كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية اليوم الإثنين، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وافقت خلال عطلة نهاية الأسبوع على إصدار إعفاءات لمجموعات المساعدة والشركات التي تقدم المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه في سوريا، دون أن يتم الحديث عن رفع العقوبات عن البلاد، ما أعاد التساؤل عن سبب استمرار هذه العقوبات بعد سقوط نظام بشار الأسد، وحاجة السوريين إلى التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار؟.
الصحيفة، قالت نقلاً عن مسؤولين أميركيين إن “الإدارة الأميركية وافقت خلال عطلة نهاية الأسبوع على السماح لوزارة الخزانة بإصدار إعفاءات لمجموعات المساعدة والشركات التي تقدم الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والإمدادات الإنسانية الأخرى”، مشيرةً إلى أن “الخطوة تهدف لتسريع تسليم الإمدادات الأساسية من دون رفع العقوبات التي تقيد المساعدات الأخرى للحكومة الجديدة بدمشق، في ظل قلق البيت الأبيض بشأن إزالة العقوبات حتى يصبح الاتجاه الذي اتخذه قادتها الجدد، بقيادة مجموعة تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، أكثر وضوحاً”.
اقرأ أيضاً: ماكرون: لن نتخلى عن المقاتلين الأكراد في سوريا
البحث عن ضمانات لرفع العقوبات
وذكر المسؤولون، أن “الإعفاء الذي كان متاحاً في البداية لمدة ستة أشهر، سيحرر موردي المساعدات من الاضطرار للحصول على ترخيص على أساس كل حالة على حدة، لكنه يأتي مع شروط لضمان عدم إساءة سوريا استخدام الإمدادات، كما أن واشنطن تمتنع عن اتخاذ قرار بشأن رفع العقوبات التي فرضت على النظام السوري، سعياً للحصول على ضمانات بأن دمشق لن تتراجع عن وعودها بحماية حقوق المرأة والأقليات الدينية والعرقية العديدة في البلاد”.
الاقتصادي السوري ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب في باريس سمير العيطة، قال إن “لوبيات سورية وأميركية هي من دفعت نحو تمديد قانون قيصر ضمن قانون موازنة الدفاع في الولايات المتحدة، لذلك بعد دخول التمديد مشروع الموازنة كان من الصعب إلغائه خلال أيام قليلة”.
وأضاف في تصريحات لموقع “963+”، أن “الإدارة الأميركية الحالية وقبل أيام من استلام دونالد ترامب السلطة، تشدد على إصدار عفو جزئي على قطاعات معينة ولمدة محددة، لكن هناك مشكلة أساسية هي أن السلطة الحالية في سوريا غير معترف بها دولياً ومن قبل الولايات المتحدة”.
صعوبة تجاوز العقوبات الأميركية
الباحث في الفلسفة السياسية بجامعة باريس رامي الخليفة العلي، يرى أن “ما يمنع رفع العقوبات عن سوريا بشكل كامل هو وجود عدم ثقة بالإدارة الجديدة رغم خطاب التطمينات والتصريحات المتعددة للسيد أحمد الشرع، إلا أن الكثير من الدول الغربية صرحت بأنها تريد أن ترى أفعال وليس فقط أقوال”، متوقعاً أن “تدفع الإجراءات التي يتم اتخاذها وعقد المؤتمر الوطني وتشكيل حكومة باتجاه رفع العقوبات”.
اقرأ أيضاً: الهجري لـ”963+”: نسعى لدولة القانون والمواطنة ونطالب باللامركزية وفصل السلطات
ويشير العلي خلال تصريحات لـ”963+”، إلى أن “تركيا لديها مصلحة مباشرة في رفع العقوبات عن سوريا، وما يتبع ذلك من علاقات اقتصادية بين أنقرة والنظام الجديد على اعتبار أنها امتداد لما كان يتم في مناطق المحرر، وعليه فإنها سوف تذهب باتجاه الطلب من الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن سوريا، لأن أي دعم للأخيرة من قبلها دون رفعها سيبقى محدوداً على اعتبار أن سوريا معزولة عن النظام المصرفي العالمي وهناك عقوبات مرتبطة بالتحويلات البنكية”.
ومن جانبه، يوضح الدكتور عمر العكور، أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأردنية لـ”963+”، أن العقوبات المفروضة على سوريا أُنشئت في الأساس للضغط على النظام السابق بسبب انتهاكاته للقانون الدولي الإنساني. إلا أن هذه العقوبات، التي كانت تهدف إلى تقليص قدرات النظام، أصبحت تُثقل كاهل الشعب السوري بشكل غير مبرر، مشيراً إلى أن “القانون الدولي يهدف لحماية حقوق الإنسان وصون كرامته، وبالتالي فإن استمرار العقوبات يتعارض مع هذه المبادئ”.
وفي 20 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، التقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، بوفد ديبلوماسي أميركي برئاسة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، وناقش الطرفان القضايا المتعلقة بسوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وبعيد الاجتماع أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن إلغاء جائزة 10 ملايين دولار للإدلاء بمعلومات عن الشرع، والتي كانت واشنطن قد رصدتها منذ سنوات.
البحث عن توازن بين تركيا والعرب
ويرى العيطة، أن “تركيا تتخطى العقوبات الغربية على سوريا وتستورد لصالح محافظة إدلب التي أصبحت اليوم بدورها تورد لكافة المناطق السورية، هذا يخلق عدم توازن بين الدور التركي ودور البلاد العربية، لذلك فإنه من المتوقع أن قرار الولايات المتحدة تعليق العقوبات بشكل جزئي، هو لخلق توازن بين جميع الأدوار بشكل ينعكس على بعض القطاعات الأساسية كالطاقة والكهرباء، وعدم إغراق سوريا بالبضائع التركية فقط”.
وأشار، إلى أن “ممثلين من الخارجية الأميركية زاروا العاصمة السورية دمشق السبت الماضي، والتقوا مع بعض الفعاليات الاقتصادية التي طرحت إشكاليات متعددة تتعلق بالاستيراد وضرورة تحرير بعض المواد وليس جعلها احتكاراً لجهة بعينها”، معتبراً أن “تقديم الدعم لسوريا مرتبط بالانتقال من حكومة تصريف أعمال إلى حكومة انتقالية بناءً على جوهر القرار الأممي 2254 بشكل يطمأن جميع أطياف الشعب السوري”.
اقرأ أيضاً: لماذا لا تعود الكتل السياسية السورية من أنقرة إلى دمشق؟
العقوبات تعرقل الخطط الحكومية
وبحسب العلي، فإن “عدم رفع العقوبات سيؤثر على خطط الإدارة السورية الجديدة لأن رفعها سيقود بالتأكيد إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية وخطط دعم المواطن خاصةً ما يتعلق بالحاجات الأساسية من كهرباء وماء ثم رواتب الموظفين وإعادة هيكلة الاقتصاد”، معتبراً أن “السرعة بتجاوز الخلافات والوصول إلى مرحلة انتقالية يعتد بها سيساهم في رفع العقوبات”.
وتؤكد تقارير غربية، أن الولايات المتحدة وحلفاءها في أوروبا والشرق الأوسط، يتفقون على أن سوريا في حاجة ماسة إلى مزيد من المساعدات، بما في ذلك أموال إعادة الإعمار لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة في البلاد.
الدور الأوروبي
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، قد قال في تصريحات صحفية أمس الأحد، إن “بعض العقوبات الدولية المفروضة على سوريا “من غير المقرر رفعها، وخصوصاً تلك المتعلقة بنظام بشار الأسد ومسؤوليه”. أضاف أنّ “ثمة عقوبات أخرى من المحتمل رفعها بسرعة إلى حد ما، خصوصاً تلك التي تعوق وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، أما بالنسبة لما تبقى، فالأمر يتعلق بنقاش بدأناه مع شركائنا الأوروبيين وسيعتمد على وتيرة السلطات الانتقالية السورية ومراعاة مصالحنا وخصوصاً مصالحنا الأمنية”، مشدداً على أنّه “لا مكان للإرهاب في سوريا الجديدة”.
بدورها، شددت وزير الخارجية الألمانية يوم الجمعة الماضية خلال مؤتمر صحفي في أعقاب لقائها قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق، على أنه “من السابق لأوانه أن ترفع الدول الأوروبية العقوبات عن سوريا، لكنها قالت إن “الأسابيع القليلة الماضية أظهرت مدى الأمل الموجود هنا في سوريا بأن المستقبل سيكون مستقبل الحرية”.
يشار، إلى أن “قانون قيصر” للعقوبات الأميركية ضد سوريا كان قد دخل حيز التنفيذ منذ حزيران/ يونيو 2020، بعد أن أقره الكونجرس الأميركي في كانون الأول/ ديسمبر 2019، ضمن ميزانية وزارة الدفاع.
وينص القانون على فرض عقوبات على رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد ونائبه ورئيس حكومته آنذاك، ووزير دفاعه ورئيس الاستخبارات والمسؤولين في وزارة الداخلية وأجهزة الأمن والشرطة، فضلاً عن قادة “الفرقة الرابعة” و”الحرس الجمهوري” بقوات النظام، والمسؤولون عن السجون التي يسيطر عليها.
كما يتضمن فرض عقوبات على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية أو التقنية لمؤسسات النظام المخلوع والعسكريين والفصائل الذين يحاربون بالنيابة عنه أو عن روسيا أو إيران أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسوريا قبلاً، وكل من يقدّم الدعم المالي أو التقني أو المعلومات التي تساعد على إصلاح أو توسعة الإنتاج المحلي لسوريا من الغاز والنفط أو مشتقاته، ومن يقدّم الطائرات أو قطعها أو الخدمات المرتبطة بالطيران لأهداف عسكرية بالبلاد.
وسبق ذلك، فرض الولايات المتحدة ودول غربية منذ عام 2011، عقوبات على النظام السوري المخلوع شملت عدة قطاعات بينها النفط والطاقة وتجميد أرصدة، على خلفية “عمليات قمع بحق المتظاهرين السلميين المناهضين للنظام”.