في محاولة لتخفيف التوتر وإحياء مسار المصالحة، تتواصل المحاولات بين تركيا والأكراد داخل الأراضي التركية، مما يثير تساؤلات حول مدى نجاح هذه الجهود في تفكيك القضايا الخلافية والتخلص من تبعات الصراع الطويل. كما تبرز أهمية هذه المحاولات في ظل تطورات إقليمية متسارعة وانعكاساتها على القضية الكردية في سوريا.
عقد وفد من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب المؤيد للأكراد، يضم بروين بولدان، سري سُريا أوندر، وأحمد الترك، لقاءات منفصلة مع رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش، ورئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي. وصرّح النائب سري سُريا أوندر لشبكة “إن تي في” التركية بأن الاجتماع مع رئيس البرلمان كان إيجابياً، معرباً عن أمله في تحقيق تقدم ملموس. وأشار إلى أن الوفد سيلتقي حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهوري المعارض قريباً لتقديم إحاطة حول التطورات.
من جهة أخرى، التقى النائبان سري سُريا أوندر وبروين بولدان في 28 ديسمبر الماضي بزعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في سجن إمرالي. وعبّر أوجلان عن استعداده للمساهمة في عملية السلام، مؤكداً أن حل القضية الكردية بات ضرورة ملحة لتعزيز الأخوة التركية الكردية.
محاولات متكررة دون نتائج ملموسة
صرّح أحمد أحمد، المحلل السياسي وعضو حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، أن “الجهود التركية للمصالحة ليست جديدة”، مشيراً إلى محاولات سابقة منذ عام 2014 لم تسفر عن نتائج “بسبب غياب البنية التحتية اللازمة وضمانة طرف ثالث”.
وأوضح أحمد لموقع “963+” أن “مصداقية تركيا موضع تساؤل بسبب اعتقالات لقيادات كردية بارزة مثل صلاح الدين دميرتاش، وإقالة رؤساء بلديات منتخبين من الأكراد بتهم تتعلق بالإرهاب”.
من جانبه، يرى الباحث في الشؤون التركية والكردية، خورشيد دلي، في تصريحات لـ”963+” أن فشل المحاولات السابقة يعود “لغياب خريطة طريق واضحة للحل السياسي”، معتبراً أن “نجاح المصالحة يتطلب اعترافاً دستورياً بالهوية الكردية وحقوقها”.
بدوره صرّح المحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان، بأن المسار الحالي لحل القضية الكردية “يواجه العديد من الصعوبات، لكنه يحمل في طياته ضوءاً يمكن أن يضيء مستقبل العلاقات بين الأطراف”.
وأشار أوزجان لـ”963+” إلى “وجود توافق بين أوجلان والدولة التركية حول الحل، لكنه حذر من احتمالية وجود ردود فعل غير متوقعة من قنديل، حيث قد يوافقون مبدئياً على موقف أوجلان، ولكن الطريقة التي يتصرفون بها لاحقًا قد تحمل تعقيدات”.
وأضاف أوزجان أن “موقف قوات سوريا الديموقراطية أيضاً لا يزال غامضاً”، موضحاً أنه “إذا توصلت إلى توافق مع الحكومة السورية الجديدة، فقد يعني ذلك بشكل غير مباشر توافقاً مع تركيا، وهو أمر يتطلب متابعة دقيقة”.
رغم هذه التحديات، أعرب أوزجان عن تفاؤله بالمستقبل، مشيراً إلى أن الظروف الحالية ليست قاتمة بالكامل. وقال: “ربما يكون هناك صعوبات في المسار، لكن في نهاية المطاف هناك ضوء أمل. هذا المسار يمكن أن يثمر عن توافقات تعزز الأخوة بين الكرد والأتراك”.
حسابات سياسية معقدة
يرى دلي أن التحركات التركية “تأتي في سياق مراجعة نهجها العسكري المكلف بعد عقود من الصراع مع حزب العمال الكردستاني. وتواجه أنقرة ضغوطاً داخلية وخارجية بسبب أزماتها الاقتصادية وتغير موازين القوى الإقليمية، خاصة بعد سقوط النظام السوري السابق”.
ويضيف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “يسعى لتعديل الدستور بهدف البقاء في السلطة، وهو بحاجة لدعم الأصوات الكردية”.
أما الباحث في العلاقات الدولية إيلي حاتم، المقيم في لبنان، فأشار إلى أن “تركيا تحاول منع تمدد الحكم الذاتي الكردي من العراق إلى سوريا وتركيا. ولفت في حديث لـ”963+” إلى أن “نجاح المصالحة قد يفتح آفاقاً اقتصادية للطرفين، خاصة في قطاع النفط والغاز السوري”.
بدوره، قال الكاتب المختص في شؤون الشرق الأوسط وتركيا، فراس رضوان أوغلو، المقيم في إسطنبول، إن “هناك جهوداً سياسية مشتركة بين أحزاب كردية والإدارة التركية يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية إذا استمرت بشكل جاد”.
وأوضح رضوان أوغلو لـ”963+” أن “موافقة أوجلان، وخطابه لأنصاره لوقف القتال والانخراط في العملية السياسية، قد يتسبب في انقسام داخل الحزب”. وقال: “لا أعتقد أن جميع مقاتلي وقيادات حزب العمال ستنصاع لأوجلان، ولكن تأثيره على تيار كبير من أنصاره لا يمكن إنكاره”.
وأشار رضوان أوغلو إلى أن نجاح هذا المسار “سيؤدي إلى زعزعة الحزب من الداخل وإعادة صياغة القضية الكردية في تركيا باتجاه العمل السياسي بدلاً من العمل المسلح”.
وأضاف أن “تركيا، كدولة ديمقراطية، بدأت باتخاذ خطوات عملية من خلال تخصيص ميزانيات كبيرة لتطوير المناطق ذات الأغلبية الكردية، وهو ما يعكس رؤية طويلة الأمد لحل القضية”.
على صعيد آخر، أكد رضوان أوغلو أن هذا التحول قد ينعكس على الوضع في سوريا، حيث “لا بد من إنهاء دور حزب العمال الكردستاني هناك”، مشيراً إلى أن ذلك “قد يفتح المجال أمام السوريين الأكراد للتفاوض مع الحكومة السورية ضمن إطار الحزب الوطني الكردي”.
وختم رضوان أوغلو بقوله إن “تعزيز الاستقرار الداخلي في تركيا من خلال هذه الجهود يعد خطوة أساسية لمواجهة التحديات الخارجية، وهو ما يتجلى في اللقاءات الجارية مع أوجلان”.
اقرأ أيضاً: تركيا وإسرائيل تتباحثان حول سوريا.. هل تشهد المنطقة انقلاباً جيوستراتيجياً؟
انعكاسات على أكراد سوريا
يرى حاتم أن نجاح مسار السلام التركي الكردي سيؤثر إيجاباً على الحالة الكردية في سوريا، حيث باتت القوى الكردية تدرك ضرورة التوجه نحو المصالحة لتقليل الضغوط التركية وضمان مكتسباتها. وأكد أن إعلان أوجلان عن استعداده للتفاوض يعكس هذه الرغبة.
في المقابل، أبدى أحمد تحفظات بشأن أي تسوية تركية داخلية على حساب الأكراد في سوريا، مشدداً على أن “الحزب لن يكرر أخطاء الماضي قبل تحقيق شروط مسبقة”.
بدوره قال الصحفي التركي حمزة تكين، بأن “العلاقة بين الأتراك والأكراد في عام 2025 لا تعاني من أزمة حقيقية”، مشيداً “بدور حكومات حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان في استعادة حقوق الأكراد وتعزيز مكانتهم داخل تركيا”.
وأوضح تكين لـ”963+” أن “الأكراد يعيشون اليوم كمكون أساسي من المجتمع التركي ويتمتعون بحقوق متساوية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في تنظيم حزب العمال الكردستاني”، الذي وصفه بأنه “تنظيم مسلح يحمل أجندات خارجية مدعومة من الغرب”.
وأضاف أن “هذا التنظيم يواصل حمل السلاح ضد الدولة التركية وينتشر في تركيا وسوريا والعراق، مهدداً أمن واستقرار هذه الدول”.
وأكد تكين أن المشكلة ليست بين الأتراك والأكراد، “بل مع هذا التنظيم الذي يعطل مسار السلام ويضر بمصالح الأكراد قبل غيرهم”.