوكرانيا مستعدة لمساعدة سوريا في تعزيز استقرار قطاعها الزراعي، رغم التحديات التي تواجهها نتيجة العدوان الروسي على الأراضي الأوكرانية.
محاسبة مجرمي الحرب
فيما يخص التعاون الدولي لمحاسبة مجرمي الحرب، أكد فيديانين استعداد أوكرانيا لمشاركة خبراتها في جمع الأدلة وتوثيق الجرائم في سوريا. وأشار إلى أن أوكرانيا تمتلك خبرة واسعة في التحقيق في الجرائم الروسية، حيث سجل مكتب المدعي العام الأوكراني أكثر من 151 ألف جريمة حرب ارتكبتها روسيا في أوكرانيا.
كما لفت الديبلوماسي الأوكراني، إلى التعاون القائم بين أوكرانيا والمحكمة الجنائية الدولية، الذي أدى إلى إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال فيديانين: “نحن على استعداد لمشاركة معرفتنا وخبرتنا مع سوريا من أجل التحقيق الفعّال في الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد والاتحاد الروسي في سوريا”. وأوضح أن روسيا، من خلال دعمها لنظام الأسد، تتحمل المسؤولية المباشرة عن العديد من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في سوريا.
تأثيرات سقوط الأسد وخروج روسيا من الشرق الأوسط
ناقش فيديانين أيضاً تبعات سقوط نظام الأسد وخروج روسيا من سوريا على الوضع في المنطقة وحرب أوكرانيا. وقال: “إن سقوط الأسد كان ضربة قوية لطموحات بوتين في أن يصبح لاعبًا مؤثرًا في العالم العربي. ومع انهيار نظام الأسد، انهارت صورة موسكو باعتبارها شريكًا موثوقًا به وقوة عظمى قادرة على حماية حليفها”.
وأشار إلى أن الوجود العسكري الروسي في سوريا أدى إلى وفاة العديد من المدنيين وتدمير البنية التحتية، بما في ذلك الهجمات الروسية على المستشفيات والمدارس. وأضاف أن أوكرانيا تسعى الآن إلى استعادة الاستقرار في سوريا بعد سنوات من التدخل الروسي والإيراني، من خلال الدعم الإنساني والتعاون مع المنظمات الدولية.
دحض الدعاية الروسية
وفيما يخص التقارير حول التعاون الميداني بين أوكرانيا وهيئة تحرير الشام، أشار فيديانين إلى أن أوكرانيا لا تقاتل فقط ضد العدوان الروسي في ساحة المعركة، بل تدافع أيضاً عن نفسها من المعلومات المضللة التي تنشرها الدعاية الروسية.
وقال: “روسيا تستخدم وسائل الإعلام في دول الشرق الأوسط لتبرير عدوانها، ونحن نواجه هذا التلاعب بالحقائق”. وأضاف أن الدعاية الروسية تحاول تصوير روسيا كدولة مدافعة عن المضطهدين، بينما هي في الواقع دولة معتدية، قادت عدوانًا واسعًا ضد أوكرانيا.
واختتم فيديانين تصريحاته بالتأكيد على أن أوكرانيا جاهزة لمساعدة سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، مع التركيز على دعم الشعب السوري في مواجهة الأزمات الإنسانية، وتعزيز التعاون في مجالات الزراعة والأمن الغذائي. وأكد أن استقرار سوريا سيكون له تأثير إيجابي على المنطقة بأسرها، وسيعزز من مقاومة العدوان الروسي في أوكرانيا.