أثارت تصريحات أطلقها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أمس الثلاثاء، بشأن سوريا فهمت على أنها تهديدات مبطنة، قال فيها إن “من يعتقدون بتحقيق نصر في سوريا عليهم التمهل، فالتطورات المستقبلية كثيرة” زوبعة من التأويلات، قابلها رد من وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة أسعد الشيباني، حذر فيه طهران من بث الفوضى في سوريا واحترام إرادة الشعب السوري، ما أعاد الحديث عن دور إيران في المنطقة وماهي الأوراق التي تمتلكها بعد ما يمكن وصفه بالضربات “الموجعة” التي تلقتها مؤخراً.
“خامنئي يحرّض”
سبق تصريحات عراقجي، عدة منشورات للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على منصة “إكس”، فهمت على أنها تحرّض على رفض الواقع الجديد في سوريا، والوقوف ضد السلطات الجديدة، قال فيها: “ليس لدى الشباب السوري ما يخسره، جامعته ومدرسته ومنزله وحياته كلها غير آمنة، لذلك يجب عيه أن يقف بإرادة قوية أمام أولئك الذين خططوا ونفذوا لهذه الحالة من انعدام الأمن، وسيتغلب عليهم إن شاء الله”.
المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي كان قد قال الإثنين الماضي خلال مؤتمر صحفي، إنه “لا يوجد أي اتصال مباشر بين طهران والإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع”: وأضاف: “لكل طرف مرتبط بتطورات المنطقة وسوريا، روايته الخاصة للأحداث، لكن ليس من الضروري أن نقبل كل هذه الروايات”، مشيراً إلى أنه “لم يعد هناك أي مواطن إيراني في سوريا بعد التطورات الأخيرة، وأن طهران توصي مواطنيها بعدم الذهاب إلى هناك”.
اقرأ أيضاً: ماذا وراء زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لدمشق؟
ووسط السجال والتصريحات المتبادلة، يسود الغموض والضبابية بشأن مستقبل العلاقات بين سوريا وإيران، التي كانت من أبرز الداعمين لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وكانت تمتلك العديد من القواعد العسكرية بالبلاد، وتنشر آلاف العناصر من “الحرس الثوري” وفصائل موالية لها، وتتهما أطراف معارضة بالمسؤولية عن مقتل آلاف السوريين.
ضربة لمشروع إيران
يعتبر مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الاستراتيجية حسن راضي المقيم في لندن، أن “التصريحات الإيرانية بمثابة صراخ على قدر الألم الذي تلقته إيران من خسارة سوريا، لأن ذلك يعتبر خسارة لمشروعها التوسعي بالمنطقة، وضربة كبيرة بالعمق لمشروعها، لأنها كانت تعوّل كثيراً على وجودها في سوريا نظراً لموقع الأخيرة الاستراتيجي على البحر المتوسط وكذلك هي جارة للدول التي تهم طهران”.
يقول راضي في تصريحات لموقع “963+”: “على مدى 44 عاماً كانت إيران تنفق المليارات وتبني ميليشيات، وكل ذلك ذهب بضربة قاصمة عبر انتصار الثورة السورية”، مشيراً إلى أن “طهران لم تعد تملك أي أوراق في سوريا، لكنها تحاول العمل على إثارة فتن للوصول إلى أهداف معينة من خلال ورقتين أولهما العمل على استغلال الورقة الكردية في إيران عبر إعلانها قبل أيام عن تأسيس “حزب الله” الكردي، وربما تستخدمه في سوريا، أما الورقة الثانية فهي محاولتها النفاد عبر الطائفة العلوية واللعب على ورقة حقوق الأقليات”.
اقرأ أيضاً: من سيحكمها؟.. سوريا بين الوصاية الدولية والتدخل الإقليمي
ويخالف المحلل السياسي عمران زهوي من بيروت، رؤية راضي بشأن سياسة إيران تجاه سوريا مستقبلاً، ويقول في تصريحات لـ”963+”، إن “التواجد الإيراني كان بطلب من الحكومة السورية، أما اليوم فلم يعد النظام موجوداً، لذلك من غير المتوقع أن يكون لطهران أية أطماع هناك، رغم المخاطر التي تهدد وحدة سوريا في ظل توغل إسرائيل من جهة وتركيا من جهة أخرى داخل الأراضي السورية”.
خسارة إيرانية كبيرة وفقدان للنفوذ
لكن العميد حسن جوني، الأستاذ في كلية العلوم السياسية في بيروت، يوضح أن “السياسة الخارجية الإيرانية تعتمد على المناورة الزمنية إن لم نقل المماطلة في استهلاك الوقت لكن دون الوصول إلى نقطة التفجير، حيث أنها تتراجع عندما تصل الأمور إلى مرحلة الانفجار”، مشيراً إلى أن “طهران اعتمدت المرونة تجاه سوريا بعد أن تيقنت أن التغيير قادم، وهو ناتج عن توافقات إقليمية ودولية وخاصةً من قبل روسيا، رغم أن الموقف يعكس خسارة إيرانية “جيوبوليتيكية””.
ويلفت خلال تصريحات لـ”963+”، إلى أن “إيران لم تحاول القتال في سوريا لإعاقة التغيير لأنها أدركت أنه لا جدوى من هذه الإعاقة فتعاملت بمرونة، إلا أن الأجواء توحي أن السلطة الجديدة لن تكون صديقة لإيران رغم أنها قد لا تكون معادية لها، وهذا سيؤدي إلى تغيير بالسياسة الإيرانية وسينعكس على نفوذ طهران بالمنطقة”.
وكان قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع، قد قال خلال استقباله الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” في لبنان وليد جنبلاط قبل أيام، إن “العملية العسكرية التي أطلقتها الإدارة وأسقطت خلالها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وسيطرت على دمشق، أسقطت معها أيضاً مشروع إيراني كان يهدد المنطقة برمتها ويهدف إلى تقسيم سوريا”.
اقرأ أيضاً: ما بعد الأسد.. بين نهاية الولاءات والتبعية الإقليمية وسبل البناء السياسي
وبحسب راضي، فإن “إيران ستحاول تناسي ما حصل وطي صفحة الماضي وهو ما بدا واضحاً من خلال تصريحات خارجيتها مؤخراً بشأن التفاوض على إعادة فتح السفارات والتواصل، وعليه فإنها تسعى للحصول على حصة في سوريا من خلال فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة”، وقال: “إن من يعمل بالسفارات الإيرانية في العالم هم الحرس الثوري وخلايا أمنية”.
ومن بين الملفات العالقة التي تعتبر من تركات النظام السوري السابق، ملف الديون الإيرانية على سوريا، والتي طالب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي منتصف الشهر الجاري، السلطات الجديدة بسدادها، وقال خلال مؤتمر صحفي، إن “الديون الإيرانية التي كانت مترتبة على نظام الأسد، سيتحملها النظام السياسي الجديد، وفقًا لاتفاقيات ومعاهدات تستند إلى مبدأ “خلافة الدول” وهو مبدأ معتمد في القانون الدولي”.
لكن مصدر مقرب من إدارة العمليات العسكرية في سوريا، قال لموقع “المدن” اللبناني، إن “الإدارة الجديدة تعمل على إعداد مذكرة ستقدمها للمحاكم الدولية، تتضمن مطالبة إيران بدفع 300 مليار دولار كتعويضات للشعب السوري والدولية السورية، عما سببته سياساتها من ضرر للسوريين والبنية التحتية”، نافياً “وجود أي محادثات بشأن إعادة فتح سفارتي البلدين في دمشق وطهران”.
وبحسب جوني، فإننا “أمام تغيرات أساسية في موازين القوى الإقليمية بالمنطقة وخاصةً الدور الإيراني، وعليه فإن الأمور بانتظار الأشهر القليلة المقبلة وتسلم دونالد ترامب السلطة في الولايات المتحدة، وماذا سيحصل بين واشنطن وتل أبيب من جهة وطهران من جهة أخرى، وكيفية حدوث مقاربات بشأن العديد من الملفات بينها النووي الإيراني”، لافتاً إلى أن “روسيا والصين لن تقبلا بإزاحة إيران كلياً، لأن لذلك تأثير على توازن النظام الدولي”.