قد يكون سقوط النظام السوري الحدث الأكثر أهمية في الشرق الأوسط للعام 2024، لكنه، على الأكيد، الحدث الذي سيستمر تأثيره طوال السنة القادمة. فسقوط النظام وهروب الحاكم شيء، لكن بناء دولة جديدة شيء آخر مختلف تماماً، وقد لا يكون في المتناول.
عام 2025 سيحمل الكثير من التطورات في سوريا، وربما لن تكون مدة تلك السنة كافية للإجابة على هذه الأسئلة المحورية المرتبطة بمستقبل الشعب السوري: من سيحكم سوريا، وكيف؟ هل سيحكمها أحمد الشرع عنوة دون الحاجة إلى انتخابات، أم إن الركون إلى حد أدنى من الديموقراطية سيكون ممراً إلزامياً ليثبت الحكم الجديد أقدامه في السلطة؟ هل ستكون سوريا دولة دينية أم مدنية؟ ماذا عن دور وحقوق الأقليات الدينية والعرقية في سوريا؟ هل مصيرها الوقوع تحت حكم ديكتاتوري جديد أم إن حلمها بالعدالة والمساواة قد يتحقق هذا العام؟
ربما نحتاج إلى “نوستراداموس” سوري لحل معضلة مستقبل سوريا القريب، لكن الأكيد هو أن مشاكل هذه البلاد لم تنتهِ بمجرد ترك بشار الأسد السلطة. إذ لا تزال خطوط الصراع هي نفسها، بين أقلية من الإسلاميين الذين يريدون تطبيق أركان وحدود الشريعة الإسلامية في الدولة، وبين أكثرية ترى بأن الليبرالية المضبوطة، وما يرافقها من مفاهيم مرتبطة بحقوق الإنسان والحريات الدينية والفكرية، هو النموذج الأكثر صلاحاً في الزمن الحالي. خط صراع آخر هو بين الأكثرية السنية العربية التي تشعر اليوم بأنها من الغالبين، وبين أقليات دينية، علوية ودرزية ومسيحية، كما عرقية كردية، ترى أن المستقبل السوري يكتنفه الغموض وكثرة المتاعب. هذا بالإضافة، طبعاً، إلى خط الصراع الدولي والإقليمي القائم للسيطرة على سوريا بذاتها.
في خضم هذه الصراعات يقف الشعب السوري على مفترق طرق، يحمل في جعبته آمالاً وأحلاماً قديمة وأخرى جديدة تنتظر التحقق. كل خطوة تخطوها البلاد نحو الاستقرار، ستقابل بعقبات ومعوقات، فكيف يمكن بناء دولة ومجتمع مستقر مثلاً دون اللجوء إلى عدالة انتقالية تحل مكان الثأر القائم في شوارع المدن وقلوب الناس حالياً.
في العام 2025، يمكن التوقع أن يحمل في طياته مجموعة جديدة من التحديات والفرص لسوريا. بينما تتطلع البلاد إلى بناء مستقبل مستقر، من المتوقع أن تشهد تطورات مهمة على الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ستركز الجهود في العام المقبل على تشكيل سلطة انتقالية تضم جميع الأطياف السياسية والمكونات الاجتماعية في البلاد. سيكون التحدي الأكبر هو النجاح في إشراكها جميعها في حوار وطني شامل، كما تحقيق توازن بين القوى المختلفة وضمان احترام رأيها، فلا يكون اللقاء الجامع هو “مبايعة” للشرع، بقدر ما يكون بحثاً صادقاً وحقيقياً حول مستقبل سوريا. أما تنظيم انتخابات حرة ونزيهة لتكون الخطوة الأولى نحو إقامة نظام ديمقراطي يحترم حقوق الجميع، فتبدو أمراً صعباً للغاية، بعدما قال الشرع في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي إن إجراء انتخابات “قد يستغرق مدة تصل إلى 4 سنوات”، فيما “عملية كتابة الدستور قد تستغرق 3 سنوات”.
سيكون من المهم تعزيز التماسك الاجتماعي وبناء جسور الثقة بين مختلف الطوائف والعرقيات في سوريا. برامج المصالحة يمكنها لعب دور حيوي في إعادة بناء النسيج الاجتماعي المتضرر. هذا نظرياً، ولكن لا يبدو هذا الأمر من أولويات السلطة حالياً، ولا يبدو حتى أنه يمكن أن يكون من أولوياتها في المستقبل القريب.
على المستوى التعليمي، ستحتاج البلاد إلى جهود مكثفة لإعادة تأهيل المدارس والجامعات وتحسين جودة التعليم وبناء برامج تعليمية جديدة مختلفة عن تلك القائمة لتأمين مستقبل أفضل للأجيال القادمة. هذا تحدٍ قائم بذاته، وتنقصه الإمكانات والإرادة، وقد لا يتحقق بشكل حقيقي عام 2025.
على الصعيد الاقتصادي، سيكون أمام سوريا تحديات كبيرة في إعادة بناء بنيتها التحتية وتحقيق الانتعاش الاقتصادي. قد تكون هناك مبادرات دولية لدعم إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية، ولكن سيتعيّن على الحكم السوري العمل على جذب الاستثمارات وإعادة تشغيل القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة. تحقيق الاستقرار الاقتصادي سيكون خطوة أساسية من أجل تحسين مستوى المعيشة وتقليل نسبة البطالة بين الشباب، كما عودة ملايين السوريين اللاجئين والمشتتين في دول العالم.
من المتوقع، أيضاً، أن تظل الأوضاع الأمنية هشة في بعض المناطق، وتحديداً في المناطق ذات الحضور القوي لأنصار الأسد، أكان في الساحل السوري أم في بعض أحياء مدينة حمص وغيرها من الأماكن. لذا سيتطلب الأمر تعاوناً قوياً بين الجهات الأمنية والمجتمع الدولي لضمان الأمن والاستقرار. مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة ستكون من الأولويات لضمان حماية المدنيين وتحقيق السلام في البلاد، فيما حضور تنظيم “داعش” لا يزال قائماً في البادية السورية وبحاجة إلى حرب عليه للخلاص منه بشكل نهائي.
ستستمر الدول الكبرى والإقليمية في لعب دور مؤثر في مستقبل سوريا. قد نشهد مزيداً من الاتفاقيات والتفاهمات الدولية التي تهدف إلى دعم الاستقرار وإعادة الإعمار، كما اتفاقيات تُخضع الدولة السورية لمصالح وأهواء الدول الإقليمية كتركيا مثلاً. لم تراهن أنقرة على تغيير النظام السوري عن عبث أو على سبيل “الخدمة لوجه الله”، بل تبقى المصالح والمنافع، دائماً، في خلفية المشهد. سيكون من المهم أن تظل سوريا قادرة على التفاوض والحفاظ على سيادتها واستقلالها في ظل التحديات الدولية والإقليمية، على الرغم من صعوبة تحقيق هذا الأمر نظراً لافتقارها إلى سلطة ذات شرعية، إلى جيش حقيقي وإلى شعب موحّد في تطلعاته.
عسى أن يكون عام 2025 عاماً يحمل في طياته بشائر الخير والاستقرار لسوريا، وأن يتمكن الشعب السوري من بناء وطن يعمه السلام والازدهار. فلنكثر من الإيجابية، عسى أن تطغى على السلبيات والمشاكل الكثيرة القادمة.