شهدت محافظة السويداء جنوبي سوريا تطورات متسارعة خلال الساعات الأخيرة، بدأت بمنع فصائل محلية رتلاً عسكرياً تابعاً لإدارة العمليات العسكرية من دخول المحافظة تزامناً مع تصريحات للزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري بشأن السلاح، أعقب ذلك اندلاع اشتباكات بين الفصائل أسفرت عن قتلى وجرحى، ما أثار مخاوف بشأن الوضع الأمني هناك. فما الذي تريده الرئاسة الروحية والفصائل والنخب بالمحافظة، وكيف سيكون تجاوب السلطات بدمشق مع ذلك؟.
الفصائل المحلية
تنتشر في السويداء عدة فصائل محلية تأسست خلال سيطرة النظام المخلوع على المحافظة أبرزها حركة “رجال الكرامة” برئاسة ليث البلعوس، وقوات “شيخ الكرامة” الذي انشق عنه منذ عام 2018، و “أحرار الجبل” بقيادة سليمان عبد الباقي، الذي كان من بين الوفد الذي التقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق بعد إسقاط النظام.
ويقول نشطاء من السويداء، إن “هذه الفصائل تشكلت في ظل وجود النظام المخلوع قبل سنوات، للدفاع عن المحافظة وضبط الأمن وملاحقة المجرمين وتجار المخدرات، وقادت هجمات مطلع الشهر الماضي، أسفرت عن إخراج قوات النظام من المنطقة، وتسلمت الأمور الأمنية هناك بالتنسيق مع إدارة العمليات العسكرية”.
اقرأ أيضاً: زيارة الشيباني إلى السعودية.. هل تفتح آفاقاً جديدة لسوريا في العالم العربي؟
وقبل يومين، أفادت شبكة “السويداء24” المحلية، أن “فصائل غرفة العمليات المشتركة استنفرت بعد وصول رتل يتبع لإدارة العمليات العسكرية إلى أحد الحواجز بمحافظة السويداء دون تنسيق مسبق، وطالبت الرتل العودة إلى دمشق، حيث قال المسؤول عنه إن وجهتهم مبنى قيادة الشرطة بالمدينة، إلا أنه تجاوب للمطالب وعاد به إلى العاصمة””، مشيرةً إلى “وجود اتصالات دائمة بين فعاليات السويداء وإدارة العمليات لترتيب المسألة الأمنية بالمحافظة”.
مخاوف من تجاوزات
ولا يخفي أهالي السويداء والنخب السياسية والاجتماعية هناك، مخاوفهم من حدوث فوضى أو تجاوزات أو التعرض لانتهاكات خلال الفترة الانتقالية لذلك تؤيد الفصائل الإبقاء على سلاحها خلال هذه الفترة، وهو ما أكده زعيم طائفة الموحدين الدروز في سوريا حكمت الهجري أمس الأربعاء خلال تصريحات تلفزيونية، حيث قال إن “تسليم السلاح أمر مرفوض لحين تشكيل الدولة وكتابة الدستور لضمان حقوقنا يجب أن تكون الدولة مدنية، نحن ملتزمون مع الجميع في بناء دولة تحترم خصوصيات الناس”.
ضبط الأمن وتيسير الخدمات
الكاتب والباحث جمال الشوفي المقيم في السويداء، يؤكد أن “المجتمع الأهلي بما يمثله من مرجعيات دينية وفصائل حماية محلية، شكل الثقل في تقرير شؤون المحافظة خلال الفترة الماضية، حيث تشكّل على مدى نحو عام ونصف مثلث متساوي الأضلاع يتألف من الرئاسة الروحية ممثلة بالشيخ حكمت الهجري، والفصائل التي ساندت الحراك الشعبي، والنخب السياسية وحراك السويداء السلمي”.
اقرأ أيضاً: قتلى وجرحى في اشتباكات بين فصائل مسلحة جنوب سوريا
ويوضح خلال تصريحات لموقع “963+”، أن “هذا المثلث كان متناغماً حول مفهوم التغيير السياسي أو إسقاط النظام بطريقة أو بأخرى، والآن هناك توافق حول ضرورة ضبط الأمن، وتوحيد الفصائل في غرفة عمليات واحدة والاستجابة والتعامل مع المركز، وتيسير الخدمات وخاصةً الأساسية منها المتعلقة بالكهرباء والمحروقات وضبط الأسعار وغيرها”، مشيراً إلى أنه “بعد المرحلة الانتقالية تتدارس النخب التعاون مع المرجعيات والفصائل حول الرؤية للفترة الانتقالية والتي يتوقع أن تكون حكومة مصغرة لإدارة البلاد، والعمل على انتخاب لجنة تأسيسية للدستور”.
الحاجة لحوار جاد وتحقيق دولة المواطنة
السياسي والديبلوماسي السوري المقيم في النمسا بشار الحاج علي، يشير إلى أن “فعاليات السويداء أكدت في أكثر من مرة على أنها تسعى لتحقيق دولة القانون والمواطنة المتساوية مع جميع السوريين، وتطالب بالاعتراف بحقوقها السيادية والاجتماعية ضمن الدولة السورية الواحدة، وحماية أمنها من الفوضى وتحسين الأوضاع الاقتصادية وضمان العدالة الانتقالية ومحاسبة الفاسدين”.
ويرى خلال تصريحات لموقع “963+”، أن “الإدارة السورية الجديدة بحاجة إلى حوار جاد مع نخب وفصائل السويداء، في سياق التحضير لمؤتمر وطني شامل تمثل فيه المحافظة تمثيلاً عادلاً وتشارك في هيئات ومؤسسات الدولة في المرحلة الانتقالية والمراحل اللاحقة، كما أنها تحتاج إلى معالجة أمنية متوازنة تضمن الاستقرار، وتنفيذ إصلاحات حقيقية لبناء الثقة وتحقيق المواطنة المتساوية”.
وشهدت السويداء منذ 17 آب/ أغسطس 2023 ولمدة نحو عام ونصف، احتجاجات شعبية سلمية تحولت لاحقاً إلى أسبوعية، تطالب بإسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وتطبيق الانتقال السياسي السلمي وفق قرار مجلس الأمن 2254، كانت بدايتها ذات طابع خدمي احتجاجاً على رفع النظام أسعار المشتقات النفطية، حيث أقدم المحتجون على إغلاق مقار لحزب “البعث”.
اقرأ أيضاً: الدستور واللامركزية الإدارية.. الهجري يدعو لمؤتمر وطني شامل في سوريا
الحاجة لشرطة وضابطة عدلية
ويقول الشوفي، إنه “لا يعتقد أن الفصائل قادرة بمفردها على إدارة شؤون المحافظة لكنها عامل مهم جداً، حيث تتم المطالبة بها حالياً كوضع مؤقت لضبط الأمن، إلا أن المحافظة بحاجة إلى شرطة وضابطة عدلية، والتي يجب العمل عليها بالتنسيق مع المركز”، مشيراً إلى أنه “يمكن دراسة مطلب أن تكون الشرطة من أبناء المنطقة عبر تأهيل من يرغب منهم عبر دورات صحيحة، إلى جانب من يرغب بالالتحاق بالجيش عبر شروط عامة لا تتعلق بالسويداء وحدها”.
وحذر من “الاعتماد على مبدأ الفصائل والمجموعات الأهلية في ضبط الأمن، وما يتبع ذلك من حساسيات ومغالبات يمكن أن تحدث بين قوى مختلفة إيديولوجياً ما قد يؤدي إلى مشادات عسكرية لذلك يجب التحرك سريعاً تحت بند ضبط الأمن”.
ويشدد الحاج علي، على أن “الاستجابة لمطالب السويداء والتنسيق مع القوى المحلية فيها قد يعيد الاستقرار ويبني ثقة متبادلة بين الجانبين، فيما أن التجاهل قد يعمق الخوق والقلق من التهميش”، معتبراً أن “الحوار الوطني الشامل قد يجعل من السويداء نموذجاً للوحدة الوطنية، ويشجع المكونات الوطنية الأخرى على الانخراط بالعملية السياسية والحوار الفعال، على عكس التجاهل الذي قد يدفعها نحو استقلالية سياسية أوسع، ويضع عقبات أمام السير نحو الدولة المنشودة”.
ويوضح الشوفي، ما هو شكل اللامركزية المطلوبة في سوريا بالنسبة لبعض النخب بالسويداء، ويقول: “نرقب اللامركزية كإحدى حالات الإدارة ذات التجربة الديموقراطية، وهي جزء هام من معادلة الحوكمة المطروحة عالمياً والتي وردت بالقرار الأممي 2254، وتشمل ثلاث نقاط أساسية هي السلطة السياسية والإدارة والمجتمع المدني”
ويلفت إلى أن “السلطة السياسية المركزية تتمركز على ثلاث وزارات سيادية هي الخارجية والدفاع والمالية، فيما اللامركزية الإدارية بكل محافظة تعني تيسير الخدمات إدارياً دون التدخل بالشأن السياسي وفق أبناء كل محافظة بحيث يختارون ممثليهم في مجالس المحافظات والبلديات، وهي تختلق عن اللامركزية السياسية أو الفيدرالية”.
وكانت الفصائل المحلية بالسويداء، قد أطلقت في آب/ أغسطس عام 2022، حملة أمنية لملاحقة فصائل تابعة للنظام المخلوع بريف المحافظة، تنشط بعمليات الخطف وتجارة المخدرات، أبرزها “قوات الفجر” بقيادة راجي فلحوط المقرب من “الفرقة الرابعة” و “حزب الله” اللبناني، إلا أنه فر إلى جهة غير معروفة بعد إنهاء فصيله، إضافةً لـ”قوات الفهد” التابعة لـ”الأمن العسكري” بالنظام المخلوع بقيادة سليم حميد، التي تم حلها وتسليم سلاحها بعد هجوم من قبل “رجال الكرامة” و”أحرار الجبل”.