لم يكن سقوط النظام السوري حدثاً سياسياً عابراً، بل مثَّل تحولاً استراتيجياً عميقاً ألقى بظلاله على مستقبل البلاد. يجد السوريون أنفسهم اليوم أمام مرحلة جديدة تختلف جذرياً عن مراحل الصراع السابقة، ما يثير مخاوف وتحديات كبيرة، خصوصاً بين الأقليات والمكونات السورية.
وفي شمال شرقي سوريا، يترقب الكرد التطورات الراهنة بحذر، خاصة في ظل التهديدات التركية المستمرة. بعد السيطرة على مدينتي تل رفعت ومنبج، تسعى تركيا حالياً للسيطرة على كوباني، مما يشكل خرقاً لاتفاقية الهدنة الموقعة مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد) بوساطة أميركية. وتبقى الأنظار موجهة نحو السياسات التي ستتبناها الحكومة السورية الجديدة تجاه هذه المناطق.
بين التهديدات العسكرية ومخاوف الإقصاء
يتفق العديد من المراقبين على أن المرحلة القادمة ستشهد تغيراً في ديناميكيات التعامل مع الأقليات مقارنة بنظام الأسد المخلوع. ورغم الحديث عن انفتاح نحو مشاركة الأقليات، إلا أن طبيعة هذه المشاركة وحجمها ما زالا غامضين.
الباحث الكردي جان صالح ويقيم في واشنطن، يرى في حديث لموقع “963+” أن “الإدارة السورية الجديدة، قد تقبل بإشراك الكرد، لكن دون تحديد واضح لشكل المشاركة، وسط غموض حول طبيعة الحكومة المقبلة، سواء كانت فيدرالية أم مركزية برلمانية تعتمد على حقوق المواطنة”. ومع ذلك، تبقى المخاطر قائمة، خاصة في ظل التهديدات التركية التي تستهدف الكرد بشكل مباشر.
يشير الكاتب اللبناني حنا صالح لـ”963+” إلى أن “خطر المواجهة بين تركيا وقسد ما زال قائماً”. في هذا السياق، قدمت “قسد” مقترحاً لإقامة منطقة عازلة، ما أربك تركيا وأظهر مرونة “قسد” في المفاوضات. إلا أن هذا لم يبدد المخاوف من تقاطع الأجندات التركية مع سياسات الحكومة السورية الجديدة، بحسب صالح.
وتعاني المعارضة السورية من مركزية مطلقة في تعاملها مع القضية الكردية، ما يعكس تأثير الهيمنة التركية على القرار السياسي السوري. ويشير الباحث جان صالح إلى أن “المعارضة تتبنى نفس الخطاب العدائي الذي مارسته الأحزاب القومية المتطرفة مثل حزب البعث، رافضة الاعتراف بالخصوصية الكردية كشعب ومكون سوري”.
هوية الحكومة الجديدة وتعاملها مع الأقليات
تتبنى الإدارة السورية الجديدة هوية إسلامية سياسية تختلف عن نظام الأسد، ما قد يفتح المجال لإدارة التنوع السوري بطريقة أكثر شمولية.
ويرى الخبير في الشؤون الإسلامية جلال سلمي، في حديث لـ”963+” أن “المؤشرات الحالية تشير إلى صعود تيار معتدل ضمن هيئة تحرير الشام، مدعوماً بدور محوري من فرنسا وتركيا. لكن هذا السيناريو يواجه تحديات جدية، أبرزها ضمان مشاركة فعلية للكرد وباقي الأقليات”.
تطرح المرحلة الراهنة أسئلة كثيرة حول شكل الحكم في سوريا ومستقبل دستورها. يرى جلال سلمي، أن “النظام الفيدرالي قد يكون الشكل الأنسب لضمان حقوق الكرد وباقي المكونات”، في حين يعتقد حنا صالح أن “الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن مقاربة سياسية نهائية”.
القرار 2254 يبقى المرجعية الأساسية للحل، حيث يشمل صياغة دستور جديد ومرحلة انتقالية تفضي إلى انتخابات تعكس التعددية السورية. ومع ذلك، تبقى الفرصة سانحة أمام الكرد لتثبيت حقوقهم داخل الإدارة السورية الجديدة، شريطة توحيد صفوفهم وتجنب التدخلات الخارجية، خصوصاً من تركيا التي تسعى لتعزيز نفوذها في سوريا، بحسب ما يشير عمرو عبد المنعم الباحث والخبير في حركات الإسلام السياسي في حديث لـ”963+”.
ويرى محللون أن مستقبل سوريا ما بعد سقوط النظام “يتطلب معالجة جذرية لقضايا الأقليات، وعلى رأسها القضية الكردية”. ويشيرون إلى أن “تحقيق التشاركية والديموقراطية هو السبيل الوحيد لبناء دولة تضمن حقوق جميع مكوناتها. وفي ظل التحديات الراهنة، يبقى التوافق السوري الداخلي هو المفتاح لمستقبل مستقر وعادل”.