استقبلت الرياض وفداً رسمياً سورياً برئاسة وزير الخارجية بالحكومة المؤقتة أسعد الشيباني، في أول زيارة خارجية لحكومة دمشق الجديدة بعد سقوط نظام الأسد الابن استجابة لدعوة من وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان. ضم الوفد السوري وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات أنس خطاب. في زيارة تأتي في سياق عديد الزيارات التي نفذتها الدول العربية لدمشق عقب تداعي النظام وهروب الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى العاصمة الروسية موسكو.
يقيناً وبحسب محللين، تترقب الدول العربية دخول السلطة الجديدة في سوريا نحو فضائها العربي، وأن تكون أحد أهم مفاتيح استقرار الشرق الأوسط خاصة مع انفكاك التبعية للنظام الإيراني بسقوط نظام الرئيس المخلوع. إذ تعمل الدول العربية على تكثيف الاتصال مع السلطة الجديدة والتعرف على ماهية عملها خلال الأفق المنظور، وترتيبات الانتقال لمقدمات الدولة من تشكيل حكومة توافقية وكتابة دستور، يحفظ حق جميع مكونات الشعب في دولة مدنية ديموقراطية تحترم التنوع في المجتمع السوري.
استكشاف السلطة الجديدة في سوريا
بحسب اللواء أحمد الميموني، مدير مركز الدراسات والبحوث في معهد رصانة الدولي للدراسات الإيرانية بالرياض، فإن “دلالات زيارة وزير الخارجية السوري ووزير الدفاع ورئيس الاستخبارات للمملكة العربية السعودية، تأتي في توقيت مناسب ربما في ضوء اضطلاع الإدارة السورية الجديدة بجميع المهام السياسية والاقتصادية والأمنية وإعادة دورة الاقتصاد، في ظل انتشار كثيف للأسلحة وكذا تطلع كثير من الجهات الفاعلة إقليميا ودوليا لاكتشاف وضعية السلطة الجديدة وتوجهاتها”.
يقول الميموني في تصريحات لموقع “963+”، إن “المملكة العربية السعودية وجهت الدعوة لوزير الخارجية السوري في سياق رغبة الرياض بدعم وتمكين الحكومة الجديدة نظراً للظروف المحيطة بالبيئة السورية سواء داخلياً أو خارجياً وبالتالي، يمكننا تحديد ذلك بدقة من خلال كونها تواجه، أي السلطة الجديدة، أحد أمرين النجاح أو الفشل”.
وتقول تقارير، إن “الدول العربية وفي مقدمتها السعودية تسعى لعدم فشل التجربة في سوريا، والمحاولة قدر المستطاع لمساندة الشعب السوري لتجاوز مراحل صعبة مر بها خاصة في السنوات الأخيرة. إلى جانب ترقبها تحرك السلطة الجديدة في دمشق نحو فضائها العربي وعدم الانخراط نحو أي سيطرة خارجية على القرار السوري”.
مصالح متبادلة
من جانبه، يرى المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة الدكتور كمال الزغول، أن “انخراط الدول العربية بالتعامل مع السلطة الجديدة في دمشق يأتي بناء على معطيات تفرضها الجغرافيا وموقع سوريا بالنسبة للدول العربية وحاجة الدولة السورية للدول العربية من ناحية الانفتاح على العالم الخارجي ومن ناحية التجارة البينية”.
ويشير خلال تصريحات لموقع “963+”، إلى أنه “لا بد من فهم الواقع السوري الحالي والذي يحتاج لتثبيت الأمن حالياً، ومحاولة عدم تحمل أي املاءات خارجية وهنا العبء يقع على عاتق الحكومة الجديدة”.
ويرى الميموني، أن “الرياض دوماً ما ترتاب من المشاريع الإيديولوجية والمذهبية، وترى أن ذلك خطراً كبيراً على أي مجتمع فضلاً عن كونه يمثل تهديداً إقليمياً، مما يجعلها تعمل مع الإدارة الجديدة على تهيئة سوريا أن تكون لجميع المكونات السياسية والقومية والدينية، وأن يستطيع السيد أحمد الشرع أن يترجم خبراته السابقة لصالح سوريا المستقبل وأن تعود سوريا لمحيطها العربي.
ارتدادات الأحداث في سوريا
بدوره، يعتبر الكاتب العراقي فلاح المشعل، أن “سقوط نظام بشار الأسد وهروبه خارج سوريا، والأحداث والتحولات الدراماتيكية، جاءت بما يشبه الزلزال السوري الذي أحدث ارتدادات لدى دول المحيط الإقليمي والعديد من دول العالم، وتحديداً بعد خروج سوريا من المحور الإيراني والتغيير النوعي في الهوية السياسية للنظام الجديد في سوريا، لا سيما وأن طروحات قائد التحول أحمد الشرع قد اتسمت بالاعتدال والانفتاح على الآخر المختلف داخلياً وخارجياً ويظل العمل القادم هو المحك الحقيقي لاختبار تلك الطروحات والأقوال”.
يقول المشعل لـ”963+”: “لقد أبدت العديد من دول المحيط العربي توجساً وقلقاً كبيرين؛ بسبب الخلفية السياسية للفصائل المسلحة المنطوية تحت عنوان هيئة تحرير الشام، وهي دول مهمة وفاعلة بالشأن السوري مثل العراق والإمارات العربية ومصر وغيرها، تقابلها دول رحبت بالتغيير وسقوط نظام الأسد الاستبدادي مثل لبنان والأردن والسعودية، إضافة إلى تركيا التي دعمت مشروع التغيير دعماً مباشراً”.
ومن استلامها السلطة في دمشق بعد سقوط النظام المخلوع في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بعثت الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، برسائل اطمئنان للمجتمع الداخلي والمحيط العربي والدولي، حيث شددت على أن تكون البلاد لجميع أبنائها، كما تحدثت عن عقد مؤتمر وطني جامع لبحث الرؤى بشأن الفترة الانتقالية وصياغة دستور.
ويضيف المشعل أن “إقامة علاقات طيبة ومصالح متبادلة مع جميع دول العالم وفق مبادئ السلام والحوار الإيجابي، مع تصفية الوجود الإيراني في سوريا، ذلك ما لمسه العالم من تصريحات الإدارة الجديدة في سوريا حتى الآن، وخلال زيارات وفود عربية وغربية إلى البلاد خلال الأيام القليلة الماضية بما في ذلك من الأردن والعراق وقطر والولايات المتحدة ودول أوروبية وغيرها”.
ولفت إلى أن “تلك مؤشرات تؤكد الدعم العربي والعالمي للنظام السوري الجديد، ولعل زيارة الوفد السوري الكبير إلى المملكة العربية السعودية تأكيد آخر على الدعم الذي ستحظى به سوريا من أشقائها من الدول العربية”.
ويشدد على أنه “يبقى السؤال الأهم، متعلق بتلك التفاعلات التي ستباشر بها القوى السياسية السورية مع بعضها بهدف الوصول إلى نظام سياسي راسخ، يقوم على مبادئ الحرية والحياة المدنية الدستورية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين أبناء الوطن السوري دون تفرقة طائفية أو عرقية.