تتزايد التعقيدات السياسية والعسكرية التي تحيط بالدور الروسي وعلاقاته مع الأطراف الفاعلة وخاصة في سوريا. ويبرز موقف روسيا الحالي كنهج ترقبي، حيث ترى أن السلطة القائمة في سوريا انتقالية وغير شرعية، وينبغي أن تسهم مستقبلاً في تمهيد الطريق لقيادة شرعية عبر آليات وطنية مثل المؤتمرات والانتخابات. وعلى الرغم من غياب أي تواصل ديبلوماسي مباشر مع الإدارة السياسية الجديدة في سوريا، فإن احتمالات التعاون تظل قائمة وفقاً للتطورات.
في المقابل، هناك تحذيرات روسية من محاولات استفزاز تستهدف مصالحها في سوريا وتعمل على توتير العلاقة مع السلطة الجديدة، وسط مؤشرات تربط هذه المحاولات بالصراع الروسي-الأوكراني وسعي الغرب لتقويض النفوذ الروسي في مناطق مختلفة، بما في ذلك سوريا.
وفي السياق، قال ديميتري بريجع، الباحث ومدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، إن المعلومات التي وردت من أجهزة المخابرات الخارجية الروسية تفيد بأن هناك محاولات لاستفزاز الطرف الروسي على الأراضي السورية.
وأضاف بريجع، لموقع “963+”، أنه “وفق البيان الذي استندت إليه هذه الأجهزة، فإن الهدف من هذه المحاولات هو توتير العلاقات بين روسيا والحكومة السورية الجديدة وضرب المصالح الروسية في المنطقة”.
نهج ترقبي
أشار المحلل السياسي الروسي إلى أن هذه التحركات “تُفسر ضمن سياق الصراع الروسي الأوكراني، حيث يسعى الغرب لدعم أوكرانيا وإضعاف روسيا من خلال تحركات مشابهة في مناطق النزاع كسوريا”.
وتتبنى موسكو نهجاً ترقبياً تجاه الإدارة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، ووصف الباحث في الشؤون الروسية صدقي عثمان من مدينة كراسندار الروسية، في تصريحات لـ”963+”، تلك السلطة بـ”سلطة أمر واقع انتقالية”، مشيراً إلى ضرورة انتقال السلطة إلى قيادة شرعية من خلال مؤتمر وطني وانتخابات تشريعية مستقبلية.
وأضاف عثمان أن التصريحات المتبادلة بين قيادات العمليات العسكرية في سوريا، وروسيا حتى الآن “تحمل طابع الود، رغم غياب أي وفود ديبلوماسية روسية للقاء قيادة العمليات”، مرجحاً أن “يشهد المستقبل تعاوناً بين الطرفين”.
واعتبر الباحث في الشؤون الروسية، أن الموقف البراغماتي الروسي ليس جديداً، مستشهداً بتعامل روسيا مع حركة طالبان، التي حاربتها سابقاً في أفغانستان، ثم تعاملت معها كسلطة شرعية عندما تسلمت الحكم.
وأوضح عثمان أن “روسيا قد تتعاون مستقبلاً مع الجماعات السياسية الجديدة في سوريا إذا أظهرت حسن النية ونالت قبولاً داخلياً وخارجياً، خصوصاً مع إعادة صياغة الخطاب السياسي لهذه الجماعات بدعم تركي وقطري”، مؤكداً أن “الوضع لا يزال مفتوحاً في ظل غياب أي صدام مباشر مع روسيا على الأرض”.
روسيا بين ماضي سوريا وحاضرها
بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أصدرت روسيا سلسلة من التصريحات التي تعكس موقفها من التطورات الجديدة في سوريا.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن سقوط نظام الأسد لا يشكل هزيمة لروسيا، موضحاً أن موسكو حققت أهدافها في “منع انتشار الإرهاب”. كما أشار إلى تقديم اقتراحات للقيادة الجديدة في دمشق بشأن استخدام القاعدتين العسكريتين الروسيتين في حميميم وطرطوس لأغراض إنسانية.
وكان قد أفاد الكرملين بأن موسكو على تواصل مع المسؤولين الجدد في سوريا، مؤكداً أهمية ضمان أمن القواعد العسكرية والبعثات الديبلوماسية الروسية هناك.
كما أعلنت وزارة الخارجية الروسية إجلاء عدد من موظفيها الديبلوماسيين من سوريا، مؤكدة في الوقت نفسه سلامة موظفي السفارة الروسية في دمشق.
وأشار نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، إلى أن السوريين سيواجهون تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة، مؤكداً استعداد موسكو لدعم الشعب السوري في ظروف معينة، مع التركيز على ضمان سلامة المواطنين والجنود الروس في سوريا.
اقرأ أيضاً: الشرع: تنظيم انتخابات في سوريا قد يتطلب 4 سنوات – 963+
وقال القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، اليوم الأحد، “لا نريد أن تخرج روسيا بطريقة لا تليق بعلاقتها بسوريا”.
وجاء حديث الشرع خلال مقابلة مع قناة “العربية” السعودية، وأضاف أن “تنظيم انتخابات في سوريا قد يستغرق 4 سنوات، حيث أن أي انتخابات سليمة ستحتاج إلى القيام بإحصاء سكاني شامل”.
وأشار إلى أن “إعداد وكتابة دستور جديد في سوريا، قد يستغرق أيضاً نحو 3 سنوات”، موضحاً أن “شكل التعيينات الحالية كان من ضرورات المرحلة وليس إقصاءً لأحد، والمرحلة الحالية تمهيدية لحكومة مؤقتة بمدة أطول”.
وأشار، إلى أنهم “سيعلنون عن حل هيئة تحرير الشام في مؤتمر الحوار الوطني”، معتبراً أن سوريا تحتاج إلى نحو سنة ليلمس المواطن تغييرات خدمية جذرية، وأن تجربة إدلب لا تصلح لسوريا كاملة لكنها تشكل نواة”.