يرافق التطورات العسكرية والسياسية في أي مكان من العالم، انتشار كبير للأخبار بشكل متسارع ومن مصادر مختلفة، إلا أن بعضها قد يكون مضللاً ومن مصادر غير موثوقة، وهو ما برز ويبرز على الساحة السورية خاصةً خلال التطورات المتسارعة التي زامنت العمليات العسكرية الأخيرة وسقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد الشهر الماضي.
ويمكن أن تؤدي المعلومات المضللة المستقاة من مصادر غير موثوقة إلى مفاقمة الأزمات الاجتماعية والسياسية في البلاد التي تشهد تعاني انقسامات سياسية وعسكرية، عبر التأثير على الرأي العام ودفعه لتبني توجهات ومواقف تعزز هذه الانقسامات.
الحرص على الوصول لمصادر موثوقة
حسين الخليف، مواطن سوري من مدينة تدمر وسط سوريا، يقول إنه “قرأ في إحدى المرات خبراً عن حدوث مجزرة في منطقة السخنة بريف حمص الشرقي وسط البلاد ناتجة عن هجوم لتنظيم داعش، لكن بعد البحث والتحقق، اكتشف أن الخبر كان غير دقيق ومن مصادر غير موثوقة”، مضيفاً أنه “أصبح أكثر حرصاً على الوصول إلى المصادر المعروقة بمهنيتها والحسابات الموثوقة على وسائل التواصل”.
كما انتشر خبر آخر قبل عامين، عن تقدم لعناصر “داعش” في مناطق ريف حلب، وكانت هناك صور ومقاطع فيديو تظهر هذا الانتشار، إلا أنه وبعد التحقق تبين أن هذه المقاطع قديمة وتعود لمعارك سابقة.
ويشير حسين في تصريحات لموقع “963+”، إلى أنه “يدرك أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في نشر المعلومات، سواء كانت صحيحة أو مضللة، فمن السهل جدًا الآن مشاركة الأخبار دون التحقق من صحتها، وأحيانًا يمكن أن تكون هذه المعلومات مضللة للغاية، مما يؤدي إلى نشر الخوف والقلق بين الناس”.
تأثير على حقوق الأفراد والمجتمعات
جابر المنفي، ناشط مختص بحقوق الإنسان من أبناء مدينة حمص وسط البلاد، يقول إن “المعلومات المضللة لها تأثير كبير على حقوق الأفراد والمجتمعات في سوريا، عندما تنتشر معلومات خاطئة ومضللة، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وزيادة العنف والانقسام”.
ويضيف في تصريحات لـ”963+”، أن “هذه المعلومات تؤثر على كيفية فهم الناس للأحداث، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة قد تضر بحقوقهم”، مشيراً إلى انتشار أخبار مضللة مؤخراً عن وجود فصائل تابعة لإيران في طرطوس غربي سوريا، ما دفع إدارة العمليات العسكرية للبدء بإجراءات عسكرية هناك، وما تبع ذلك مع عمليات نزوح للمدنيين”.
ويشدد الناشط الحقوقي، على “وجوب اتخاذ عدة خطوات لحماية الأفراد من المعلومات المضللة، مثل التوعية والتثقيف، وذلك عبر إطلاق حملات توعية تهدف إلى تعليم الناس كيفية التحقق من المعلومات ومصادرها. فالتعليم هو أداة قوية لمكافحة المعلومات المضللة”.
علاوة على ذلك، يجب تعزيز الحوار المجتمعي من خلال تشجيع النقاشات المجتمعية حول الأحداث الجارية، مما يساعد الناس على تبادل الآراء والتحقق من المعلومات بشكل جماعي، وهو ما أيده الصحفي السوري إبراهيم الخليل، الذي دعا إلى “تشجيع النقاشات المفتوحة حول الأخبار والتأكد من عدم الانجرار وراء العناوين المثيرة دون التحقق من المحتوى”.
يقول الخليل لـ”963+”، إن “هناك وسائل إعلام تحاول تقديم الحقائق والمعلومات الدقيقة، ومن جهة أخرى، هناك العديد من المنصات التي تنشر معلومات مضللة لأغراض سياسية أو دعائية، وهذه المعلومات يمكن أن تؤدي إلى تشويه الحقائق وتضليل الجمهور، مما يزيد من تعقيد الوضع”.
تشكيل المشهد وخلق انقسامات
القيادي في “هيئة تحرير الشام” شهاب أبو زيد، يقول إن “المعلومات المضللة تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل المشهد السياسي في سوريا، فهي تساهم في خلق انقسامات بين مختلف الفئات السياسية والاجتماعية والدينية، عندما تنتشر معلومات مضللة، فمن المؤكد أن ذلك يجعل من الصعب على الناس اتخاذ قرارات مستنيرة”.
وتحدث أبو زيد لموقع “963+”، عن مجموعة من الإجراءات التي يعلمون عليها للحد من الأخبار المضللة، بينها التثقيف الإعلامي عبر العمل على عقد ورش وندوات لتعليم الناس كيفية التحقق من المعلومات ومصادرها، وتعزيز الشفافية لدى وسائل الإعلام الرسمية بشأن مصادر الأخبار، إلى جانب التعاون مع المنظمات المدنية، إذ ينبغي أن تعمل المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني على تطوير استراتيجيات لمواجهة ذلك، بما في ذلك إنشاء منصات موثوقة لتبادل المعلومات”.
وبحسب الخليل، فإن “هناك العديد من الأمثلة على المعلومات المضللة التي ساهمت في تعقيد الوضع السوري، منها انتشار أخبار قبل أيام عن اقتحام عناصر “تحرير الشام” منطقة يسكنها مواطنون من الطائفة العلوية في الساحل وارتكاب انتهاكات، ليتبين لاحقاً أن الفيديوهات التي تم نشرها قديمة”، مشيراً إلى أن “هناك معلومات مضللة تتعلق بأعداد الضحايا والأوضاع الإنسانية، ما قد يؤدي إلى استجابات غير مناسبة من قبل المجتمع الدولي”.
ويقول: “كوني صحفيًا، فإن التعامل مع المعلومات المضللة يتطلب منهجية دقيقة، وأهمها الحرص على التحقق من المصادر والتأكد من مصداقيتها قبل نشر أي معلومة. ينبغي استخدام أدوات التحقق من الحقائق والتعاون مع زملائنا في المجال الصحفي لتبادل المعلومات والموارد.
كما نحرص على توعية الجمهور حول كيفية التعرف على الأخبار المضللة وأهمية الاعتماد على مصادر موثوقة. يجب أيضًا على الجمهور أن يكون حذرًا عند قراءة الأخبار، وألا ينجر وراء عواطفهم، بل يتحققوا من المصادر. من المهم البحث عن تقارير متعددة ومقارنة المعلومات قبل تكوين آراء معينة.
ويشدد القيادي في “هيئة تحرير الشام” شهاب أبو زيد، على “ضرورة تفعيل دور السلطات المحلية، حيث تلعب هذه السلطات دورًا مهمًا في توضيح الحقائق وتقديم المعلومات الدقيقة للمواطنين، مما يساعد في تقليل الشائعات”، معتبراً أنه ” خلال فترة النظام السابق اختلت الثقة بين المواطنين والسلطات بسبب انتشار المعلومات المضللة. لذا، لكي تعود الثقة بين المواطنين والسلطات، يجب أن تكون هناك شفافية في التواصل”.
ويؤكد على “وجوب أن تكون السلطات شفافة في تواصلها مع المواطنين وأن تقدم معلومات دقيقة حول الأهداف والقرارات. والاستماع إلى المواطنين من خلال قنوات فعالة للتواصل، حيث يمكن للمواطنين التعبير عن مخاوفهم وآرائهم والعمل على تحسين الخدمات”.
كما دعا إلى “مكافحة الفساد بشكل جدي وتعزيز المساعدة والمساءلة”، معتبراً أن “الفساد يضعف الثقة بشكل كبير”.
يشار، إلى أنه من بين أبرز الأسباب التي ساهمت في انتشار الأخبار المضللة ليس في الأوساط السورية فقط بل في المنطقة بشكل عام، هو الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي وتحولها إلى أحد أبرز المصادر للجمهور العادي، واعتماد أطراف سياسية وعسكرية عليها لنشر أخبار معينة ودعاية لتوجهات وأجندات بعينها.