دمشق
كشف المدير السابق للمكتب الإعلامي في القصر الجمهوري السوري كامل صقر، عن تفاصيل الساعات الأخيرة قبل هروب رئيس النظام المخلوع بشار الأسد إلى موسكو.
وقال صقر في مقابلة تلفزيونية، إن “الأيام التي سبقت سقوط بشار الأسد كانت مليئة بالاتصالات السياسية المكثفة، حيث قاد وزير الخارجية بسام صباغ ومعاونه حبيب عباس مفاوضات على مدار يومين من أطراف مختلفة بينها الحكومة العراقية، للوصول إلى صيغة سياسية انتقالية، إلا أن تسارع الأحداث حال دون ذلك”.
زيارة روسيا غير المعلنة
وأضاف صقر الذي أشار إلى أنه كان من آخر المغادرين للقصر الجمهوري رفقة زميل آخر في الساعة الثالثة فجراً، أن بشار الأسد كان في موسكو يوم 26 تشرين الثاني/ نوفمبر للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطلب المساعدة، إلا أن اللقاء تم تأجيله ليومين، وخلال تلك الفترة كانت فصائل المعارضة قد سيطرت على مدينة حلب.
اقرأ أيضاً: لماذا لا تعود الكتل السياسية السورية من أنقرة إلى دمشق؟
وذكر، أن “هناك شعوراً بأن التأخير لم يكن محض صدفة”، مشيراً إلى أن “اللقاء اقتصر على بشار الأسد ومرافقه الشخصي العميد محسن محمد، واستمر حوالي ساعة لكن النتائج لم تكن مشجعة أو تحقق الغايات التي سافر الأسد من أجلها، والمتمثلة بالحصول على دعم عسكري مباشر، وتسهيل وصول المساعدات الإيرانية عبر المجال الجوي السوري لتقديم الإسناد العسكري لقواته”.
وأوضح أن “وعود بوتين بتسهيل الدعم لم تترجع على أرض الواقع، حيث أبلغ الإيرانيون الجانب السوري أنهم لم يتلقوا أي إشارات تسمح بتحرك طائراتهم نحو قاعدة حميميم عبر أجواء العراق، بل أوقفت إحدى الطائرات في أجواء العراق، وتم تحذيرها من قبل الأميركيين بالعودة إلى طهران تحت تهديد القصف”.
ولفت إلى “غياب البيان الصحفي التقليدي الذي يصدر بعد لقاءات الرؤساء في أعقاب زيارته لموسكو، وتسريب خبر الزيارة عبر قنوات روسية على تيلجرام، أثار علامات استفهام واستفسارات كثيرة من الجانب السوري حول البيان المشترك الذي كان من المفترض أن يعد بالتنسيق بين الجانبين”.
وأبلغت روسيا الجانب السوري يوم الجمعة، أن مسألة البيان ستناقش في اليوم التالي، إلا أن بوتين أرسل مبعوث من قبله إلى مقر الإقامة في فندق “الفور سيزن” بموسكو، بأنه يفضل عدم الإعلان عن الزيارة”، مشيراً إلى أن “الأسد عقد فور عودته إلى دمشق، اجتماعًا مع اللجنة السياسية التي تضم وزير الخارجية بسام صباغ ومعاونيه، ونائب رئيس الجمهورية فيصل المقداد والمستشارة بثينة شعبان، وتم استعراض بشكل مقتضب تفاصيل الزيارة لموسكو وتحدث عن التطورات الأخيرة وسط أجواء متوترة في ظل تأزم الوضع الداخلي”
تخلي روسي وإيراني
وتحدث المدير السابق للمكتب الإعلامي، عن الأجواء التي سبقت سيطرة إدارة العمليات العسكرية على حلب، حيث أن روسيا كانت منشغلة تمامًا بالصراع في أوكرانيا، بينما إيران وحزب الله كانا يشعران بنوع من الخذلان نتيجة تقارب نظام الأسد مع الدول العربية، موضحاً أن “الأسد لم يكن يتصور أن تتدهور الأمور بهذه السرعة، حتى أن التقارير الأمنية التي كانت تتحدث عن احتمالية شن هجوم من قبل فصائل المعارضة لم تكن واضحة”.
اقرأ أيضاً: بين النزوح والعودة.. اللاجئون السوريون بالأردن في اختبار الحياة
وقال، إن “الجيش كان ببساطة غير راغب في الاستمرار في معركة جديدة، إذ كانت الحرب بالنسبة له قد أصبحت عبئًا ثقيلًا لا طائل منه. بالنسبة للعديد من الجنود، استمرار الحرب لم يكن مبررًا بعدما مضت أربع سنوات من الثبات النسبي منذ العام 2020. يصف صقر هذا الشعور بأنه امتداد لحالة عامة من الإرهاق واللاجدوى داخل المؤسسة العسكرية، وهو ما كان له تأثير عميق على تطورات تلك المرحلة.
وتحدث عن “لقاء سري بين الرئيس المخلوع ورئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني في دمشق يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر، بحضور خمسة أفراد من الجانب الإيراني والأسد بمفرده، إلا أن نتائج الاجتماع لم تكن مرضية وعكس أن الرسائل الإيرانية كانت تشير إلى حدود دعمها له، فظهرت ملامح خيبة الأمل عليه بشكل كبير”.
كلمة متلفزة ملغاة
أعرب بشار الأسد عن رغبته في إلقاء كلمة متلفزة عقب سيطرة فصائل المعارضة على مدينتي حلب وحمص، تم إجراء جميع التحضيرات اللوجستية والفنية اللازمة لتصوير الكلمة في قاعة بقصر المهاجرين، التي تُستخدم عادة لهذا الغرض، مع تجهيز الموقع بالكاميرات والإضاءة، وكانت الكلمة تتألف من حوالي 400 كلمة، وتضمنت عدة محاور متعلقة بتقسيم الأوطان وانتقادات لتركيا”، وقال إن “الكلمة كانت مكتوبة من قبل الأسد بنفسه وكانت متوترة للغاية في صياغتها ومضمونها وغير متماشية مع حجم التطورات”.
ورغم التحضيرات المكثفة لإلقاء الكلمة يوم الخميس، تم تأجيلها أولاً إلى الجمعة ثم إلى السبت، قبل أن يقرر الأسد في النهاية إلغاءها بالكامل، ما يعكس سرعة وتيرة التطورات الميدانية والسياسية في تلك الفترة، بحسب صقر، الذي أشار إلى أن “الأسد كان يرفض لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأنه يدرك أن اللقاء لن يقتصر على إعادة العلاقات بل سيتضمن جدولاً للإصلاحات السياسية التي لم يكن يرغب في مناقشتها”.
وأشار، إلى أنه “بحلول مساء يوم السبت، بات سقوط النظام شبه مؤكد، في الساعات الأخيرة، قرر الأسد مغادرة دمشق إلى قاعدة حميميم بتأمين روسي، التقى الملحق العسكري الروسي بالأسد في القصر الرئاسي حوالي منتصف الليل، وتم تأمين الطريق إلى مطار دمشق الدولي عبر المتحلق الجنوبي، ووصل إلى القاعدة حيث قضى ساعات قبل أن يتم تجهيز طائرة لنقله بأمان إلى موسكو، وكان برفقته الأمين العام لرئاسة الجمهورية منصور عزام، وزير الدفاع، رئيس الأركان، وبعض أفراد أسرته، بمن فيهم ابنه حافظ الأسد. ومع ذلك، لم يكن ماهر الأسد أو شخصيات بارزة أخرى ضمن المرافقين.
في اللحظات الأخيرة من حكم بشار الأسد، تكشفت العديد من التفاصيل التي توضح طبيعة الانعزال السياسي والتوتر الذي عاشه مع تصاعد الأحداث. خلال النقاشات مع الحلفاء، برر الأسد رفضه لقاء الرئيس التركي برغبته في الحصول على “وديعة” تركية مشابهة لـ”وديعة رابين” التي سبق لسوريا أن حصلت عليها خلال مفاوضات السلام مع إسرائيل في التسعينيات، حيث كان يريد تصريحاً يؤكد نية تركيا الانسحاب من الأراضي السورية في وقت ما، حتى لو لم يتم التنفيذ فوراً”
وتابع صقر: “بدأ الأسد يشعر بالعزلة عندما لم يتمكن من التواصل مع بوتين، رغم تكرار محاولاته على مدار أيام. تم إبلاغ الأسد بأن بوتين في زيارة إلى بيلاروسيا ولا يمكنه الرد، وهو تبرير وصفه كامل صقر بأنه غير مقنع، لأن الرؤساء دائمًا ما يكون لديهم فرق اتصال تؤمن التواصل في أي وقت. هذا التجاهل كان مؤشرًا واضحًا للأسد بأن حلفاءه قد بدأوا بالانسحاب من المشهد”.
وأوضح، أنه “من بين الشخصيات الأكثر تأثيرًا في بشار الأسد كانت زوجته أسماء الأسد، حيث كانت شريكة في التفكير واتخاذ القرارات، وقادرة على التدخل في ملفات متعددة، بما في ذلك الملفات الاقتصادية والاجتماعية، ولديها حضور كبير في المشهد السياسي والمالي. ورغم ذلك، كان هناك انتقادات لدورها، حيث وصفها البعض بأنها متسلطة اقتصاديًا، خاصة من خلال تأثيرها على رجال الأعمال السوريين”.
وبحسب صقر، كان الأسد يثق بالروس أكثر من الإيرانيين، معتبراً إياهم الأقوى والأقدر على حماية نظامه، في المقابل ورغم عدم تخليه عن الإيرانيين، ظهرت خلافات واضحة بينهم وبين الأسد، خاصة فيما يتعلق بتصرفاتهم الميدانية دون الرجوع إليه، مثل استخدام مطار دمشق الدولي، وهو ما أدى إلى طلب الروس تقييد تحركات الطيران الإيراني واقتصارها على قاعدة حميميم.