خاص – هديل الحسين/بيروت
في زيارة هي الأولى منذ عام 2010، وصل وليد جنبلاط، الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، إلى قصر الشعب بدمشق، على رأس وفد حزبي وشعبي ضم مسؤولين في حزبه وفي كتلة “اللقاء الديمقراطي” النيابية، ومشايخ من طائفة الموحدين الدروز تقدمهم شيخ عقل الطائفة في لبنان سامي أبي المنى.
التقى جنبلاط، وإلى جانبه ابنه تيمور، الرئيس الحالي للحزب، رئيس الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، فبحثا العديد من الملفات المشتركة بين لبنان وسوريا، وبينها ملف المعتقلين اللبنانيين في سجون النظام السابق، إلى جانب قضايا أخرى.
وخلال اللقاء مع الشرع، قال جنبلاط: “نحيي الشعب السوري في انتصاراته الكبرى ونحييكم في معركتكم التي قمتم بها من أجل التخلص من القهر والاستبداد، ونتمنى أن تعود العلاقات اللبنانية السورية إلى الأصول الطبيعية من خلال العلاقات الديبلوماسية، وأن يحاسب كل من أجرموا بحق اللبنانيين، وأن تقام محاكم عادلة للذين أجرموا بحق الشعب السوري”.
وأجابه الشرع: “كانت سوريا مصدر قلق وإزعاج، وكان تدخلها في الشأن اللبناني سلبياً، وسوريا لن تكون في حالة تدخّل سلبيّ في لبنان على الاطلاق وستكون سندًا”.
تفسيرات وتساؤلات
أثارت زيارة جنبلاط جملة تفسيرات في لبنان ودول الجوار، وتساءل محللون حول أهدافها، فاختلفت الآراء بين من رأى فيها حدثاً تاريخياً، وبين من انتقدها.
يقول الكاتب السياسي والإعلامي سامر كركي لـ”963+”: “قرأ جنبلاط التغير الجيوسياسي، أو التغير الاستراتيجي، في سوريا ويريد حجز مكان له في المشروع التركي الذي يكبر أكثر فأكثر انطلاقاً من سوريا ليعم المنطقة، ولما لهذا المشروع من انعكاس كبير على الواقع اللبناني”، مضيفاً أن جنبلاط يحرص على حماية طائفة الموحدين الدروز التي تملك امتداداً واسعاً في سوريا مقارنةً بلبنان وفلسطين المحتلة ايضاً، “لذلك يريد أن يثبت أنه قادر على حماية طائفته، وفي الوقت نفسه التقرب من المشروع التركي، ليكون موجوداً في المعادلة الإقليمية مع الأميركي ومع ’المشروع الصهيوني‘ الذي يتوسع، مع صورة النصر الذي رفعها الإسرائيليون في سوريا أيضاً”.
ويتابع كركي قائلاً إن جنبلاط “بدأ بإطلاق مواقف تحمل علامات استفهام، كموقفه من مزارع شبعا وغيرها.. فهو يرى نفسه رقماً صعباً في المعادلة اللبنانية وتشعباتها الإقليمية انطلاقاً من التغيرات الجيو-سياسية والجيو-استراتيجية التي حصلت في سوريا، وهو يعرف تماماً كيف يتموضع متسلحاً ببراغماتية سياسية متناهية”.
خائف على نفوذه
في المقابل، يقول رامي نعيم، نائب رئيس تحرير صحيفة “نداء الوطن” اللبنانية، لـ”963+” إن زيارة جنبلاط لسوريا تضمنت أربع نقاط رئيسية: “أولاً، الزيارة في ذاتها حدثٌ؛ ثانياً، أتى حديث الشرع خصوصاً في موضوع سلسلة الاغتيالات التي نفذها النظام السوري، من كمال جنبلاط إلى بشير جميل فرفيق الحريري، وكأنه يقول نعم هذا النظام الإرهابي اغتالكم، ولا يستطيع أحد أن يتعاطف معه، كما قال سنمد أيدينا لكم وسنقف على مسافة واحدة من الجميع. ثالثاً، موقفه الغريب من مزارع شبعا، وهذا يدل على أن الأمور في سوريا تتجه نحو التطبيع والسلام بوتيرة متسارعة. وما قاله، أو ما بُلّغ به جنبلاط، أمر سيحتّم على ’حزب الله‘ تسليم سلاحه لانتفاء وجود أي ضرورة للمقاومة”.
وكان جنبلاط قد أكد على هامش زيارته سوريا أن “مزارع شبعا تتبع القرار الأممي 242، وإذا حصل ترسيم بين الدولتين اللبنانية والسورية على أساس أن شبعا لبنانية، نقبل بذلك، لكن مزارع شبعا سورية”.
يتابع نعيم: “رابعاً، خاف جنبلاط من تعاظم نفوذ مشايخ محافظة السويداء بالجنوب السوري، والذين أصبحوا أقوى منه في الطائفة، وقد دعموا أحمد الشرع كثيراً. إن كانت نية جنبلاط حفظ زعامته الدرزية في الجبل وفي الداخل اللبناني، فلا طريق أمامه إلا التقرّب من الشرع، لكنه لن يكون الزعيم الدرزي الأوحد في المنطقة، فثمة تقارب درزي سوري – إسرائيلي سيضع جنبلاط أمام موقف من اثنين: أن يتقرّب من دروز إسرائيل فيتشكل حينها ثلاثي درزي لبنان – سوري – إسرائيلي، أو يكتفي بزعامته الدرزية في لبنان، وبالتالي لن يستطيع أن يصبح زعيماً على دروز المنطقة”.
وبحسب نعيم، لهذه الزيارة أهمية كبيرة جداً في نسيج العلاقات بين سوريا ولبنان، كما في محاولة كسر الجمود بين البلدين، “فجنبلاط يوسس دائماً لما يقوم به الآخرون، وها هو في لبنان قد رشّح العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية، ما يعني أن عون هو الأقرب إلى الرئاسة… ومن يعلم، فربما نرى الشرع زائراً لبنان قريباً. إن زيارة جنبلاط كانت ناجحة، كرسته زعيماً درزياً في الداخل اللبناني، خصوصاً أن الزعيمين الآخرين طلال أرسلان ووئام وهاب كانا أقرب إلى بشار الأسد، ويحتاجان إلى بعض وقت كي يتأقلما مع النظام الجديد، فعرف جنبلاط كيف يقطف ثمار ارتباكهما بزيارته اليوم”.
ترتيب التوافقات المستقبلية
يشرح الإعلامي والمحلل السياسي سامر عوض أبعاد وجود جنبلاط في العاصمة السورية اليوم، قائلاً لـ”963+” إن الزيارات السياسية تأتي في سياق ترتيب التوافقات بين الأطراف السياسية والدول، “وفي الحالة السورية – اللبنانية، المهم أن لزيارة جنبلاط طابعاً مهماً، بعد 13 عاماً من آخر زيارة له قبل الثورة، وهو أول شخصية سياسية لبنانية تزور سوريا في ظل نظامها الجديد، وكان أول شخصية لبنانية بارزة تتصل بالشرع لتهنئته بإسقاط نظام الأسد في 12 كانون الأول/ديسمبر الجاري”.
يضيف عوض: “أظن أن هذه الزيارة ستعالج قضية التحالفات وترتيب الأوضاع، خصوصاً أن جنبلاط يعتبر أن نظام الأسد اغتال والده الذي كان من أبرز معارضي التدخل السوري في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، ومن أشد منتقدي النظام السابق بقيادة حافظ الأسد، وأظن أيضاً أن الملف الأساس على بساط البحث كان ملف الموحدين الدروز، فجنبلاط زعيمهم في لبنان، وثمة علاقات وثيقة بين موحدي لبنان الذين يقدر عددهم بنحو 250 ألفاً والأقلية الدرزية في سوريا التي يقدر عددها بنحو نصف مليون”.
وتمت إطاحة نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر الجاري بعد سيطرة “هيئة تحرير الشم/جبهة النصرة سابقاً” والفصائل المسلحة المتحالفة معها على أغلبية المدن الرئيسية في سوريا، ومنها حلب وحماة وحمص ودرعا والسويداء، وأخيراً العاصمة دمشق.
وجاءت زيارة جنبلاط إلى دمشق بعد قطيعة طويلة مع النظام السوري السابق، بدأت عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، وتخللها بعض الانفراجات، خصوصاً أن جنبلاط كان ممن وجه الاتهام المباشر إلى الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بالوقوف وراء اغتيال الحريري، وسلسلة الاغتيالات الأخرى في لبنان، بعد الخروج السوري في نسيان/أبريل 2005.
يذكر أن جنبلاط قبل 10 أعوام، وتحديداً في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2015، قال في حوارٍ متلفز إنه لا يعترف بأن “جبهة النصرة” إرهابية، “بل هم مواطنون سوريون”، وفق تعبّيره وذلك قبل أن تفك الجبهة ارتباطها بتنظيم “القاعدة”، وتتحول تحت رئاسة الشرع الذي كان يُعرف في السابق باسم أبو محمد الجولاني إلى “هيئة تحرير الشام”.