مع سقوط نظام الفار بشار الأسد، بدأت التساؤلات حول مصير الاتفاقيات الدولية؛ التي أبرمها النظام المخلوع مع دول عربية وأجنبية وعلى رأسها روسيا وإيران.
قبل سقوط النظام السوري، في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الجاري، على يد “هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها، أبرم الرئيس المخلوع عدة اتفاقيات مع روسيا وإيران منها اقتصادية وأمنية ودفاعية.
واستحوذت كل من روسيا وإيران على مقدرات السوريين، فقد منح موانئ وثروات باطنية لروسيا، كما منح إيران مجال للسيطرة على الاقتصاد السوري بتوقيع أمثر من 120 اتفاقية غالبيتها لم تُنفذ، وراكم ديون تقول تقارير إنها تصل إلى 50 مليار دولار لصالح طهران في سبيل دعمه للبقاء على سدة الحكم.
لكن وزارة الخارجية الإيرانية، تقول إن هناك مبالغة بحجم ديون سوريا لإيران. مشيرةً إلى أن “المعاهدات الثنائية بيننا قائمة وستنتقل للحكومة القادمة”. فيما تُلغي آراء محللين جميع الاتفاقيات خاصة أن الأسد هرّب أموال عامة إلى روسيا.
لم تعلق الحكومة السورية المؤقتة على التصريحات الإيرانية تلك، في حين أبدى قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، التزامه باتفاقية 1974 مع إسرائيل، عقب حرب 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973، بهدف الفصل بين القوات المتحاربة من الجانبين وفك الاشتباك بينهما.
وتضمنت الاتفاقية ترتيبات لفصل القوات، وحددت خطين رئيسيين، عُرفا بـ”ألفا” و”برافو”، ويفصلان بين المواقع العسكرية السورية والإسرائيلية. كما أنشئت منطقة عازلة بين الخطين، وتخضع لإشراف قوة من الأمم المتحدة تعرف بـ”الأندوف”.
وفي الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، أعلنت إسرائيل انهيار الاتفاقية، وقالت إن مجلس الوزراء قرر احتلال منطقة جبل الشيخ الحدودية السورية المحاذية للجولان المحتل.
مصير الاتفاقيات؟
بينما يلتزم الشرع باتفاق مع إسرائيل، يتجاهل اتفاقيات روسية حول القواعد العسكرية ومشاريع إيران في البلاد، لذا ما مصير الاتفاقيات الدولية مع سوريا؟
يقول المحامي أحمد طارق قلعه جي، باحث في القانون الدولي، يقيم في دمشق لموقع “963+”، إنه “معروف في العلاقات الدولية أن الاتفاقيات التي تبرمها الدولة مع دولة أخرى أو عدة دول تبقى محكومة بمبادئ اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية لعام 1969”.
ويضيف أن اتفاقية فيينا تنص على أن “الاتفاقيات والمعاهدات التي تبرمها الدولة يجب أن تستند إلى مبدأ السيادة وحرية الإرادة، وحسن النية واحترام مصالح المتعاقدين. والدولة عندما تعقد أي اتفاق مع دولة أو جهة أخرى فهي تستند بذلك إلى الدستور أولاً، وإلى الوجود القانوني للسلطة التشريعية والتنفيذية ومدى ملاءمة هذه الاتفاقيات للمصلحة الوطنية”.
ومن هنا، يجب أن يراعى في الاتفاقيات التي عقدتها سوريا عدة نقاط، منها؛ “مدى التوافق بين أي اتفاقية، وبين الدستور الذي كان سائداً”.
وعليه فإن العديد من الاتفاقيات التي وقعت بين سوريا، وبعض الدول سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني كانت مخالفة للدستور، خاصة تلك التي تتضمن التخلي أو التنازل الجزئي عن جغرافية سورية لمصلحة دولة ما، بما لا يتوافق مع مبدأ الحفاظ على سيادة الدولة على كامل أراضيها.
ويضيف قلعه جي أن “الدولة تعقد الاتفاقيات بإرادة حرة وعلى نحو متكافئ، وإن عدنا إلى الاتفاقيات المبرمة بين سوريا وعدد من الدول نجد أن طابع الإذعان، وغياب التكافؤ كان السمة الأبرز بحيث كانت سوريا الطرف الأضعف”.
ويرى أن الشرع يستطيع التنصل من الاتفاقيات المبرمة استناداً إلى عدد من النقاط، وهي مخالفتها للدستور السائد عند إبرامها، وتعديل الدستور بما يحتّم مراجعة كافة الاتفاقيات التي كانت مبرمة سابقاً وإلغاء ما يتعارض منها مع التوجه الجديد وشكل الدولة”.
كما أن انهيار السلطة التي وقعت الاتفاقيات في الدولة، “يعطي الحق للقوى الثورية في المرحلة الانتقالية حق إلغاء الاتفاقيات السابقة أو تعديلها، لأن هذه القوى لم ترث السلطة بالتزاماتها وإنما ألغت السلطة وأقامت سلطة ثورية تسعى لإقامة دولة”، الباحث في القانون الدولي.
اتفاقيات غير دستورية
تشير المحامية ديالا شحادة، الخبيرة في القانون الجنائي الدولي في حديث لموقع “963+”، إلى أن الاتفاقيات الدولية تعقد بملء الإرادة الدولية، وقد تخضع للتعديل والتجديد والفسخ بموجب إرادة الفرقاء.
وتضيف أن الحكومة السورية الجديدة تستطيع أن تنهي أي اتفاقية دولية سابقة مع مفاعيلها أو تعدلها. إذ تستند الاتفاقيات الدولية لعامل قانوني أي لا تخرق بنود القوانين الدولية أو نصوص قانونية جوهرية في الدستور.
وإذا كانت الاتفاقيات الدولية التي أبرمها النظام المخلوع لا تصب في مصلحة الشعب السوري، فيمكن اعتبارها اتفاقيات غير دستورية، وتستطيع الحكومة الجديدة الطعن في أي آثار ترتبت عليها، بحسب شحادة.
وتوضح أن الحكومة الجديدة يحق لها أن تطالب باسترداد ما بُدد أو نهب من أموال ومصلحة وثروات الشعب السوري، في إطار تلك الاتفاقية “غير الشرعية” التي أبرمها النظام السوري السابق.
وتلفت إلى أن الحكومة الجديدة مطالبة بتشكيل لجنة قانونية لمراجعة الاتفاقيات الدولية التي أبرمها نظام عائلة الأسد الأب والابن، للتأكد مما يفيد الشعب السوري وما يضر به وما يجب تحسينه وإلغائه.
لكن حكومة الأسد كانت شرعية بالنسبة للدول التي أبرمت معه اتفاقيات والمجتمع الدولي، في الوقت ذاته فالشرعية ليست ما ينسجم مع النصوص القانونية، وتحددها أيضاً ما تجلبه من منفعة غير مشرعة وتبديد ونهب المال العام.
وكانت روسيا حصلت على استثمارات ضخمة في قطاع الفوسفات والنفط، كما استحوذت على معمل البتروكيماويات في مدينة حمص وسط البلاد، وكان لها استثمار بارز لمرفأ طرطوس، بشقين مدني وعسكري، فضلاً عن الاستثمارات الخاصة بالنفط، وأبرزها في البلوكين البحريين (عقد عمريت، البلوك رقم 1).
في المقابل وقعت إيران سلسلة اتفاقيات طويلة الأمد ومذكرات تفاهم مع حكومة نظام الأسد سابقاً، واستهدفت بها إلى جانب قطاع الفوسفات مرافق أخرى مثل الكهرباء والأسواق والقطاع المالي. ولم تصل في غالبيتها إلى نقطة التنفيذ الفعلي.
ولا تعرف حتى الآن السياسة التي ستعتمدها الحكومة السورية المؤقتة بشأن العلاقة مع روسيا وإيران، وكذلك الأمر بالنسبة لطبيعة عمل الحكومة التي سيتم تشكيلها بعد آذار/مارس المقبل، وما إذا كانت ستحظى بشرعية إقليمية ودولية أم لا.