معن عبد الرحمن/ درعا
تصاعدت الأنباء مؤخراً حول انسحاب الجيش الإسرائيلي من بعض المناطق في محافظة درعا الجنوبية، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، وأدى إلى تضارب المعلومات بين تأكيدات الحكومة السورية وبعض المصادر الميدانية من جهة، ونفي إسرائيلي من جهة أخرى. هذا الجدل لا يقتصر فقط على مسألة الانسحاب، بل يثير العديد من التساؤلات حول التأثيرات الأمنية والاقتصادية التي قد تترتب على هذه التطورات في المحافظة، خصوصاً في ظل استمرار التواجد الإسرائيلي في بعض المناطق الحساسة.
بينما تصدرت الأخبار الأمنية حول الانسحاب الإسرائيلي، ظهرت أيضاً تبعات كبيرة لهذا الوضع على المزارعين في درعا، حيث عانى العديد من الأهالي من تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة تضرر الزراعة. وفيما يلي تفاصيل هذه الأحداث مع التركيز على الجوانب الأمنية أولاً، ثم التأثيرات الاقتصادية على الزراعة.
الجدل حول الانسحاب الإسرائيلي: تأثيراته الأمنية على درعا
في الأيام الأخيرة، أعلنت الحكومة السورية عبر وزير الداخلية عن انسحاب الجيش الإسرائيلي من كافة المناطق الجنوبية في سوريا، بما في ذلك محافظة درعا. وقد أثار هذا الإعلان الكثير من الجدل، إذ تتضارب المصادر بين التأكيدات الرسمية والواقع على الأرض.
فبينما يشير الإعلام السوري إلى أن القوات الإسرائيلية قد انسحبت من بعض المناطق، تؤكد مصادر ميدانية وشهادات محلية أن الجيش الإسرائيلي لا يزال متمركزاً في مواقع استراتيجية في ريف درعا الغربي، خصوصاً في منطقة حوض اليرموك، التي تعد من أبرز المناطق الزراعية.
وأكد أبو أحمد البريدي، أحد وجهاء حوض اليرموك في حديثه لموقع “963+”، أن القوات الإسرائيلية ما زالت متمركزة في المنطقة، وقال: “منذ التاسع من كانون الأول/ ديسمبر 2024، ونحن نواجه صعوبة كبيرة في الوصول إلى أراضينا. التواجد الإسرائيلي لا يزال في مواقع عدة في المنطقة، وهو ما يتناقض مع التصريحات التي تم الإعلان عنها”.
وأضاف البريدي أن هذا الوضع الأمني يزيد من القلق في المنطقة، حيث إن التواجد الإسرائيلي لا يقتصر على الحفاظ على الأمن في هذه المواقع، بل يؤدي إلى المزيد من التوترات في المناطق الحدودية التي تشهد تقلبات مستمرة في الوضع العسكري.
من جانبه، أكد أبو خالد الجاعوني، أحد أعيان المنطقة، في حديثه لـ”963+” أن “الوضع الأمني يبقى هشاً رغم التصريحات الرسمية”، وقال: “التواجد الإسرائيلي في المنطقة ينعكس سلباً على الأهالي. القيادة السورية أكدت أن انسحاب القوات الإسرائيلية مسألة وقت، لكن لا يزال الوضع العسكري غير مستقر”.
التأثير الأمني على الاقتصاد
في الوقت الذي يثار فيه الجدل حول الوضع الأمني، لا يقل أهمية تأثير التواجد الإسرائيلي على الزراعة في درعا. منذ بدء التوغل الإسرائيلي لعدد من المناطق في حوض اليرموك في بداية ديسمبر الجاري، أصبح المزارعون في المنطقة يعانون بشكل كبير. فالتواجد العسكري الإسرائيلي في المنطقة أدى إلى تدمير المحاصيل الزراعية وتوقف الإنتاج الحيواني، وهو ما يهدد الأمن الغذائي لأهالي المنطقة.
وأوضح عيسى النزال، أحد المزارعين من حوض اليرموك، في حديثه لـ”963+”، أن “المزارعين لا يزالون غير قادرين على الوصول إلى أراضيهم منذ بداية الشهر الجاري”. وقال: “منذ تسعة ديسمبر، لم نتمكن من الوصول إلى أراضينا أو مناحلنا، وزراعتنا التي تعتمد على الري والعناية اليومية قد دُمّرت بالكامل. الخسائر كانت هائلة”.
وأضاف النزال: “نخشى من أن يؤدي هذا الوضع إلى ارتفاع أسعار الخضروات في الأسواق، حيث أن حوض اليرموك كان يُعتبر من أهم مصادر الخضروات الرخيصة في درعا”.
وتشير التقارير إلى أن تدمير المحاصيل الزراعية له تبعات واسعة على الاقتصاد المحلي، حيث يعد قطاع الزراعة المصدر الرئيسي للرزق للكثير من العائلات في المنطقة.
وفي هذا السياق، أكد الجاعوني أن: “الزراعة وإنتاج العسل هما المصدران الأساسيان للأهالي في حوض اليرموك. إذا استمر الوضع على ما هو عليه، قد نشهد أزمة اقتصادية كبيرة في المنطقة. الحكومة لم تقدم بعد حلولاً واضحة لمساعدتنا في استعادة أراضينا وتوفير الدعم الزراعي”.
الاجتماع مع الوفد الحكومي: وعود دون حلول ملموسة
في 29 ديسمبر 2024، انعقد اجتماع طارئ في مركز محافظة درعا بحضور وفد من القيادة السورية لمناقشة الوضع الأمني والاقتصادي في المنطقة. إلا أن هذا الاجتماع لم يقدم حلولاً حاسمة للمشاكل التي يواجهها الأهالي، بل اقتصرت الوعود على معالجة الخسائر الزراعية.
وأوضح الجاعوني أن الحكومة وعدت بدراسة تعويض المزارعين المتضررين، وقال: “القيادة أكدت لنا أن التعويض سيكون عن الأراضي التي لم تتم زراعتها نتيجة للوجود الإسرائيلي. لكن لا توجد أية تفاصيل حاسمة بشأن كيفية تعويضنا، ولم يتم تحديد أي موعد أو خطة محددة”.
أما أبو أحمد البريدي، فقد أشار إلى أن الوفد الحكومي قدم تعهدات بأن الحكومة ستدرس سبل تعويض المزارعين المتضررين، “إلا أن هذا التعهد لا يعد كافياً في ظل الخسائر الكبيرة التي لحقت بالأهالي”.
على الرغم من التحديات الاقتصادية، يتعرض أهالي المنطقة أيضاً لانتهاكات متواصلة من الجانب الإسرائيلي. ففي الأيام الأخيرة، قامت القوات الإسرائيلية باعتقال عدد من الشباب من حوض اليرموك. في 25 ديسمبر الجاري، تم اعتقال خليل العارف، وفي اليوم الذي تلاه، اعتقل كل من رائد الزيدان ومهند الزيدان بعد مداهمة منازلهم.
وقد طالبت العائلات التي تم اعتقال أبنائها بالكشف عن مصيرهم، مشيرة إلى أنهم لا علاقة لهم بأي نشاطات عسكرية أو سياسية. وقال البريدي: “هؤلاء المعتقلين هم من المدنيين والمزارعين، واعتقالهم دون سبب واضح يزيد من معاناتنا في ظل هذا الوضع الأمني المتأزم”.
وتجسد قضية الانسحاب الإسرائيلي من محافظة درعا حالة من الجدل المعقدة بين التصريحات الرسمية والواقع على الأرض. في الوقت الذي يبقى التواجد الإسرائيلي في مناطق استراتيجية في درعا، يستمر القلق الأمني على المنطقة التي تتأثر بشكل مباشر بتداعيات هذا الوضع.
وعلاوة على ذلك، يواجه المزارعون في حوض اليرموك تحديات كبيرة نتيجة تدمير محاصيلهم ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي للمحافظة. وفي ظل غياب حلول فاعلة من الحكومة السورية، يبقى مصير المنطقة مفتوحاً أمام المزيد من التحديات الأمنية والاقتصادية.