شهدت سوريا في الأيام الأخيرة تصعيداً ميدانياً وسياسياً مع إطلاق إدارة العمليات العسكرية حملة تمشيط واسعة في عدة مناطق لملاحقة فلول النظام السوري المخلوع، بالتوازي مع اشتباكات مع الفصائل الموالية لإيران. وذلك بعد مظاهرات غير مسبوقة في حمص ومدن ساحلية أخرى، مما أثار تساؤلات حول الدوافع والجهات وراء هذه التحركات. كما كانت تصريحات المسؤولين الإيرانيين، بما في ذلك تهديدات خامنئي، بمثابة وقود جديد للتوترات في المنطقة.
وأطلقت إدارة العمليات العسكرية في سوريا، اليوم السبت، حملة تمشيط واسعة في اللاذقية لملاحقة فلول النظام المخلوع، ما أسفر عن اشتباكات في قرية مسترخو بالريف الغربي. كما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على العشرات من العناصر الموالية للنظام في حلفايا بريف حماة الشمالي الغربي، بالتزامن مع إرسال تعزيزات إلى حمص وطرطوس وصافيتا، .
وفي وقت سابق، اعتقلت الأجهزة الأمنية أكثر من 80 ضابطاً وعنصراً من قوات النظام المخلوع في حمص، مصياف، وقدسيا بدمشق، بينهم فخري درويش، مدير مكتب قائد “لواء القدس” السابق، وخالد زبيدي، أحد الأذرع الاقتصادية لأسماء الأسد.
وكانت قد اندلعت مظاهرات في مدينة حمص ومدن ساحلية أخرى يوم الأربعاء الفائت، حيث طالب المتظاهرون بحقوقهم وعرّفوا أنفسهم كأفراد من الطائفة العلوية، وذلك عقب انتشار تسجيل مصور يُنتهك فيه مقام علوي في حلب. تبين لاحقاً أن التسجيل يعود إلى فترة سابقة، عندما هاجمت “هيئة تحرير الشام” حلب، وحدثت أعمال قتالية في المقام. ورغم التوضيحات التي نفت أن المقام يعود لشخصية دينية مهمة للعلويين، استمر الجدل، حيث اعتبره البعض محاولة لتهدئة الموقف بعد الهجوم الذي اعتبروه إهانة للطائفة العلوية.
دور إيران
في سياق التصعيد السياسي، خاطب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في 22 كانون الأول/ديسمبر السلطة الجديدة في دمشق، قائلاً: “لم تكن هناك قوة إسرائيلية ضدكم في سوريا، التقدم بضعة كيلومترات ليس انتصاراً، لم يكن هناك عائق أمامكم وهذا ليس انتصاراً. وبطبيعة الحال، فإن شباب سوريا الشجعان سيخرجونكم من هنا بالتأكيد”. كما أضاف خامنئي أن الشباب السوري يجب أن يقف بقوة ضد الفوضى التي أُحضرت إلى البلاد.
وعقب تصريحات خامنئي، أكد المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية أصغر جهانغير أن ما وصفه بـ “ظهور الشباب السوري الشريف” سيدفع المحتلين إلى مغادرة سوريا في القريب العاجل، في حين أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي حذر من أن من يظن أنهم قد حققوا انتصاراً في سوريا عليهم التمهل، مشيراً إلى أن التطورات المستقبلية كثيرة.
بعد تصريحات خامنئي، أصدرت مجموعة في حمص بياناً ادعت أنها تمثل العلويين، وقد تضمن البيان لغة استفزازية، إلا أن العديد من العلويين تبرؤوا منها.
في هذا السياق، أكد نوفل ضو، مدير المركز الجيوسياسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لموقع “963+” أن المشروع الإيراني في المنطقة “يواجه تحديات كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي. وأوضح ضو أن الدور الإيراني في المنطقة يتقاطع مع مصالح شعوب المنطقة التي تعاني من الهيمنة الإيرانية في دول مثل اليمن، العراق، سوريا، لبنان وبعض المناطق الفلسطينية”.
وقال ضو: “إيران كانت تسيطر على القرارات الاستراتيجية لهذه الدول باستخدام القوة العسكرية من خلال أذرعها مثل الميليشيات والأنظمة الحليفة، ولكن بعد تلقي ضربات قاسمة لتلك القوى، يبدو أن إيران قد غيرت من استراتيجيتها”.
وأشار ضو إلى أن الاستراتيجية الإيرانية في المرحلة الحالية تركز على محاولة زعزعة استقرار هذه الدول عبر سياسة “فرق تسد”. ولفت إلى أن إيران “تسعى الآن إلى إحياء مشروعها القديم المعروف بتحالف الأقليات، والذي يستهدف بث الفتنة بين الأكثرية السنية والأقليات الطائفية والعرقية مثل الشيعة، الدروز، والعلويين”.
وأضاف: “إيران تسعى من خلال هذا التحالف إلى تغطية احتلالها العسكري للعديد من الدول في المنطقة.”
ودعا ضو شعوب المنطقة إلى ضرورة “التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، من أجل بناء نظام عربي جديد قادر على مواجهة المشاريع الإيرانية والتركية والإسرائيلية”.
تصعيد طائفي ومخاوف من الفتنة
في هذا السياق، أدان القيادي في إدارة العمليات العسكرية مهران الضيا، تصرفات إيران في المنطقة، مشيراً في حديث لـ”963+” إلى أن “طهران منذ تدخلها في سوريا لا تتوقف عن تأجيج الطائفية بهدف تمرير مخططاتها”.
وأكد الضيا أن إيران، رغم خسارتها العسكرية في سوريا، “لا تزال تمارس هذه السياسات الممنهجة لزعزعة استقرار المنطقة”. ولفت إلى أن التصريحات الإيرانية، بما في ذلك تهديدات خامنئي ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، “تعكس نوايا إيران السلبية في المنطقة”، محذراً من أن طهران “تسعى إلى دفع سوريا نحو الفتنة الطائفية”.
بدوره أشار مدير المركز الجيوسياسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أن طهران تحاول إعادة إحياء “مشروع الأقليات” بعد فشلها في السيطرة العسكرية على المنطقة.
وأوضح أن “إثارة النعرات الطائفية لا تقتصر على سوريا فقط، بل تمتد إلى لبنان والعراق، وقد تتطور إلى محاولات لبناء ميليشيات جديدة على شكل خلايا أمنية أو استخباراتية تثير الفوضى والترهيب في المجتمعات المستهدفة”.
وقال ضو: “إيران تواصل محاولاتها لتوسيع نفوذها في المنطقة عبر تأجيج الفتنة الطائفية، وهي تسعى إلى بناء تحالفات مع الأقليات من أجل ضمان السيطرة على الدول التي تهيمن عليها”.
وأشار ضو إلى أن طهران لا تقتصر في محاولاتها على سوريا فقط، “بل تسعى أيضاً لبث الفتنة في لبنان والعراق، حيث من الممكن أن تطلق خلايا أمنية أو استخباراتية جديدة لزعزعة استقرار تلك الدول”.