بدأت تركيا، استعداداتها بالتعاون مع الإدارة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، لطباعة الوثائق الرسمية للسوريين، بما في ذلك جوازات السفر والهويات، في خطوة تهدف لدعم إعادة تأسيس نظام الدولة السورية وتشغيل مؤسساتها. وتأتي هذه الخطوة ضمن سياق دولي متزايد للاعتماد على الخبرات التقنية الخارجية في طباعة الوثائق الحساسة، ما يثير تساؤلات حول سيادة الدول وأمن بيانات المواطنين.
وتهدف هذه الخطوة إلى دعم إعادة تأسيس نظام الدولة في سوريا، حيث ستقدم كل وزارة تركية الدعم في مجالها لإعادة تشغيل المؤسسات والمنظمات العامة. على سبيل المثال، ستساهم وزارة الداخلية التركية في توفير الدعم لدوائر النفوس والأمن وطباعة جوازات السفر، بالإضافة إلى تقديم الدعم في مجالات مثل المعدات التقنية وتبادل المعلومات.
إجراء شائع ضمن إطار قانوني دولي
أكد غزوان قرنفل، مدير تجمع المحامين السوريين في مرسين بتركيا، أن طباعة الوثائق الرسمية بالخارج “ليست بدعة جديدة، بل تُعتبر ممارسة شائعة تعتمدها العديد من الدول التي تفتقر إلى الإمكانيات التقنية لطباعة وثائق محمية من التزوير”.
وأوضح قرنفل في حديث لموقع “963+” أن “العملية تتم عادة ضمن إطار قانوني واضح، عبر اتفاقيات تُبرم بين الحكومات”. وأضاف أن “المخاطر تكون محدودة إذا اقتصرت العملية على طباعة النماذج فقط دون تضمين بيانات المواطنين، لكن مشاركة البيانات الشخصية مع الدول الطابعة يشكل مشكلة خطيرة لا يمكن القبول بها”.
وأشار قرنفل إلى أن “من غير المعقول أن تقوم الحكومات بإرسال قوائم يومية بأسماء المواطنين الذين يحتاجون إلى وثائق جديدة إلى دولة أخرى، مما يعزز فرضية أن العملية تقتصر على طباعة نماذج فارغة فقط”. واقترح قرنفل “تدريب كوادر محلية وتجهيز تقنيات الطباعة داخل الدولة كحل طويل الأمد لتعزيز السيادة وحماية البيانات”.
وأضاف: “مشروعية الوثائق المطبوعة بالخارج لا يمكن الطعن بها. على سبيل المثال، العملات غالباً ما تُطبع في دول أخرى دون أن يؤثر ذلك على شرعيتها أو قيمتها. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في احتمالية مشاركة بيانات المواطنين الشخصية”.
اقرأ أيضاً: بن زايد وفيدان يبحثان الأوضاع في سوريا – 963+
حق سيادي وممارسة دولية شائعة
من جانبه، شدد أحمد عجاج، أستاذ العلاقات الدولية في لندن، على أن طباعة الوثائق الرسمية في الخارج هو حق سيادي للدولة ولا يشكل انتهاكاً لسيادتها، طالما أن العملية تتم وفق الشروط التي تضعها الدولة صاحبة القرار وتلتزم بها الدولة المنفذة.
وأشار عجاج لـ”963+” إلى أن هذا الإجراء “يخضع لقواعد دولية دقيقة تحكم تصميم الوثائق الرسمية، مثل سهولة التعرف عليها وترميزها وتقنياتها الأمنية”.
واستشهد عجاج بحالات دولية مماثلة، مثل لبنان، الذي منح بريطانيا حق طباعة جوازاته لقاء اتفاقيات مالية، ما يعكس شيوع هذه الممارسة في إطار العلاقات الدولية. وأكد الخبير القانوني على أن مثل هذه الإجراءات “لا تُخل بسيادة الدولة إذا تمت بشكل مدروس ومخطط له”.
وفيما يتعلق باللاجئين، أوضح عجاج أن التعامل معهم يخضع لاتفاقية اللاجئين الموقعة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تمنح الدول المضيفة وثائق سفر معترف بها دولياً للاجئين الذين لا يحملون جنسية. وأضاف أن قوانين العديد من الدول تمنح اللاجئين، بعد سنوات من الإقامة، حق الإقامة الدائمة والتجنس بما يضمن لهم حقوقاً متساوية.
اقرأ أيضاً: من ضمنها نزع السلاح.. الشرع وفيدان يتباحثان في مستقبل سوريا – 963+
دعوة للتروي في القرارات السيادية
في السياق نفسه، أوضح رائق شعلان، اختصاصي القانون الدولي، ويقيم في دمشق، أن الإدارة السورية الجديدة التي انتصرت على النظام السابق “أصبحت اليوم السلطة العليا في الدولة، وتمتلك صلاحيات ممارسة السيادة داخلياً وخارجياً”.
وأشار شعلان في حديث لـ”963+”، إلى أن الإدارة الجديدة تتمتع بحرية التصرف في الشؤون الداخلية، مثل تشكيل الحكومة وإدارة المرافق العامة، وكذلك في إدارة علاقاتها الخارجية بما يحقق مصلحة سوريا وبما يتماشى مع القانون الدولي.
وحول تفويض تركيا بطباعة الوثائق الرسمية للسوريين، أشار شعلان إلى أن هذا الإجراء يندرج ضمن صلاحيات الإدارة الجديدة، لكنه شدد على ضرورة “التروي وعدم التسرع في اتخاذ مثل هذه القرارات الحساسة”.
وأكد على أهمية استكمال بناء المؤسسات الأساسية للدولة، خاصة المؤسسة التشريعية، لضمان استدامة هذه الإجراءات بما يحمي مصلحة سوريا في ظل الأطماع والصراعات الإقليمية والدولية.
وتشير الآراء المتعددة إلى أن طباعة الوثائق الرسمية بالخارج ليست ممارسة جديدة أو مخالفة للقوانين الدولية، لكنها تحتاج إلى تخطيط دقيق وإطار قانوني واضح يحفظ سيادة الدولة وأمن بيانات مواطنيها. وفي ظل التحولات السياسية التي تعيشها سورية ودول أخرى، تظل هذه القرارات رهينة التوازن بين الضرورة التقنية والسيادة الوطنية، مع التركيز على بناء القدرات المحلية لتحقيق الاستقلالية مستقبلاً.