وسط تطورات متسارعة تشهدها الساحة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وفي ظل المخاوف من تحول سوريا مجدداً إلى ساحة للاستقطابات الإقليمية والدولية وصراع النفوذ، رغم تأكيد جميع الأطراف على الحفاظ على استقلال البلاد ووحدتها، برزت تصريحات وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، بشأن ترسيم الحدود البحرية مع سوريا في البحر المتوسط.
أورال أوغلو، قال للصحفيين الأسبوع الماضي، إن “تركيا تعتزم بدء مفاوضات مع سوريا لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط”، مضيفاً أن “مثل هذه الصفقة ستسمح للبلدين بزيادة منطقة نفوذهما في استكشاف الطاقة، وأن أي اتفاق في المستقبل بهذا الخصوص سيكون متوافقاً مع القانون الدولي”.
وكانت سوريا ساحة لنفوذ روسي إيراني مشترك على مدى سنوات الأزمة، بعد تدخل الطرفين لدعم رئيس النظام المخلوع بشار الأسد، وإنشائهما قواعد عسكرية ومنشآت، قبل أن تنسحب إيران مع سقوط النظام، مقابل تدخل تركيا لدعم فصائل المعارضة المسلحة، وإنشائها العديد من القواعد والنقاط العسكرية في محافظتي إدلب وحلب شمالي البلاد.
مصلحة تركية خالصة واستغلال للظروف
الكاتب الصحافي السوري أحمد مظهر سعدو، المقيم في مدينة غازي عنتاب التركية، يقول في تصريحات لموقع “963+”، إن “تركيا تعمل وفق مبدأ المصلحة بين الدول، وبالتالي هي تستغل الظرف حالياً في سوريا في ظل وجود حكومة مؤقتة تحتاج بالتأكيد لمساعدة أنقرة التي ساعدتها سابقاً، وعليه فلن يكون التوافق بشأن ترسيم الحدود إلا وفق المصلحة التركية لأن الحكومة بدمشق ليست قوية حالياً”.
ويشاطر صلاح قيراطة أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المقيم بالعاصمة الإسبانية مدريد، أحمد سعدو، الرأي بشأن المصلحة التركية ويقول لـ”963+”، إن “تركيا ترى في الحكومة السورية الجديدة فرصة لتأسيس علاقة مختلفة مبنية على المصالح المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي، وقد يكون ترسيم الحدود جزءاً من هذه الدينامية الجديدة”.
ويضيف: “مع وجود حكومة جديدة، قد ترى تركيا أن سوريا في وضع تفاوضي ضعيف، ما قد يمكنها من فرض شروط تخدم مصالحها، وفي ظل التوترات القائمة مع دول مثل اليونان وقبرص، قد تسعى أنقرة لاتفاق لترسيم الحدود البحرية مع سوريا بما يعزز نفوذها، خاصةً إذا اعتبرت أن سوريا شريكاً جديداً داعماً لها”.
هل تمتلك الإدارة السورية الجديدة صلاحية عقد الاتفاقيات؟
ومن جانبه، يشير الكاتب السوري حسن النيفي المقيم في فرنسا، إلى أن “مسألة ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، تبدو إحدى الشواغل الأمنية بالنسبة لتركيا، ليس بدافع المخاوف الأمنية، بقدر ما هو رغبة في الخروج من حالة التداخل في الحدود، ليتاح للعلاقات التجارية أن تأخذ مسارها الذي تأمل فيه أنقرة”.
إلا أنه يقول أيضاً خلال تصريحات لموقع “963+”، إنه “لا يعتقد أن القيادة السورية الجديدة ستقدم على هكذا خطوة قبل استكمال المسائل أو الخطوات الأخرى اللازمة لحيازة السلطة كإقرار دستور وتشكيل حكومة منبثقة من إرادة جمعية عامة، والأهم من ذلك هو الاعتراف الأممي بها، حيث يبدو أن الفريق الحاكم بدمشق يسير بخطى متسارعة نحو ذلك وبطريقة مقبولة من المجتمع الدولي”.
ويؤكد حديث وسائل الإعلام التركية بشأن النفوذ التركي في سوريا ومسألة ترسيم الحدود، ما يذهب إليه أغلب المحللين من أن المسألة هي مصلحة تركية بالدرجة الأولى، حيث اعتبرت صحف تركية أنه “من المتوقع أن يغير هذا الاتفاق في حال توقيعه ميزان القوى في شرق البحر المتوسط لصالح أنقرة”، فيما قالت صحيفة “حرييت” في تقرير إن “سوريا تشهد عملية إعادة إعمار متسارعة في ظل النفوذ التركي المتزايد”.
ويلفت قيراطة، إلى أنه “إذا كانت الحكومة السورية الجديدة معترف بها دولياً، فإن لديها الصلاحية القانونية لترسيم الحدود البحرية مع تركيا، شريطة أن تحترم المعايير الدولية وقانون البحار، إلا أنها قد تواجه ضغوطاً داخلية وخارجية وقد لا تكون في موقف يسمح لها بالتفاوض بحرية، خاصةً أن الملف البحري يعتبر حساساً ويرتبط بمصالح إقليمية ودولية”.
رفض يوناني قاطع
ويرافق الإعلان التركي عن النية لترسيم الحدود، إعلان اليونان رفضها للخطوة بشكل قاطع، وقالت الخارجية اليونانية في بيان يوم الخميس الماضي، إن “أي اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا غير شرعي وغير ملزم قانونياً”، مشيرةً إلى أن “مثل هذا الاتفاق قد يقوض الحقوق السيادية لأثينا وجيرانها ويشكل سابقة خطيرة تهدد الاستقرار بالمنطقة، كما أن الحكومة الحالية في سوريا هي مؤقتة ولا تمتلك الصلاحية لتوقيع مثل هذه الاتفاقيات”.
السيناريو الليبي
بهاء محمود، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية من القاهرة، يرى خلال تصريحات لـ”963+”، أن “تركيا تحاول استغلال الوضع في سوريا على غرار ما حدث في ليبيا من أجل أخذ مكانة في البحر المتوسط، خاصةً أن سوريا لها حدود بحرية كبيرة، وتمتلك ثروات طاقة يمكن استغلالها، حيث أن أنقرة فشلت في استخراج الطاقة في ليبيا في ظل وجود شركات فرنسية وإيطالية”.
وبحسب قيراطة، فإن “الاتحاد الأوروبي قد ينظر بعين الريبة لأي تحركات تركية في شرق المتوسط، خاصةً إذا اعتبرت انتهاكاً للقوانين الدولية، كما أن أي اتفاق بين تركيا وسوريا قد يقلق اليونان وقبرص، لاسيما إذا أثر على المناطق الاقتصادية الخالصة التي تطالبان بها، إلى جانب أن إسرائيل تراقب ذلك بعناية، على اعتبار أنه يؤثر على مصالحها في التنقيب عن الغاز بالمتوسط”.
ويعتبر مظهر سعدو، أن “مسألة ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا، مرتبطة بشكل كبير مع المحيط الإقليمي، حيث سبق وأن اعترضت اليونان أكثر من مرة على مسألة ترسيم الحدود بين تركيا ودول أخرى في المتوسط، إلى جانب تأثير العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ودول بالمنطقة على هذه المسألة، فيما يرى النيفي، أن “تركيا تريد الإعداد الفني والتقني لترسيم الحدود، ريثما تكون الظروف الدولية تسمح للحكومة السورية بالتوقيع على الاتفاق”.
فيما يشدد قيراطة على أن “مستقبل المنطقة سيبقى رهناً بمدى التعاون أو التصعيد بين الدول بشأن استكشاف النفط والغاز وترسيم الحدود، وقد تلعب القوى الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا، دوراً في التأثير على أي اتفاق بين سوريا وتركيا لضمان مصالحها الإقليمية، إلى جانب أنه إذا كانت الحكومة السورية الجديدة تسعى لعلاقة متوازنة مع جميع الأطراف، فإنها قد ترفض الشروط التركية التي تؤثر على حقوقها السيادية”.
ويلفت محمود، إلى أن “هناك مقومات لهذا الموضوع حيث أنه لا يوجد منافس لتركيا في سوريا، كما أن هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى كانت سابقاً تتعاون مع تركيا وتبيع لها النفط، لذلك سيكون من السهل عليهم التعاون مع أنقرة في هذا الجانب”، مشيراً إلى أنه “من المفترض ألا تمتلك الحكومة الحالية في سوريا التفويض لعقد مثل هذا الاتفاق على اعتبار أنها حكومة مؤقتة، إلا في حال حصولها على الاعتراف الأممي والدولي”.
مخطط لإنشاء قواعد عسكرية
وبموازاة الإعلان التركي عن نية لترسيم الحدود البحرية مع سوريا، تحدثت صحيفة “يني شفق” التركية عن خطط للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإنشاء قواعد عسكرية في دمشق وحمص، إلى جانب القواعد البحرية في طرطوس واللاذقية، ما عزز المخاوف لدى بعض السوريين ودول إقليمية من تفرد تركي بالنفوذ في الأراضي السورية.
يشار، إلى أنه في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2019، أعلنت أنقرة توقيع اتفاق مع حكومة “الوفاق” الليبية برئاسة عبد الحميد السراج، لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، في خطوة لاقت رفضاً من قبل العديد من الدول بينها مصر واليونان، على اعتبار أن “الجانب التركي لا يمتلك حدود بحرية مباشرة مع ليبيا، وأن الخطوة تهدف لتوسيع النفوذ في شمال القارة الإفريقية وتتعارض مع القوانين الدولية بشأن الحدود وأعالي البحار”.