يواجه تأسيس مقومات السلطة الجديدة في سوريا جملة من التحديات تتعلق بأوضاع الداخل، وتعدد مكونات المجتمع، وارتباط المسألتين بتناقضات الوضعين الإقليمي والدولي، الأمر الذي يتبدّى مع تقاطر الوفود الرسمية إلى دمشق للقاء قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، ما يشي بمباحثات حول دوائر النفوذ والتأثير في شكل المرحلة الانتقالية.
ربما يكون يسيراً على الجميع الحديث عن مقاربات نظرية، وسرد اللازم والضروري للوصول إلى الحد الآمن للمرحلة الانتقالية، وكبح تأثير الفاعلين الإقليميين وخططهم. بيد أن المنطق السياسي يدفع بتوجهات أكثر واقعية حول العديد من المسائل التي ستواجه المرحلة الانتقالية وتعقيداتها، خصوصاً فيما يتصل بعزل الفاعلين عن محددات استقلالية القرار السياسي وخصوصية المجتمع السوري.
وقد يبدو من طبيعة العمل السياسي التحرك مع السلطات الجديدة، وفحص توجهاتها، والتعرف إلى ماهيتها ورؤيتها المستقبلية. غير أن الأمر يشي ايضاً بحتمية الحفاظ على قرار الدولة، وسيادة توجهاتها، وضمان الحفاظ على أمنها القومي بكل أبعاده.
إقرأ أيضاً: اتفاق بين الشرع وقادة الفصائل السورية على حلها
المطلوب صيغة توافقية
يقول جو معكرون، الباحث فى مركز ويلسون الأميركي، إن الإدارة السورية الجديدة، تقف أمام تحدي إعادة تكوين السلطة في ظل تعقيدات داخلية وتدخلات خارجية. ويقول معكرون لـ”963+”: “أقوال القيادة الجديدة وأفعالها مقبولة، لكن ثمة ميل إلى التفرد في اتخاذ القرارات، وغياب لخريطة طريق واضحة للمرحلة الانتقالية”.
وبحسبه، الانتباه واجب، فالقوى الخارجية تعيد تقييم حساباتها لتعزيز مصالحها في سوريا، و”هناك ضغوط خارجية على القيادة الجديدة تشجع على الاقتتال الداخلي بدلاً من ترسيخ صيغة توفيقية لأرضية مشتركة، وهذا الحراك في بداياته، ويحتاج إلى المزيد من الوقت للتبلور كي نحكم عليه”، كما يقول، مضيفاً: “يبدو أن محاربة ’قوات سوريا الديموقراطية‘ (قسد) أولوية تركية، وربما ينعكس هذا توتراً في الداخل السوري، ما يعني أن القيادة الجديدة تقف أمام تحدي إدارة التوازنات الدقيقة في الداخل السوري، بطريقة تحافظ على الاستقرار الداخلي”.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال إن “وزير الخارجية هاكان فيدان، زار دمشق مؤخراً، ومن الآن فصاعداً سنزيد الزيارات إلى سوريا”، مضيفاً أن رسائل الإدارة السورية الجديدة مطمئنة وتبعث على التفاؤل، واعداً بتقديم الدعم اللازم للشعب السوري “الذي انتصر في حربه ضد النظام الظالم لجعل هذا النصر والنجاح دائمين”، كما قال.
يشار إلى أن زيارة فيدان جاءت بعد زيارة سابقة لرئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن لدمشق في 12 كانون الأول/ديسمبر الجاري.
ويتابع معكرون: “أما أولوية واشنطن فستتجلى مع استلام دونالد ترامب سدّة الحكم في 26 كانون الثاني/يناير المقبل. لكن يجب أيضاً انتظار تبلور دينامية العلاقة بين ترامب وأردوغان، إذ أرى أن الإدارة الجديدة في واشنطن تضع الاستقرار وتفادي المواجهات والحفاظ على مصالحها قدر الإمكان في رأس أولوياتها”.
لكن، هل يمكننا أن نشهد مباحثات بين “قسد” والشرع؟ يجيب معكرون: “هذا أمر حتمي لإطلاق مسارات الحوار الداخلية بين المكونات السورية كلها”.
إقرأ أيضاً: ما الذي أعاد وليد جنبلاط إلى دمشق؟
أنقرة تحت المجهر
إن إجراء مثل هذه المباحثات يستدعي تأليف حكومة توافقية، يرى مهدي عفيفي، عضو الحزب الديمووقراطي الأميركي، أن تركيا “لن تقف عائقاً أمام تأليفها في المدى المنظور، فأنقرة تدرك الآن أنها تحت المجهر، والعالم كله يتابع حركتها السياسية في داخل سوريا، وتبلور علاقتها بالسلطة الجديدة”.
وفي حديثه لـ”963+”، يتوقع عفيفي أن تجري المباحثات بين “قسد” والسلطة القائمة اليوم في دمشق برعاية واشنطن، “علماً أن دعم واشنطن لـ’قسد‘ مستمر في عهد ترامب، كما كانت في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، بفضل العلاقات الجيدة بين الأكراد والغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، لهذا يمكنني أن أؤكد أن ثمة تسويات يمكن أن تحدث بين ’قسد‘ ودمشق”.
ويحدد عفيفي أهم التحديات في سوريا حالياً: “إمساك العصا من وسطها، أي حفظ التوازن بين القوى المختلفة في سوريا، وتأليف حكومة تمثل الشعب السوري بمختلف طوائفه ومكوناته، خصوصاً بعد سنوات طويلة من الخلافات الدموية، وتستطيع التأثير في الشارع السوري بشكل فعلي، كي تمنع أي تدخل خارجي سافر في شؤون سوريا الداخلية”.
إقرا أيضاً: ماذا وراء زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لدمشق؟
التحديات الوطنية كبيرة
في هذا السياق، يقول طارق الكردي، عضو هيئة التفاوض السورية، “إن 54 عاماً من حكم عائلي بنظام ديكتاتوري توتاليتاري أمني طائفي تحتاج إلى مسيرة تغيير ومسار تطوير في الدولة السورية، لما أحدثه هذا النظام من خراب داخل بنية الدولة عموماً وما ألحقه بالمجتمع، خصوصاً في السنوات الأخيرة”.
ويضيف الكردي لـ”963+”: “إن النتيجة التي وصلنا إليها اليوم هي حصيلة نضال تيارات وأحزاب وحركات وشخصيات عارضت النظام، وتعرضت لانتهاكات عديدة من آل الأسد، والآن، أبرز التحديات التي توجهها السلطة القائمة وحكومة تصريف الأعمال هو العمل على استتباب الأمن، والمحافظة على عمل المؤسسات، واستمرار خدمات الدولة، وهذا أمر مهم؛ والأمر الآخر هو مواجهة الفوضى المقصودة التي قد تنتج من فراغ افتعله الرئيس المخلوع بشار الأسد بهروبه من سوريا، ما أدى إلى رمي القوات الأمنية والعسكرية سلاحها، ومغادرت عناصرها مواقعها وثكناتها إلى مناطقها وقراها”، ملاحظاً أن ذلك لا يقارن بصعوبة التحديات السياسية والوطنية الكبرى، على حد وصفه.
اقرأ أيضاً: رغم مخاطر التهديدات التركية.. الأكراد بين مخاوف الإقصاء والإنصاف الحقيقي
القرار الأممي خريطة طريق
يلفت الكردي إلى أن التحدي السياسي يتمثل فيما بعد المهلة التي حددتها إدارة العمليات بثلاثة أشهر، “بمعنى أننا نريد الوصول إلى سوريا الدولة التي طمحنا جميعاً للوصول إليها، سوريا الدولة المدنية الديموقراطية المتعددة التي تقبل الجميع، سوريا المتنوعة قومياً وطائفياً ومذهبياً ودينياً”، داعياً السلطة القائمة إلى أن تعي ذلك جيداً، وأن تعمل عليه، وأن تراعي التنوع الموجود.
يرى الكردي أن ذلك كله ينبغي أن يحدث من خلال خريطة طريق تصل بسوريا إلى بر الأمان في المرحلة الانتقالية، ويقول: “يمكن أن يكون القرار الأممي 2254 هو خريطة الطريق هذه، إذ نعتقد أن هذا القرار يمكن البناء عليه ليكون جسراً نحو الحوار الوطني، فهو ينص على تشكيل جسم انتقالي يؤمن بيئة آمنة ومحايدة، يتم بعدها صوغ دستور جديد للبلاد وإقراره، ثم إجراء انتخابات عامة وفقا لبنود هذا الدستور”.
ويضيف الكردي: “نعتقد في هيئة التفاوض أن خارطة الطريق هذه تصلح أن تكون ورقة البداية، تُعرض على مؤتمر الحوار الوطني الذي يجب أن تعقده الحكومة الانتقالية، على أن يشمل جميع القوى السياسية في المجتمع السوري، وممثلي المجتمعات المدنية والطوائف الدينية والقيادات العسكرية.
ويؤكد الكردي ن سوريا ممتنة للمساندة التي تتلقاها اليوم من الدول العربية، “وتأمل مساندة العواصم الفاعلة، خصوصاً الرياض والقاهرة، في مسيرها نحو تأسيس دولة ديموقراطية تثمن التنوع وتعمل على إدارته بشكل فاعل”.