بعيداً عن كلّ الرؤى والآراء حول الانهيار السريع للنظام السوري، ونظرية “الصفقة” الدولية والإقليمية، لابد من الإقرار بأن هذا الانهيار فاجأ جميع السوريين من خصوم ومؤيدين على حد سواء.
رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع سقوط نظام الأسد، لاتزال التحليلات تتوالى على مدار الساعة، وربما ستستمر لسنين طويلة، خاصة عند الافراج عن بعض الوثائق أو تسريبها من الدول المعنية بالأزمة السورية، وليس مبالغة في القول إن ثلاثة أرباع دول العالم كانت على تماس مباشر أو غير مباشر بأزمة سورية والسوريين بشكل أو بآخر.
سقط نظام الأسد وكُسرت أبواب المعتقلات، وعلى الهواء مباشرة رأى العالم حقيقة “جمهورية الصمت الأسدية”، وماذا يوجد فوق الأرض وتحتها سواءٌ بسواء.
العهد الجديد تسلّم الحكم، وبدأ منذ اليوم الأول بمهام إدارة الدولة. تلقى الكثير من إشارات الترحيب الدولية والإقليمية، ولو كانت في غالبيتها حذرة، بانتظار الأفعال على الأرض ليزول الحذر والبدء بالتعامل معه كسلطة طبيعية للبلاد لها ما لها وعليها ما عليها.
لا شك في أن فترة الشهور الثلاثة الأولى، وهي عمر حكومة تسيير الأعمال ستؤسس لما بعدها، وهي فترة مفرطة الحساسية والدقة تبعاً للتحديات الكبرى التي تواجه سوريا من كل النواحي، وبخاصة السلم الأهلي، حيث لا يختلف اثنان على أن الخاسرين لن يضيّعوا أي فرصة سانحة لإشاعة الفوضى والاصطياد في الماء العكر لإفشال العهد الجديد، وهذا ما رأيناه في دول عربية مجاورة بعد سقوط أنظمتها الديكتاتورية.
ليس بخافٍ على سوري واحد أن سوريا بلد مفصلي في الإقليم، ومن شأنها ان تكون اشعاع سلام واطمئنان لمحيطها، أو مركزاً لتفجير أزمات لا حصر لها. وفي كلا الحالين لن يدفع فاتورة أيّ من الخيارين إلّا السوريين. والتنوع السوري يمكن أن يكون صاعق التفجير تماماً مثلما يمكن أن يكون واحة السلم والاطمئنان والرفاه لبلد سُلبت مقدراته الإنسانية والطبيعية لأكثر من نصف قرن.
العهد الجديد، ولأنه يعلم تماماً حجم وعدد الألغام التي زرعها نظام البعث الأمني وقمة هرمه الأسد الأب والابن بين السوريين، بدأ منذ اليوم الأول يرسل إشارات التطمين للسوريين بأنه يسعى لبناء بلد لجميع أهله على اختلاف انتماءاتهم الدينية والقومية، وبأنه سيستعين بكل السوريين لبناء دولة عصرية على أنقاض دولة آل الأسد وحلفائهم والمنتفعين منهم.
ما يدعو للحذر إزاء ذلك كله، انتظار كثرة كاثرة من السوريين حكم العهد الجديد للقيام بكل شيء نيابة عنهم، وهذا شيء يمكن تفهمه الى حد ما كونهم تعودوا لأكثر من خمسة عقود أن لا رأي ولا قرار لهم في شيء وتفرد شخص بمنظومة أمنية وعسكرية محبوكة بدقة، في اتخاذ القرار نيابة عنهم.
اليوم التالي بدأ، فلابد من قراءة المشهدية الاجتماعية السورية بدقة وعمق، ليتأكد للجميع أن الحكم المدني الديموقراطي هو الذي سينهض بالبلاد ويسرّع في تعافيها. سورية الجديدة بما تحويه من ثروات بشرية، قبل كل شيء، يجب تهيئة البيئة الصحية لكوادرها كي تشارك في البناء.. وأظن أن السيد أحمد الشرع يعرف تماماً أنه كلما زادت قاعدته الشعبية رسوخاً، كلما استطاع التحرر من التدخلات الخارجية ومحاولات الضغط عليه إدارته إقليمياً ودولياً، ولن يصل لهذه المعادلة إلاّ من خلال حكم قانون ناظم يتوافق عليه السوريون ويضعونه فوق أي اعتبار سلطوي أو ديني أو قومي.
في المقابل مطلوب من السوريين تقوية النقابات ومؤسسات المجتمع المدني، التي كانت تصادرها مؤسسة الأسد الأمنية، لتكون عنصراً فاعلاً في توجيه بوصلة الحُكم بما يتوافق مع مصالح شرائح المجتمع السوري بعامة، ولتكون مُشاركاً مؤثراً في اختيار شكل الدولة السورية الجديدة وتوجهاتها.
فتح الفضاء واسعاً للصحافة الحرة المسؤولة، مطلب لا يقبل المساومة عليه؛ صحافة تراقب وتحاسب، لا صحافة تطبل وتزمر للحاكم.
المرأة في سوريا الجديدة، ليست ديكوراَ ويجب ألاّ تكون. احترام المعتقدات في سوريا الجديدة واجب وطني طالما لا تؤذي الوطن وأهله.
سوريا الجديدة، تفتح أبوابها لكل المتنورين من أبنائها على الصعد كافة، فلا تخذلوها كي لا تخذلنا من جديد.