تتصاعد المخاوف في جغرافيا شمال شرقي سوريا من ارتفاع منسوب سيناريوهات هجوم قد تشنه تنظيمات ولائية لتركيا ضد قوات سوريا الديموقراطية(قسد) التي قالت لن تتردد “في التصدي لأي هجوم” على مناطقها داعية المواطنين لحمل السلاح. والجيش التركي يقول إن الاستعدادات “ستتواصل” حتى يقوم المقاتلون الأكراد بـ”إلقاء السلاح”.
وفي هذا السياق، يشير الباحث في الشأن الأميركي طارق الشامي، إلى أن التحركات الأميركية الأخيرة تحمل رسائل واضحة إلى تركيا بشأن العمليات العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد). الشامي أوضح في تصريح خاص لموقع “963+” أن زيارات كبار المسؤولين الأميركيين، مثل وزير الدفاع لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، تؤكد رغبة واشنطن في كبح التصعيد التركي.
رسائل أميركية وتحركات ديبلوماسية
زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأخيرة لتركيا جاءت لتوضيح موقف الولايات المتحدة الرافض لأي تصعيد يهدد استقرار شمال شرقي سوريا. بحسب الشامي، ركزت المحادثات بين الطرفين على ضرورة وقف تقدم الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
وتم التوصل إلى هدنة مؤقتة تضمنت انسحاب قوات قسد من منبج، مقابل تعهد تركيا بعدم التقدم شرق الفرات. لكن الشامي يشير إلى أن تركيا لم تلتزم بالهدنة واستمرت في تصعيدها العسكري، مما دفع الولايات المتحدة إلى طرح سيناريوهات بديلة.
أحد هذه السيناريوهات، بحسب الشامي، هو نشر ألوية كوماندوز أميركية لتحل محل قوات قسد في مهمة مكافحة تنظيم “داعش”. هذه الخطوة تهدف إلى حماية الإنجازات الأميركية في المنطقة، خصوصاً أن التصعيد التركي أدى إلى انسحاب “قسد” من مواقعها حول السجون التي تضم الآلاف من عناصر “داعش”. وهذا الوضع يزيد من خطورة انفلات الوضع الأمني مجدداً في المنطقة.
ويرى الباحث في الشأن الأميركي، أن تركيا تراهن على دعم الفصائل المسلحة المدعومة منها بدلاً من تنفيذ هجوم عسكري مباشر. هذا السيناريو، وفقاً للشامي، يعتمد على مدى استعداد واشنطن للرد على التحركات التركية. وأضاف أن أنقرة تراهن على استغلال فترة انتقال السلطة في الولايات المتحدة، خاصة مع قرب تنصيب الإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب.
وفي ظل هذه التطورات، تتزايد المخاوف من هجوم محتمل قد تشنه فصائل موالية لتركيا ضد قوات “قسد”. وقد أعلنت الأخيرة أنها لن تتردد في الدفاع عن مناطقها ودعت المواطنين إلى حمل السلاح. من جهته، أكد الجيش التركي أن استعداداته ستستمر حتى “يلقي المقاتلون الأكراد السلاح”.
التحركات السياسية: لقاءات أميركية-سورية
على الصعيد السياسي، تسعى واشنطن إلى ضبط أداء الفاعلين في المشهد السوري، لا سيما تركيا. وقد شهدت الأيام الماضية لقاءً وصف بـ”الإيجابي” بين القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ووفد ديبلوماسي أميركي رفيع المستوى في دمشق. اللقاء يعد الأول من نوعه بين الولايات المتحدة والقيادة السورية الجديدة، ويهدف إلى استكشاف خطط الحكومة السورية المستقبلية.
مصدر من السلطة السورية الجديدة وصف اللقاء بأنه “إيجابي”، مشيراً إلى أن نتائجه قد تكون مؤثرة على مستقبل العلاقة بين الطرفين. وأكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، باربرا ليف، دعم واشنطن لعملية سياسية سورية شاملة تؤدي إلى تشكيل حكومة جامعة تحترم حقوق جميع السوريين.
وبحسب مصدر كردي مطلع، قال لـ”963+”، “تواجه قسد تهديدات وجودية في ظل الضغوط الإقليمية والدولية. ورغم ذلك، يظل للأكراد حلفاء مؤمنون بدورهم في مستقبل سوريا”. المصدر أكد أن “مشروع الإدارة الذاتية يمثل ضمانة للتوجه الديمقراطي في البلاد”، مشيراً إلى أن غياب هذا المشروع سيؤدي إلى تعزيز الحكم الأحادي وتلاشي القوى الديمقراطية.
المصدر ذاته أضاف أن على “قسد” تقديم تطمينات بأن مشروعها ليس معادياً لتركيا ولا توسعياً، بل يهدف إلى تحقيق توازن مع السلطة الجديدة في دمشق. وأكد أن غياب التحالف الدولي عن المشهد سيعقد الأمور، ليس فقط بالنسبة لقسد، بل أيضاً لأي مشروع ديمقراطي في سوريا.
الدور الأميركي في محاربة الإرهاب
جاسم محمد، مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، يشير إلى أن الولايات المتحدة تمثل العامل الحاسم في محاربة الإرهاب بسوريا. ويرى في حديث لـ”963+” أن واشنطن تسعى لضبط التوازن بين دعم قسد واحتواء التحركات التركية. وأضاف أن تنظيم “داعش” لا يزال يمثل تحدياً كبيراً في العلاقة بين الولايات المتحدة وكل من تركيا و”قسد”.
ويرى الشامي أن العلاقة بين تركيا و”قسد” ستظل مرهونة بالدور الأميركي. وأضاف أن “مستقبل الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا يعتمد على التفاهمات مع القيادة السورية الجديدة، وسط ترقب دولي للمرحلة القادمة”. وأشار إلى أن تصعيد تركيا قد يؤدي إلى تعميق الأزمة إذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات واضحة.
وبحسب الشامي، السيناريو الأكثر احتمالاً هو “استمرار تركيا في شن هجمات جوية تدعم عمليات الفصائل المسلحة دون انخراط مباشر”. وأضاف أن “واشنطن قد تضطر إلى اتخاذ خطوات أكثر حزماً إذا استمرت أنقرة في تجاهل التحذيرات الأميركية”.
وأشار إلى أن عدد القوات الأميركية في سوريا يبلغ حالياً نحو ألفي جندي، وهو ما يعكس استمرار الالتزام الأميركي بمنع أي تصعيد يهدد استقرار المنطقة.
تأثير الإدارة الأميركية الجديدة
مع قرب تولي دونالد ترامب الرئاسة، يتوقع الباحث في الشأن الأميركي، أن تشهد السياسة الأميركية تجاه سوريا تغييرات كبيرة. وأشار إلى أن “ترامب قد يواجه ضغوطاً من حلفاء الأكراد في الكونغرس، لكنه قد يمتلك حرية أكبر لاتخاذ قرارات جريئة في ولايته الثانية”. وأكد أن “الانسحاب الأميركي من سوريا سيؤدي إلى تصعيد تركي أكبر، مما يهدد مشروع الإدارة الذاتية بشكل مباشر”.
ويشير الشامي إلى أن الوضع في شمال شرقي سوريا “يعكس تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي”. وأضاف أن الدور الأميركي “سيظل العامل الحاسم في تحديد مستقبل العلاقة بين تركيا وقسد”.