يرى محللون أن زيارة وفد من الحكومة السورية المؤقتة للسعودية، أمس الأربعاء، تمثل فرصة حاسمة للقيادة السورية الجديدة لإثبات رغبتها في الانخراط في المشروع العربي، كما تعتبر الزيارة محورية في فتح “صفحة جديدة ومشرقة” في العلاقات بين دمشق والرياض، حيث أعرب الشيباني عن أمله في تعزيز الروابط التاريخية بين البلدين.
وكان قد وصل أمس وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد الشيباني، إلى المملكة العربية السعودية مساء الأربعاء على رأس وفد رسمي، يضم وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات أنس خطاب، في أول زيارة خارجية تقوم بها السلطات السورية الجديدة منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في مطلع كانون الأول/ديسمبر الفائت.
أهداف الزيارة والتطلعات المستقبلية
في تصريحات نشرها الشيباني عبر حسابه على منصة “إكس”، أكد أن الزيارة تأتي في إطار تعزيز العلاقات السورية السعودية في عهد سوريا الحرة، موضحاً: “وصلتُ منذ قليل للمملكة العربية السعودية الشقيقة برفقة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس الاستخبارات العامة أنس خطاب”.
وأضاف الشيباني: “نطمح من خلال هذه الزيارة الأولى في تاريخ سوريا الحرة إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات السورية السعودية تليق بالتاريخ العريق المشترك بين البلدين”.
وتشكل هذه الزيارة نقطة فارقة في تاريخ سوريا ما بعد الأسد، حيث تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى إعادة بناء علاقاتها مع الدول العربية، التي شهدت تباعداً في العلاقات خلال سنوات النزاع التي عصفت بالبلاد.
اقرأ أيضاً: الشيباني من الرياض: نأمل أن تفتح الزيارة صفحة مشرقة بالعلاقات – 963+
فرص وتحديات على الصعيد الجيوسياسي
وفي تحليل له حول أهمية الزيارة، أشار نوفل ضو، مدير المركز الجيوسياسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أن “السعودية قد تكون بصدد تقديم فرصة هامة للقيادة السورية الجديدة لإثبات رغبتها في الانخراط في المشروع العربي”.
وأكد ضو في حديثه لموقع “963+”، أن “الكرة الآن في ملعب القيادة السورية، التي يجب أن تثبت من خلال سياساتها الداخلية والخارجية ما إذا كانت ستعتمد سياسة تساهم في تعزيز مكانتها داخل المشروع العربي الاستراتيجي”.
ووفقًا لمدير المركز الجيوسياسي، تبقى القرارات المتعلقة بالأمن القومي العربي، التي كانت قد طرحها أحمد شرع قائد الإدارة السورية الجديدة في الإعلام، هي الحاسمة في تحديد مستقبل العلاقات بين سوريا والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.
والأسبوع الماضي، توقع الشرع في مقابلة مع قناة “العربية” السعودية أنّ يكون للسعودية “دور كبير جداً” في سوريا حيث يمكن أن تستفيد من “فرص استثمارية كبرى” بعد سقوط نظام الأسد.
وأوضح الشرع أن “السعودية تسعى إلى أن يكون هناك استقرار في سوريا. استقرار سوريا يصب في صالح السعودية بشكل مباشر وصالح الخليج بشكل عام”.
ويرى ضو أن دعم سوريا للمشروع العربي “سيؤدي إلى ترحيب دول مثل السعودية ومصر ودول الخليج، في حين أن أي تحركات غير جادة قد تضر بالعلاقات وتؤثر سلبًا على الدور العربي في المنطقة”.
اقرأ أيضاً: الأول بعد فرار الأسد.. وفد رسمي سوري يتجه إلى السعودية – 963+
الموقف السوري من العلاقات الإقليمية
من جهة أخرى، حذر ضو من أي تحرك سوري “يهدف إلى دعم المشروع التركي أو الإيراني على حساب المشروع العربي”، مشيراً إلى أن العلاقات العربية التركية تمر حالياً “بفترة توتر”.
وقال إن “أي محاولة من تركيا للتأثير على التوجهات السياسية السورية قد تقوض العلاقات مع العالم العربي، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها سوريا”.
وأشار ضو إلى أن إعادة بناء سوريا، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، “يتطلب استثمارات عربية ضخمة، وهو ما لن يتحقق إذا كانت سوريا تتبنى سياسة تتناقض مع المبادئ الأساسية للمشروع العربي”.
تأثيرات الزيارة على إعادة الإعمار
اعتبر الكاتب السياسي المستقل غسان يوسف، ويقيم في دمشق، أن هذه الزيارة “تأتي في وقت بالغ الأهمية، وتُظهر استعداد السعودية لإعادة بناء علاقات جديدة مع الحكومة السورية”.
وأكد يوسف لـ”963+”، أن زيارة الشيباني، التي تزامنت مع دعوة سعودية لوزير الخارجية السوري ووزير الدفاع لزيارة المملكة، “تُعتبر خطوة إيجابية لفتح آفاق جديدة للعلاقات العربية مع دمشق”.
وأضاف: “الزيارة ستؤدي إلى تعزيز التعاون العربي مع سوريا في مجالات إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على الوضع الاقتصادي والسياسي في سوريا، التي تضررت بشكل كبير جراء النزاع المستمر منذ سنوات”.
كما شدد يوسف على أن زيارة الشيباني إلى السعودية “ستمهد الطريق لجذب الاستثمارات العربية، التي ستكون حاسمة في إعادة بناء البنية التحتية السورية المتضررة جراء الحرب”.
وقطعت السعودية، على غرار دول خليجية أخرى، علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وأغلقت سفارتها في شباط/ فبراير 2012، احتجاجاً على استخدام النظام المخلوع القوة في قمع احتجاجات شعبية اندلعت عام 2011 وسرعان ما تحولت الى نزاع مدمر.
وقدمت السعودية إلى جانب قطر ودول عربية أخرى، خصوصًا في السنوات الأولى للنزاع، دعماً للمعارضة السياسية والمسلحة، ودعت إلى ضرورة تغيير النظام في سوريا، لكن تغييراً طرأ على العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، وعادت الزيارات واللقاءات بين مسؤولي دمشق والرياض
وفي آذار/ مارس 2023، أعلنت الرياض أنها تجري مباحثات تتعلق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين. وقادت السعودية بعدها جهوداً دبلوماسية أعادت سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية في قمة جدة التي حضرها الرئيس السوري المخلوع في أيار/ مايو من ذلك العام.
وبعد سقوط النظام السوري، كانت السعودية من أوائل الدول المهنئة للإدارة السورية الجديدة، وقبل أسبوع، زار وفد سعودي رفيع المستوى سوريا، وعقد لقاءات مع الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع.