في ظل الأحداث السياسية والعسكرية المتسارعة في سوريا، ظهرت تقارير تشير إلى محاولات من قبل تركيا للتنسيق مع إسرائيل بشأن الوضع في سوريا، بما في ذلك مساعي تركيا لتجنب التصادمات المباشرة مع الجيش الإسرائيلي. وترافق هذه التقارير مع تحركات ميدانية في سوريا، حيث تسعى تركيا لإنشاء قاعدتين عسكريتين مزودتين بأنظمة دفاع جوي متقدمة في منطقة ريف حمص، لتعزيز نفوذها العسكري في البلاد.
وأمس الجمعة، نقلت القناة 12 الإسرائيلية، تقارير عن مسؤولين أتراك بعثوا برسائل إلى تل أبيب تطلب فيها تركيا إنشاء آلية تنسيق مع الجيش الإسرائيلي في سوريا، مشابهة لتلك القائمة بين إسرائيل وروسيا. هذه الخطوة تأتي في وقت حساس للغاية بالنسبة لسوريا، حيث تشهد المنطقة تصعيداً عسكرياً مستمراً بين مختلف الأطراف.
محاولة لتجنب التصادم المباشر
قال الكاتب المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وتركيا، فراس رضوان أوغلو، إن “النفوذ التركي في الداخل السوري يتزايد بشكل ملحوظ، مما قد يؤدي إلى تضارب المصالح مع الطموحات الإسرائيلية في المنطقة”.
أوغلو أضاف لموقع “963+” أن “دمشق ترفض بشكل قاطع أي تواجد إسرائيلي على أراضيها”، بينما تسعى إسرائيل إلى تعزيز وجودها في المناطق منزوعة السلاح داخل سوريا.
وأشار إلى أن التنسيق بين تركيا وإسرائيل سيكون ضرورياً لتجنب أي تصادم مباشر بين الطرفين، خاصة فيما يتعلق بالمسائل الأمنية والإستراتيجية.
وأضاف أوغلو أن “مسألة الطيران ستكون حاسمة، حيث يجب على إسرائيل أن تمتنع عن التدخل في الأجواء السورية”، مؤكداً أن التنسيق يجب أن يتم وفق قواعد دولية تحترم سيادة الدولة السورية.
وأوضح أن “أي تعاون بين إسرائيل وتركيا سيكون مدعوماً من قبل قوى دولية وفقاً لمصالح الأطراف، ولكن على تركيا أن تحافظ على عدم وجود أي تواجد إسرائيلي دائم داخل الأراضي السورية”.
من جانبه، أكد الكاتب والسياسي أحمد فيصل خطاب، أن التنسيق المحتمل بين تركيا وإسرائيل في المسألة السورية “لا يزال غير واضح، ولم يتضح بعد ما إذا كان هذا التنسيق سيكون فعلياً أو مجرد مشاورات لتجنب التصعيد”.
وفي تصريحات لـ”963+” قال خطاب: “إن تركيا عضو في حلف الناتو، ولهذا هي مهتمة بتجنب التصعيد مع إسرائيل في سوريا”. وأكد خطاب أن “تركيا تتجنب التصادم مع إسرائيل بسبب العواقب الجيوسياسية المحتملة”، مشيراً إلى أن أي اتفاق للتنسيق بين الجانبين قد يمثل “انقلاباً جيوستراتيجياً” في المنطقة، حيث سيغير التوازنات الإقليمية بشكل كبير.
موقف متضارب
جاءت تلك التطورات بعد تصريحات لمحافظ دمشق الجديد ماهر مروان، الذي تم تعينه من قبل قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، التي تقود المرحلة الانتقالية في سوريا، في مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة الأميركية (NPR)، حيث أشار إلى أن إسرائيل قد تكون شعرت في الفترة الأخيرة بالخوف نتيجة لتحركات بعض الفصائل في المنطقة. وأضاف: “إسرائيل قد تكون تقدمت قليلاً في المنطقة العازلة وقصفت قليلاً”، معتبراً أن هذه المخاوف كانت “طبيعية”.
وأكد مروان أن الحكومة السورية الجديدة “لا تخاف تجاه إسرائيل” وأن “مشكلتنا ليست مع إسرائيل”، موضحاً: “لا نريد أن نعبث بما يهدد أمن إسرائيل أو أمن أي دولة”. ودعا مروان الولايات المتحدة إلى المساعدة في تحسين العلاقات بين سوريا وإسرائيل، مشيراً إلى أن “هناك أناس يريدون التعايش ويريدون السلام، ولا يريدون النزاعات”.
وفي ختام حديثه، قال: “لا نستطيع أن نكون نداً لإسرائيل ولا نستطيع أن نكون نداً لأحد”.
وعاد محافظ دمشق لتوضيح تصريحاته المثيرة للجدل حول العلاقة بين سوريا وإسرائيل، موضحاً في مقطع فيديو أنه لم يتطرق أبداً إلى السلام مع إسرائيل، وأن هذا ليس من صلاحياته بل من اختصاص وزارة الخارجية والقيادة السورية.
وأكد أن تصريحاته كانت تركز على “التعايش السلمي المحلي” وحاجة الشعب السوري لسلام داخلي بعيداً عن الحروب الخارجية، مشيراً إلى أنه قد يكون التعبير الذي استخدمه “ناقصاً”.
معارضة التخطيط التركي لإنشاء قواعد عسكرية في سوريا
بالانتقال إلى التطورات العسكرية التركية في سوريا، أفادت التقارير بأن تركيا تخطط لإنشاء قاعدتين عسكريتين كبيرتين بالقرب من مدينة حمص في ريف سوريا. هذه القواعد ستكون مجهزة بأنظمة دفاع جوي متقدمة تهدف إلى حماية القوات التركية في المنطقة من الهجمات الجوية، بما في ذلك الهجمات الإسرائيلية المحتملة.
وفي هذا السياق، صرح خطاب الذي يقيم في باريس، معبراً عن معارضته القوية لهذه الخطط قائلاً: “تخطيط تركيا لإنشاء قواعد عسكرية في سوريا مرفوض بشكل كامل، ولن يكون لتركيا أو غيرها الحق في إنشاء مثل هذه القواعد إلا إذا كان ذلك نتيجة لتعاون عسكري رسمي بين دمشق وأنقرة”.
وأضاف خطاب أن “أي انتشار عسكري تركي في سوريا يجب أن يكون بناءً على اتفاق مع الحكومة السورية، وليس فرضاً من طرف واحد”.
وأوضح خطاب أن “على أوروبا إعادة تقييم علاقتها مع تركيا”، مشيراً إلى أن تركيا تلعب دوراً محورياً في الملف السوري بسبب موقعها الجغرافي وأهدافها الإستراتيجية في المنطقة.
وقال خطاب: “التعامل مع تركيا يجب أن يكون على أساس الاحترام المتبادل، حيث تسعى تركيا لأن تصبح جزءاً أساسياً من المعادلة الإقليمية، وهذا يتطلب من أوروبا تعديل سياستها تجاه أنقرة”.
بناء الجيش السوري الجديد
كانت قد أعلنت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للحكومة السورية الجديدة، بما في ذلك المساعدة في إنشاء جيش سوري موحد. وصرح وزير الدفاع التركي، يشار غولر، بأن أنقرة مستعدة لتقديم الدعم اللازم إذا طلبت الإدارة السورية الجديدة ذلك.
وأكد الباحث والأكاديمي السوري عرابي عرابي، أنه “لا يمكن اعتبار الدعم التركي لبناء الجيش السوري احتلالاً أو مقدمة له”، حيث أشار إلى أن “تركيا تمتلك القدرة والإرادة لتحقيق الاستقرار في سوريا، وهو ما يميزها عن الدول المجاورة الأخرى”.
وقال عرابي لـ”963+”: “العراق خاضع للنفوذ الإيراني، والأردن يفتقر للقدرة، بينما لبنان في وضع معقد ولا يمكنه أن تلعب دوراً مؤثراً في الوضع السوري”.
وشدد عرابي أن تركيا “هي الدولة الوحيدة التي يمكنها تقديم الدعم العسكري الضروري لسوريا لضمان استقرارها”، مشيراً إلى أن “هذا التعاون يجب أن يكون قائماً على شراكة استراتيجية وليست تحت ضغط أو إملاءات من جانب تركيا”.
وأوضح أن “احتياجات الجيش السوري سيحددها بالأساس هيئة الأركان ووزارة الدفاع السورية”، مشدداً على أن “بناء الجيش السوري الموحد يجب أن يتم وفقًا لمتطلبات المصلحة الوطنية وليس لخدمة نفوذ دولة معينة”.
وأشار عرابي إلى أن “اندماج المقاتلين في الجيش السوري الجديد يجب أن يتم بناءً على التخصصات العسكرية المعترف بها، مع التأكيد على أن الهدف الأساسي هو الحفاظ على استقرار سوريا، وليس أن يصبح الجيش تابعاً لأي طرف خارجي”.