دمشق
خلال عام 2024، عاشت سوريا عاماً مليئاً بالتحديات الاقتصادية الكبرى التي انعكست بشكل مباشر على حياة المواطنين وعلى سير الأمور الاقتصادية في البلاد. وتسعى الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، للتخفيف من هذه الآثار، ولكن الوضع المعيشي للعديد من الأسر السورية يظل يعاني من الأزمات المتلاحقة.
وشهدت الليرة السورية في عام 2024 انخفاضاً حاداً في قيمتها أمام العملات الأجنبية، ما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين. فقد وصل سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تراوحت الأسعار ما بين 14,300 ليرة في أسواق دمشق و15,500 ليرة في أسواق حلب، لتصل في بداية الشهر الأخير من هذا العام إلى ما يقارب الـ25 ألفاً، وهذا التدهور المستمر ساهم في تفاقم الأوضاع الاقتصادية للعديد من الأسر، وجعل الأسعار ترتفع بشكل غير مسبوق.
ارتفاع معدلات التضخم
رافق هذا الانخفاض الكبير في قيمة الليرة السورية زيادة هائلة في معدلات التضخم، التي بلغت في بعض الأحيان 156% وفقًا لتحليلات اقتصادية في دمشق. تسبب هذا التضخم المتسارع في ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، من غذاء ودواء ومواصلات، مما زاد من معاناة السوريين الذين أصبحوا يعانون من تدهور مستمر في مستوى معيشتهم.
وكان قد أعلن النظام السوري المخلوع عن نقص حاد في السيولة بالعملات الأجنبية، مما أثر بشكل كبير على قدرة الدولة على استيراد السلع الأساسية، وأدى إلى أزمة كبيرة في تأمين احتياجات المواطنين اليومية. هذا النقص في السيولة أضاف عبئاً إضافياً على الاقتصاد المتعثر أصلاً، مما جعل التحديات أكثر تعقيداً أمام الإدارة السورية الجديدة التي تدير المرحلة الانتقالية في سوريا.
واستمر الوضع المأساوي جراء الحرب التي دارت في البلاد لأكثر من عقد، في التأثير على البنية التحتية للبلاد، التي تعرضت لتدمير واسع في العديد من المناطق. هذا التدمير الكبير عرقل جهود إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، وجعل من الصعب على الإدارة السورية الجديدة تنفيذ مشاريع تعود بالنفع على المواطن السوري.
استمرار العقوبات الاقتصادية
تواصلت العقوبات الغربية على سوريا، مما زاد من تعقيد الوضع الاقتصادي في البلاد. العقوبات المفروضة على النظام السوري المخلوع تؤثر على قدرة الحكومة الجديدة في تأمين الموارد المالية اللازمة لتطوير مشاريع اقتصادية وتنموية، في وقت كانت فيه الحاجة إلى هذه المشاريع ماسة من أجل تحسين الظروف المعيشية للسوريين.
من جانب آخر، تواجه الإدارة السورية الجديدة صعوبة في تأمين الإيرادات اللازمة لتلبية احتياجات البلاد. تزامن ذلك مع التدمير الواسع الذي طال الاقتصاد السوري والبنية التحتية. من جهة أخرى، كانت الموارد المالية شحيحة بسبب ضعف الحركة الاقتصادية في الداخل والخارج.
وشهدت العلاقات الاقتصادية لسوريا تحولات كبيرة بعد سقوط النظام. فقد كانت إيران وروسيا من أبرز حلفاء النظام السابق، حيث قدمتا له دعماً عسكرياً واقتصادياً ولكن لم تكن نتائجه ملموسة على الأرض بالنسبة للسكان، ومع سقوط النظام، تكبدت إيران خسائر كبيرة جراء دعمها للنظام، ما أثر سلباً على مصالحها الاقتصادية في المنطقة. في الوقت ذاته، تسعى بعض الدول العربية، مثل المملكة العربية السعودية، إلى إعادة بناء علاقاتها مع سوريا، مدفوعة بأمل استقرار الأوضاع وفتح فرص استثمارية جديدة.
ومن أكبر التحديات التي تواجهها الإدارة السورية الجديدة هي الديون الضخمة التي خلفها النظام المخلوع، والتي كانت تشمل مستحقات كبيرة لصالح إيران وروسيا. هذه الديون الكبيرة شكلت عبئاً إضافياً على الإدارة الجديدة، التي كان عليها التفاوض مع الدائنين من أجل تقليل حجم الديون أو إعادة جدولتها، مما كان سيشكل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار المالي.
التحولات التي شهدها الاقتصاد السوري في 2024
رغم التحديات المستمرة، فقد شهد الاقتصاد السوري بعض التحولات الإيجابية في ديسمبر 2024 بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، حيث ارتفعت قيمة الليرة بنسبة تجاوزت 45% بعد فترة طويلة من التدهور. هذا التحسن البسيط في قيمة العملة كان نتيجة لتحسن الظروف السياسية وتراجع الضغوط الاقتصادية المترتبة على النظام السابق.
ورغم هذه التحولات الإيجابية، فإن سوريا لا تزال تواجه العديد من التحديات، أبرزها استمرار العقوبات الاقتصادية، وغياب القطاعات الحيوية مثل النفط والزراعة والسياحة، فضلاً عن الحاجة الماسة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، هناك فرص تعافي واضحة، من بينها إزالة الرسوم والرشاوى التي فرضها النظام السابق، مما ساعد في تحسين بيئة الأعمال. كما أن إعادة بناء البنية التحتية قد تفتح المجال لفرص استثمارية جديدة، إضافة للدعم الذي وعدت به معظم الدول العربية وعلى رأسها السعودية.
وبدأ الاقتصاد في التحسن بعد سقوط نظام الأسد، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التحديات والفرص التي يمكن أن تؤدي إلى تعافي تدريجي، لكن ذلك يستلزم جهودًا ضخمة على مختلف الأصعدة، سواء المحلية أو الدولية، لضمان استقرار الاقتصاد وإعادة بناء سوريا في المستقبل.
دعوات لرفع العقوبات الاقتصادية
مع تولي الإدارة السورية الجديدة زمام الأمور بقيادة أحمد الشرع، تصاعدت المطالب الدولية والمحلية لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويهدف ذلك إلى تخفيف المعاناة الإنسانية وتسريع جهود إعادة الإعمار.
وفي 17 ديسمبر 2024، ناقش الشرع مع وفد من الخارجية البريطانية ضرورة رفع العقوبات كخطوة أساسية لتحسين الأوضاع المعيشية في سوريا وتسريع عمليات إعادة الإعمار.
وشدد الشرع خلال اجتماعه مع وفد أميركي على أهمية إزالة العقوبات لتخفيف الأزمة الإنسانية وتعزيز الاستقرار، مع التأكيد على أن هذه الخطوة ستساهم في تسهيل تقديم المساعدات الدولية.
وأبدت الإدارة الأميركية إشارات إيجابية، حيث وصفت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية، أحمد الشرع بأنه “براغماتي”. وأكدت أن هناك نية لإعادة تقييم العقوبات في ضوء التطورات الأخيرة.
لم يصدر موقف رسمي حتى الآن من الاتحاد الأوروبي، لكن التوقعات تشير إلى احتمال مراجعة العقوبات بالتزامن مع تطورات الأوضاع السياسية.
ورغم الدعوات المتزايدة، تظل التحديات كبيرة، حيث يتعين على الحكومة السورية الالتزام بمعايير حقوق الإنسان وتحقيق استقرار سياسي مستدام لضمان تجاوب المجتمع الدولي مع هذه الدعوات.