كشفت الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، عن مؤتمر وطني جامع مزمع عقده في دمشق بين الخامس والسادس من كانون الثاني/ يناير، يضم نحو 1200 شخصية من جميع المحافظات السورية، للتباحث بشأن العملية الانتقالية وتشكيل لجان لصياغة دستور، مع التأكيد على دعوة الأفراد بصفتهم الشخصية وليس كأجسام سياسية، فما هو المتوقع من هذا المؤتمر، وهل سيقود إلى بلورة رؤية بشأن مستقبل العملية السياسية بالبلاد، في ظل معطيات وتحديات كبيرة على جميع المستويات.
الشرع قال قبل يومين خلال مقابلة مع قناة “العربية” السعودية، إن المؤتمر سيضم جميع الأطراف السورية، وكل من يريد الحضور بصفته الشخصية مرحب به، وذلك بعد أن كشف مصدر مقرب من الإدارة الجديدة لقناة تلفزيونية سورية إنه “من المقرر أن يتم الإعلان عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر، حيث ستتم دعوة 1200 شخصية سورية من الداخل والخارج على مستوى الأفراد وليس الكيانات، ويمثل كل محافظة ما بين 70-100 شخص من كافة الشرائح”.
صعوبات وتحديات
لكن الظروف التي تمر بها البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد، من انهيار شبه كلي للاقتصاد والبنية التحية وتدهور معيشي وتهالك مؤسسات الدولة ومشكلات اجتماعية وسياسية خلّفها النظام المخلوع، والمخاوف من الانجرار إلى فوضى أمنية، تجعل إنتاج عملية سياسية شاملة تلبي تطلعات السوريين، تمر بمخاض عسير، وفق أغلب المحللين.
اقرأ أيضاً: 2025.. عام التحديات الكبرى في سوريا
عزز هذا التوجه، ما ذهب إليه الشرع بشأن الوقت اللازم لبلورة عملية سياسية، حيث قال إن “تنظيم انتخابات في سوريا قد يستغرق 4 سنوات، إذ أن أي انتخابات سليمة ستحتاج إلى القيام بإحصاء سكاني شامل، كما أن إعداد وكتابة دستور جديد، قد يستغرق أيضاً نحو 3 سنوات”، ما أعطى مؤشرات على إمكانية تمديد الفترة الانتقالية، في ظل الظروف والتحديات التي تواجه إعادة بناء الدولة والمؤسسات وتنظيم العملية السياسية ومراحل تجهيز الدستور والإعداد للانتخابات، وتوضيح شكل وآلية العمل والتشاركية.
وتحدث قائد الإدارة الجديدة بشكل صريح عن عدم توجيه دعوة لـ”الائتلاف الوطني السوري” وقال، “إذا أراد أعضائه الحضور بصفتهم الشخصية فهو أمر مرحب به”، لكن مصدر في “الائتلاف” أكد لقناة تلفزيونية عربية، أن الأخير سيرفض المشاركة في المؤتمر إذا وجهت الدعوة لأعضائه كأفراد، كما قال رئيسه هادي البحرة خلال مقابلة تلفزيونية إنه “لم توجه لهم أي دعوة للحضور حتى الآن”.
البحث عن قيادة تمثل الجميع
الباحث السوري في المركز العربي للأبحاث ودارسات السياسات المقيم في إسطنبول عبد الرحمن الحاج، يشدد خلال تصريحات لموقع “963+”، على أنه “في مؤتمر الحوار الوطني سيحضر الجميع كممثلين عن مكونات المجتمع السوري، وحتى القوى السياسية باستثناء “هيئة التفاوض” و”الائتلاف الوطني” باعتبارهما تنظيمان وظيفيان ومهمتهما انتهت، أي أنهما ليسا أحزاباً”، مشيراً إلى أنه “لا يوجد قرار نهائي بشأن تشكيل هيئة استشارية للرئيس المؤقت خلال المؤتمر، لكنها واحدة من الأفكار المطروحة”.
اقرأ أيضاً: لماذا تحتاج سوريا الجديدة لسنوات لإجراء الانتخابات وكتابة الدستور؟
ويعتبر الأكاديمي السوري الدكتور يحيى العريضي المقيم في باريس، أن “الأهمية في الوقت الحالي، هي ليست للأشخاص مهما علا شأنهم بل للكفاءة وحسن تمثيل السوريين بوصفهم مواطنين بالدولة السورية الديموقراطية المأمولة، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة أن تشمل قيادة المرحلة مختلف الأطراف السياسية والأهلية، وخاصةً تلك التي خاضت معركة التغيير من أجل الخلاص من استبداد عصابة الأسد خلال سنوات الثورة منذ انطلاقها في عام 2011″، معتبراً أن “التركيز على دعوة الأفراد ربما ليسهل تكوينها حسب توجه الداعي، وما يتناسب مع الأهداف والأجندة الموضوعة دون تأثير أي نهج أو توجه انتمائي سابق”.
ويؤكد خلال تصريحات لـ”963+”، أن “المرحلة الانتقالية تستلزم إطلاق مسارات متلازمة أولها العدالة الانتقالية لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات من قوى الأمر الواقع وعلى رأسها المنظومة الاستبدادية المخلوعة وكل من تعاون معها، وثانيها العملية السياسية والدستورية وفي مقدمتها إلى جانب مساري تثبيت الأمان والاستقرار بجانبيه الأمني والاقتصادي، المسائل المعيشية الملحة من عدل وصحة وتعليم “.
إلا أن مدير منظمة “كرد بلا حدود” كادار بيري المقيم في فرنسا، يرى أن “الجولاني يفرض نفسه كجهة وهيئة هي المسيطرة والآخرون عبارة عن أفراد وألا يكون هناك أي تجمع، طبعاً باستثناء قوات سوريا الديموقراطية (قسد) التي تمتلك قوة وتنظيم إداري”، معتبراً خلال تصريحات لـ”963+”، أن “ما نراه هو إعادة لمؤتمر سوتشي الذي دعت إليه موسكو، وذلك من أجل أن يقول الجميع نعم للجولاني”.
اقرأ أيضاً: الوثائق السورية ستطبع في تركيا.. بين السيادة والمخاوف القانونية والأمنية
مرحلة انتقال نحو الديموقراطية
ويقول الحاج: “نحن نتحدث عن مرحلة انتقال إلى الديموقراطية، ما يعني أننا في مرحلة ستظل تحتفظ ببعض سمات غير ديموقراطية بسبب طبيعة الانتقال السياسي، لكن الهدف النهائي واضح والجميع مجمع عليه، وهو الوصول إلى نظام ديموقراطي يمثل الجميع”، معتبراً أنه “خلال هذه المرحلة سيبقى الشرع هو المتصرف بموقع الرئاسة، أي يمارس صلاحيات الرئيس بصفته قائد العمليات العسكرية، وانطلاقاً من الشرعية الثورية كما هو الحال في الثورات الي أطاحت بالأنظمة بالقوة”.
وتؤيد المحامية السورية المقيمة في السويداء جنوبي البلاد راوية علبة، ما يذهب إليه الحاج، من أن “المرحلة الحالية هي مرحلة تسيير أعمال لملء الفراغ لكن بعد أكثر من شهر سيكون هناك عمل على حكومة انتقالية يجب أن تكون منتخبة من كل مكونات الشعب السوري وأطيافه، ويجب ألا تتجاوز مدتها أكثر من ثمانية عشر شهراً، وأن يوضع خلالها جدول أعمال بشأن وحدة سوريا وإنشاء جيش وطني ينحصر السلاح بيده فقط، وصياغة دستور يحفظ الحقوق ويضمن العدالة والفصل بين السلطات، وأن تكون سوريا دولة مدنية ديموقراطية تحترم فيها الحقوق والحريات”.
وتشير في تصريحات لـ”963+”، إلى أن “المؤتمر الذي دعا إليه الشرع هو مؤتمر تجريبي مصغر أما المؤتمر العام لا يزال قيد الدراسة والعمل وستمثل فيه جميع القوى السياسية العابرة لكل ما هو طائفي وعرقي وديني والأجسام المعارضة والمنظمات المدنية والشخصيات السياسية، وجميع الأطياف والمكونات بعيداً عن أي إقصاء أو تفرقة”.
ملامح مرحلة انتقالية طويلة
ويقول بيري، إن “المرحلة الانتقالية لا يرى فيها أي بوادر حل، في ظل ما يطرح أو ما طرح من أسماء على المستويات السياسية والوزارية والعسكرية”، مضيفاً أن “العملية السياسية ستطول أكثر من المدة التي تحدث عنها الجولاني بأربع أو ثلاث سنوات، حيث أنه سيبحث فقط عن فترة لتمكين سلطته”.
ورغم كل ما يحيط بمؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده، من ظروف وتحديات كبيرة، يرى فيه سوريون خطوة أولى نحو عملية سياسية حقيقية، وإزالة الضبابية التي تعتري المشهد العام، وبلورة رؤية أولية على الأقل بشأن الخطوات اللاحقة الأساسية لمستقبل البلاد السياسي، من صياغة دستور وإجراء انتخابات وجهود التعافي الاقتصادي وتحقيق التشاركية بين جميع الأطراف.