دمشق
في عام 2024، شهدت سوريا سلسلة من التحولات السياسية والإقليمية الهامة، مع استمرار النزاع الداخلي الذي ألقى بظلاله على المشهد الأمني والديبلوماسي في البلاد. كان كانون الثاني/ يناير بداية فصل جديد في العلاقات الديبلوماسية السورية مع الدول العربية بعد سنوات من الانقطاع مع النظام السوري المخلوع. ومع استمرار الانقسام الداخلي بين النظام والمعارضة، كانت سوريا تمر بمرحلة حساسة، حيث شهدت الأشهر التالية جولات ديبلوماسية هامة، اعتراضات شعبية على مستوى بعض المناطق، وزيادة في الضغوط الإقليمية والدولية.
ويستعرض التقرير التالي أبرز الأحداث السياسية التي شهدتها سوريا خلال عام 2024.
الزيارات الرسمية واللقاءات الديبلوماسية
في يناير، افتتحت سوريا سفارتها في المملكة العربية السعودية بعد سنوات من قطع العلاقات. هذه الخطوة كانت بمثابة بداية لمرحلة جديدة في علاقة سوريا بالمملكة، التي شهدت تحسناً تدريجياً على الصعيد الديبلوماسي.
وفي ذات الشهر، وصل السفير الإماراتي إلى دمشق بعد انقطاع دام 13 عاماً، ما يعكس عودة العلاقات بين البلدين، كما تم تسليم المملكة العربية السعودية حصة كبيرة من ملف الحج والعمرة للنظام السوري المخلوع، وكان ذلك بمثابة تحول لافت في سياق التغيرات الإقليمية.
وفي شباط/ فبراير، شهدت دمشق زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي بحث مع نظيره السوري كيفية تعزيز العلاقات بين البلدين، خاصة في ملف اللاجئين السوريين.
وفي أيار/ مايو، تلقى رئيس النظام المخلوع بشار الأسد، دعوة للمشاركة في القمة العربية التي عقدت في البحرين، ما عكس حينها تحسناً ملموساً في المواقف العربية تجاه سوريا.
اقرأ أيضاً: رئيس الوزراء القطري: لا يوجد جهد جاد من الأسد للمصالحة مع شعبه – 963+
التطورات الداخلية
أبرز ما ميّز 2024 كان الاحتجاجات الشعبية التي استمرت في بعض المناطق السورية، مع تصاعد مطالبات المتظاهرين بإسقاط النظام.
في محافظة السويداء، حيث يعاني السكان من تدهور الوضع الاقتصادي، تجددت المظاهرات في يناير وفبراير، تزامناً مع دعوات لتطبيق القرارات الدولية الخاصة بالحل السياسي في سوريا.
وفي آذار/ مارس، شهدت الذكرى الثالثة عشرة للانتفاضة السورية تجدداً للمطالبات بالحرية والعدالة، مما أظهر أن الثورة الشعبية التي بدأت في 2011 لا تزال تؤثر في الأوساط الشعبية رغم الظروف الحالية.
وفي شمال سوريا، استمرت الاحتجاجات في إدلب ضد “هيئة تحرير الشام”. هذا الحراك شهد مطالبات بتوسيع الحريات والإصلاحات الاقتصادية، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
وفي وقت لاحق من العام، برزت في مناطق شمال غربي سوريا سلسلة من الحركات الاحتجاجية المناهضة للتوجهات السياسية الجديدة، بما في ذلك المظاهرات ضد محاولات التطبيع بين النظام السوري المخلوع وتركيا.
التطورات الإقليمية والدولية
في سياق التفاعلات الإقليمية والدولية، استمرت التحولات في موقف بعض الدول تجاه النظام السوري. ففي مارس، أكد القضاء الفرنسي إصدار مذكرة اعتقال بحق الأسد بتهم ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب السوري.
وفي المقابل، بدأت تركيا في أيار/ مايو بالإعلان عن استعدادها للتطبيع مع النظام السوري، وكان ذلك تحولاً لافتاً في السياسة التركية التي كانت قد قادت معارضة قوية للنظام السوري في السنوات الماضية.
اقرأ أيضا: التطبيع بين دمشق وأنقرة.. مزاجيات متقلبة ومعطيات دولية مؤثرة – 963+
وشهد هذا العام وساطات روسية وإيرانية وعراقية، لتطبيع العلاقات بين النظام السوري المخلوع وتركيا، بناء على دعوات كثيرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للأسد، للاجتماع وإزالة الخلافات وتطبيع العلاقات ولكن الرئيس المخلوع بشار الأسد، رفض كل تلك الوساطات.
وفي يونيو، شهدت دمشق زيارة وزير الخارجية الإيراني، ما عكس حينها عمق العلاقة الاستراتيجية بين سوريا وإيران، بينما كان الملف السوري حاضراً في اجتماعات اللجنة الدولية التي سعت للتوصل إلى حلول سياسية للصراع السوري.
تزامناً مع هذه التطورات، استمرت إسرائيل في تنفيذ غارات جوية على أهداف عسكرية سورية وحلفائها، مما يعكس استمرار التوترات الإقليمية وتأثيرها على الأمن الداخلي السوري.
التطورات الأمنية
على الصعيد الأمني، استمرت العمليات العسكرية بين قوات النظام السوري المخلوع والمعارضة، كما شهدت المناطق الشمالية اشتباكات بين قوات سوريا الديموقراطية “قسد” وفصائل موالية لقوات النظام.
وفي أبريل، شنت إسرائيل غارات جوية استهدفت مطاري حلب ودمشق، وسبقها استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، بينما استمرت الاحتجاجات في مناطق الشمال الشرقي ضد سياسات النظام، مع تساؤلات حول مستقبل العلاقة مع تركيا.
وفي مايو، وقع انفجار في حي المزة بدمشق، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخرين، وهو الحادث الثاني من نوعه في ذات المنطقة خلال فترة قصيرة، ما يعكس حالة من التوتر الأمني المستمرة في العاصمة.
نهاية النظام السوري؟
مع اقتراب نهاية 2024، شهدت سوريا تطورات أمنية وسياسية غير متوقعة. في تشرين الثاني/ نوفمبر، شنّت فصائل المعارضة السورية هجوماً مباغتاً في شمال غربي سوريا، مما أسفر عن سيطرتها على معظم مدينة حلب، وتفاقم الوضع الأمني في المنطقة.
وفي 8 ديسمبر، أعلنت إدارة العمليات العسكرية، السيطرة على العاصمة دمشق، مما أدى إلى انهيار النظام السوري بعد حكم دام نحو خمسين عاماً.
وهذه التحولات الكبيرة تشير إلى مرحلة جديدة في تاريخ سوريا، حيث ستشهد البلاد تحولات جذرية في مسارها السياسي، والتي قد تفتح الباب لمرحلة انتقالية جديدة.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في اختبار الاستقرار بعد سقوط الأسد – 963+
عام 2024 كان عاماً حاسماً بالنسبة لسوريا، حيث شهدت تطورات سياسية وأمنية تترجم تحولات كبيرة في المشهد الإقليمي والدولي، خاصة بعد سقوط النظام السوري، وقيام حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال لمدة 3 أشهر، ورغم تغيير النظام، أبقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا على العقوبات المفروضة على سوريا، مشترطين تقديم ضمانات من القادة الجدد قبل أي تخفيف محتمل.
وأعلنت السلطات السورية الجديدة عدم نيتها إنهاء الاتفاقيات التي تسمح لروسيا باستخدام القواعد العسكرية في اللاذقية وطرطوس في المستقبل القريب.
وفي 30 ديسمبر، زار دمشق وفد خليجي برئاسة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، ووزير الخارجية الكويتي، عبد الله اليحيا. التقوا بالقائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، وناقشوا دعم الاستقرار وإعادة الإعمار في سوريا.
اقرأ أيضاً: ترحيب دولي وإقليمي بسقوط بشار الأسد – 963+
وفي نفس اليوم، أعلن وزير الخارجية السوري في الحكومة المؤقتة، أسعد الشيباني، تلقيه دعوة رسمية من نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، لزيارة المملكة العربية السعودية، كأول زيارة خارجية رسمية بعد تشكيل الحكومة الجديدة.
واستقبلت دمشق في 23 ديسمبر، وفوداً ديبلوماسية عربية قدمت دعمها للشعب السوري والتقت بالقائد العام للإدارة الجديدة، أحمد الشرع، لبحث الجهود المستقبلية.
وزار خمسة وزراء أتراك، بينهم وزيرا الطاقة والدفاع، سوريا لبحث التعاون في مجالات الطاقة والأمن.
وتترقب سوريا تنظيم أول حوار وطني شامل بهدف رسم ملامح المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة توافقية، تمهيدًا لإجراء انتخابات مستقبلية.
هذه التطورات تعكس مرحلة انتقالية حساسة في سوريا، مع تحديات داخلية وخارجية تواجه السلطات الجديدة في سعيها لتحقيق الاستقرار وإعادة بناء الدولة.