في تطور لافت، تم تأجيل مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي كان من المقرر عقده بين الرابع والخامس من كانون الثاني/ يناير 2025 في دمشق. كان من المتوقع أن يشارك في المؤتمر حوالي 1200 شخصية من جميع أنحاء سوريا لمناقشة العملية الانتقالية، وتشكيل لجان لصياغة الدستور، بالإضافة إلى بحث تشكيل حكومة موحدة توافقية تحضّر للانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن قرار التأجيل أثار تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراءه ومدى تأثيره على المسار السياسي في البلاد.
أسباب التأجيل
في تصريحات خاصة لموقع “963+”، أكد سمير صطوف، المنسق العام للتجمع الوطني السوري الموحد، أن قرار التأجيل كان متوقعاً، مشيراً إلى أن الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، أدركت أنه من غير المجدي عقد المؤتمر بطريقة مستعجلة.
اقرأ أيضاً: ما المتوقع من مؤتمر الحوار الوطني في سوريا؟
وأوضح صطوف قائلاً: “التأجيل ليس نتيجة ضغوط خارجية كما يُشاع، بل لأسباب لوجستية وفنية، ولضمان استكمال الدعوات والمشاورات والتحضيرات الضرورية لعقد مؤتمر بهذا الحجم”. وأضاف أن انعقاد مؤتمر بهذا الحجم يتطلب مواصفات دقيقة لضمان نجاحه.
من جانبه، أشار المحلل السياسي مصطفى رستم، في حديث لـ”963+” إلى أن التأجيل كان طبيعياً نظراً لعدة اعتبارات، أبرزها “غياب الرؤية الواضحة بشأن المؤتمر، مع عدم وضوح معايير اختيار المدعوين وغياب إجماع دولي حوله”.
وقال رستم: “لم يتم تحديد بعد من سيمثل السوريين في مناطق سيطرة قسد والسويداء والساحل، مما يستدعي معالجة الأطر المناطقية أولاً وضمان مشاركة واسعة وشفافة”.
أما الصحفي والمحلل إسماعيل خضر، فقد أشار إلى أن “التأجيل قد يكون مرتبطاً برغبة الإدارة السورية الجديدة في انتظار نتائج التحولات السياسية بعد وصول الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض”. وأضاف لـ”963+” أن هذه الخطوة قد تكون تهدف إلى تحديد الموقف الأمريكي من التطورات في سوريا.
تداعيات التأجيل على الشعب السوري
وحول انعكاسات التأجيل على الشعب السوري، شدد خضر، على أن “التأجيل يعني استمرار الحكومة المؤقتة ذات اللون الواحد، وهو ما قد ينعكس سلباً على حقوق المكونات السورية الأخرى”.
وأضاف: “سيكون هناك المزيد من التدخلات الخارجية، وقد يستمر العجز في إدارة البلاد”. كما أشار إلى أن عدم تحديد موعد دقيق للمؤتمر يثير مخاوف السوريين بشأن مستقبل الديمقراطية في البلاد.
من جهته، أوضح رستم أن التأجيل لن يكون له تأثير كبير على الشعب السوري من الناحية المباشرة، قائلاً: “الشعب السوري لن يتأثر سلباً أو إيجاباً بتأجيل المؤتمر. لكن ما يؤثر عليه فعلاً هو تحسن الأمن والخدمات”.
وأشار إلى أن السوريين يتطلعون إلى إنهاء الفوضى الأمنية، وحسم حالات الانتقام الفردية، مع العودة التدريجية للخدمات.
اقرأ أيضاً: من الثورة إلى الدولة.. خيارات أحمد الشرع المعقدة
تباين حول آلية توجيه الدعوات
شهدت آلية توجيه الدعوات إلى المؤتمر جدلاً واسعاً، حيث تم توجيه الدعوات لشخصيات فردية بدلاً من الأحزاب والكيانات السياسية القائمة. واعتبر الصحفي إسماعيل خضر، أن “دعوة 1200 شخصية فردية لا تمثل حلاً سياسياً حقيقياً”، مشدداً على ضرورة “دعوة كيانات سياسية تمتلك مشاريع واضحة لحل الأزمة”.
في المقابل، اعتبر سمير صطوف أن توجيه الدعوات لشخصيات فردية “خطوة إيجابية”، حيث قال: “الدعوة لشخصيات تمثل كافة الأطراف الطائفية والعرقية في سوريا هي الأفضل لضمان تمثيل أوسع للشرائح السورية”.
وأضاف: “لا يجب أن تكون هناك محاصصة سياسية، لأن ذلك قد يضر بمستقبل البلاد كما حدث في دول الجوار مثل العراق ولبنان”.
وتحدث صطوف عن وجود شخصيات لم تُدعَ بعد، مثل أعضاء “الائتلاف الوطني السوري” و”هيئة التفاوض”، مشيراً إلى أن صلاحيات هذه الكيانات انتهت مع سقوط النظام السوري وفقاً لوثيقتها التأسيسية. وأكد أن المطالبات بالحصول على دعوات كمؤسسات سياسية أمر غير مقبول.
وكان قد أكد أحمد الشرع، قائد الإدارة السورية الجديدة، في تصريحات إعلامية أن “الائتلاف الوطني السوري” لن يتلقى دعوة رسمية، لكنه رحب بحضور أعضائه بصفتهم الشخصية. من جانب آخر، أشار رئيس الائتلاف، هادي البحرة، إلى أن الائتلاف سيرفض المشاركة إذا تم دعوة أعضائه بشكل فردي، مشيراً إلى أنهم لم يتلقوا أي دعوة حتى الآن.
وعلى الرغم من تأجيل مؤتمر الحوار الوطني السوري، يبقى هذا الحدث منتظراً في الأفق باعتباره فرصة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية في سوريا. ومن المتوقع أن يشهد المؤتمر إعلان حل مجلس الشعب وجميع الفصائل المسلحة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، تحت مظلة وزارة الدفاع السورية. كما من المرجح أن ينبثق عنه تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد وتشكيل حكومة جديدة، مما سيشكل خطوة هامة في مسار العملية السياسية في سوريا.