لم تتضح حتى الآن تفاصيل مؤكدة بشأن زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى العاصمة السورية دمشق، وسط شائعات عن لقاء محتمل مع القيادة السورية الجديدة. ومع ذلك، يبدو جلياً أن القاهرة تتابع التطورات في سوريا باهتمام بالغ، لا سيما في ظل التغيرات السياسية الأخيرة التي قد تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين.
ومنذ بداية الحرب السورية، حرصت مصر على تقديم رؤية متوازنة ترتكز على احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، مع رفض التدخلات الخارجية. العلاقات المصرية-السورية ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لعقود من التعاون والتواصل بين البلدين والشعبين. هذا الإرث التاريخي يجعل من الطبيعي أن تنخرط مصر في أي جهود تسعى إلى تحقيق الاستقرار في سوريا، بما يتماشى مع مصالح الطرفين.
وأكدت التصريحات الرسمية المصرية على مدار السنوات الماضية أن القاهرة ترى في وحدة سوريا وسلامة أراضيها أمراً أساسياً لاستقرار المنطقة. ومع سقوط نظام بشار الأسد المخلوع وتولي القيادة الجديدة مقاليد الأمور، ازدادت أهمية هذا الموقف.
القضايا الأمنية على أجندة القاهرة
ترى القاهرة في الأوضاع السورية بعد التغيرات السياسية الأخيرة فرصة لإعادة ترتيب الأولويات الأمنية، خصوصاً فيما يتعلق بعناصر تعتبرها تهديداً لأمنها القومي. وفقاً لمصادر مصرية، تبحث القاهرة مع الأطراف السورية عبر قنوات غير مباشرة ملفات حساسة تشمل قوائم لشخصيات جهادية مطلوبة.
وفيما يتعلق بالحديث عن زيارة محتملة لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، نفت مصادر رسمية صحة هذه الأنباء، مشيرةً إلى أن الوزير يواصل حالياً جولة إفريقية تشمل دولاً مثل تشاد، وسيعود إلى القاهرة قريباً لعقد لقاءات دبلوماسية أخرى.
على الجانب السوري، أبدى وزير الخارجية في الحكومة الجديدة، أسعد حسن الشيباني، استعداداً لبناء علاقات استراتيجية مع مصر تقوم على احترام سيادة البلدين وعدم التدخل في شؤونهما. وجاء ذلك في منشور عبر منصة “إكس”، يُلمح إلى رسائل إيجابية تجاه القاهرة، ما قد يُمهّد الطريق لتفاهمات أوسع مستقبلاً.
رؤى وتوقعات حول العلاقات المصرية-السورية
حازم خيرت، السفير المصري السابق في سوريا، أكد في تصريحات لموقع “963+” أن “مصر تنظر إلى سوريا كركيزة مهمة للاستقرار الإقليمي”، موضحاً أن “القاهرة تنتظر خطوات عملية من القيادة الجديدة تعكس التزاماً حقيقياً بتغيير النهج السابق”. وذكر أن مصر تأمل أن تسعى الحكومة السورية نحو تأسيس دولة مدنية شاملة تضمن مشاركة كافة الأطياف.
وبدوره أشار سمير فرج، الخبير العسكري والاستراتيجي، إلى أن القاهرة تولي اهتماماً خاصاً بملف الإرهاب في سوريا، لا سيما تفكيك الفصائل المسلحة التي ما زالت تعمل على الأرض. وأوضح فرج لـ”963+” أن تسليم المطلوبين الذين يشكلون تهديداً للأمن القومي المصري هو “أحد الملفات الأساسية التي تُناقش حالياً عبر قنوات مختلفة”.
ولطالما كانت العلاقات المصرية السورية ضرورية ومؤثرة، على الرغم من فترات الخلاف التي مرت بها، بحسب ما ذكر ياسر هاشم، الخبير الاستراتيجي، لـ”963+”.
واعتبر أن “إعادة بناء الجيش السوري وحل الفصائل المسلحة تحت مظلة جيش وطني يمثل تحدياً محورياً، لكنه ضروري لضمان استقرار سوريا ووحدتها”.
وشاركت مصر خلال السنوات الأخيرة في العديد من الاجتماعات الإقليمية والدولية التي ناقشت الملف السوري، وكان أبرزها الاجتماع الذي عُقد في مدينة العقبة الأردنية. أكد وزير الخارجية المصري خلال هذه الاجتماعات على موقف بلاده الثابت في دعم وحدة سوريا واستقرارها، مع التشديد على أهمية إطلاق عملية سياسية شاملة يقودها السوريون بأنفسهم، بعيداً عن أي إملاءات خارجية.
كما عملت القاهرة على بناء توافقات إقليمية حول الأزمة السورية، مع الحفاظ على مسافة متوازنة من جميع الأطراف. ويأتي ذلك انطلاقاً من إيمانها بأهمية الحلول العربية للمشكلات الإقليمية.
التحديات أمام القيادة السورية الجديدة
في ظل التغيرات السياسية، تواجه القيادة السورية الجديدة تحديات كبيرة تشمل إعادة بناء الدولة على أسس مدنية، والتعامل مع القضايا الأمنية والاقتصادية المتفاقمة. إضافة إلى ذلك، لا تزال التدخلات الخارجية والجماعات المسلحة عائقاً أمام تحقيق الاستقرار الكامل.
يرى الخبراء أن على القيادة السورية أن تثبت جديتها في انتهاج سياسات جديدة أكثر انفتاحاً ومرونة، بما يعزز ثقة المجتمع الدولي والدول العربية بها. من جانبها، تبدو القاهرة مستعدة لتقديم الدعم، شرط أن تكون هناك خطوات عملية تعكس الالتزام بتحقيق المصالحة الوطنية وبناء دولة شاملة لكل الأطياف.
ورغم التحديات، تظل العلاقات المصرية-السورية حيوية لكلا البلدين. تتطلع القاهرة إلى عودة سوريا إلى محيطها العربي كدولة مستقلة وذات سيادة، مع إنهاء أي وجود أجنبي أو تحالفات تعمّق الانقسامات الداخلية.
تؤمن مصر بأن سوريا القوية والمستقرة تُشكّل إضافة مهمة للأمن القومي العربي، وأن أي استقرار في سوريا سينعكس إيجابياً على المنطقة بأكملها. وبينما تواصل القاهرة انخراطها في المشهد السوري من خلال القنوات الديبلوماسية والأمنية، تبقى الأولوية لتعزيز التعاون بما يحقق مصالح الشعبين ويحفظ استقرار المنطقة.