في الوقت الذي يدعو فيه العالم جميع الأطراف في سوريا إلى وقف التصعيد واللجوء للحوار بعد سقوط النظام السوري السابق، تشهد مدينة كوباني شمالي سوريا هجوماً وشيكاً من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، خطوة يرى فيها مراقبون، أنها انتقامٌ لتنظيم “داعش” بعد أن دحرت كوباني التنظيم في عام 2015.
وتتصاعد التوترات في مدينة كوباني شمالي سوريا مع تعزيز القوات التركية وجودها العسكري على الحدود، وسط مخاوف من عملية وشيكة ضد المنطقة التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ووفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن القوات والمدفعية التركية تتمركز بأعداد كبيرة قرب الحدود، ما أثار تخوفاً أميركياً من توغل تركي جديد في المناطق الكردية.
هدنة مؤقتة
وبعد تعثر الوساطة الأميركية في التوصل إلى هدنة دائمة بين تركيا وقسد في منطقتي كوباني ومنبج. وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية تمديد اتفاق وقف إطلاق النار حتى نهاية الأسبوع، بينما أكد القائد العام لقسد، مظلوم عبدي، استعدادهم لإنشاء منطقة منزوعة السلاح بإشراف أميركي، سعياً لخفض التوتر.
وتشكل مسألة ضريح سليمان شاه نقطة خلاف رئيسية، حيث تطالب تركيا بإعادة الضريح إلى موقعه السابق في سد قرقوزاق، مع بناء قاعدة عسكرية جديدة. وترفض “قسد” هذه الخطوة، معتبرةً أنها تهدف إلى تعزيز النفوذ العسكري التركي في المنطقة.
وكانت قد أبدت “قسد” استعدادها للتعاون ضمن الاتفاقات الدولية، لكنها رفضت توسيع المساحة المخصصة للضريح، مشيرةً إلى أن المطالب التركية تتجاوز القضايا التراثية وتخدم أهدافاً سياسية وعسكرية.
اقرأ أيضاً: بعد سقوط الأسد.. مشروع “دولفين” القطري التركي يعود للواجهة من جديد
الأهداف التركية
يرى مدير مركز “جي إس إم” للأبحاث والدراسات، آصف ملحم، أن التحركات التركية تهدف إلى ضم كوباني وعين عيسى إلى المناطق التي تسيطر عليها أنقرة شمالي سوريا، تحت ذريعة إقامة منطقة آمنة.
ويضيف ملحم لـ”963+” أن تركيا تسعى لإقامة قاعدة عسكرية كاملة تحت غطاء حماية الضريح، متجاوزةً الاتفاقية السابقة مع فرنسا التي تنص على حمايته بعدد محدود من الجنود.
من جهته، يرى الدكتور محمد اليمني، رئيس قسم الشؤون العربية والدولية بمركز سعود زايد للدراسات، في حديث لـ”963+” أن تركيا تستغل الوضع السياسي المتأزم في سوريا لتحقيق أهداف اقتصادية واستراتيجية، خاصة في المناطق الغنية بالموارد الطبيعية.
وتمثل كوباني رمزاً لمقاومة تنظيم “داعش”، الذي هزم في المدينة عام 2015 بعد معارك عنيفة. ويؤكد ملحم أن “أي هجوم تركي قد يؤدي إلى كارثة إنسانية، حيث تستضيف المدينة أكثر من مليون نازح، بينهم عشرات الآلاف من مناطق الشهباء وتل رفعت”.
ويشير صلاح الدين مسلم، رئيس تحرير مجلة “الشرق الأوسط الديموقراطي”، إلى أن تركيا “تسعى لشن هجوم على كوباني للقضاء على القضية الكردية”، معتبراً أن التحركات التركية تحمل طابعاً انتقامياً لتنظيم “داعش”، الذي كان له علاقات غير مباشرة مع أنقرة أثناء سيطرته على كوباني في 2014.
ويقول مسلم في تصريحات خاصة لـ”963+”: “مع وصول الشرع إلى دمشق، وفي ظل هذه الفوضى العارمة واستغلالاً للوقت، احتلت تركيا منبج وكان سقوط هذه المدينة من الداخل بالتواطؤ مع أجندتها الداخلية والآن عينها على كوباني”.
اقرأ أيضاً: رفع شعار “داعش” في سوريا يثير مخاوف حول مستقبل البلاد
مواقف دولية متباينة
تواجه مدينة كوباني اليوم ،خطراً يهدد أمنها وحياة أهلها الكرد والأقليات التي تعيش فيها من الإيزيديين والمسيحيين، إضافة لاحتضانها أكثر من مليون نازح، بما في ذلك أكثر من 100 ألف نازح لجأوا إليها في الأيام القليلة الماضية من مناطق الشهباء وتل رفعت شمالي حلب، بعد سيطرتها من قبل فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا ضمن عملية “فجر الحرية”.
ويقول ملحم: “على المجتمع الدولي أن لا يتبع سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير في التعامل مع الشعب الكردي، لأنه له الحق في تقرير مصيره كغيره من شعوب العالم، وهو حق مشروع ومدوّن في ميثاق الأمم المتحدة”.
ودعت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، تركيا إلى وقف هجماتها على كوباني، مؤكدةً أن المدينة تمثل رمزاً لمقاومة الكرد ضد “داعش”. وقالت عبر منصة “إكس”: “إراقة المزيد من الدماء هو آخر ما يحتاجه السوريون بعد سنوات من الحرب”.
على الجانب الآخر، يرى محللون أن الولايات المتحدة تتبع سياسة مزدوجة تجاه تركيا، حيث تسعى لتوريطها في الصراع السوري ثم استخدامها لتحقيق أهداف سياسية أوسع. ويشير ملحم إلى أن واشنطن “تدرك نوايا أنقرة في توسيع نفوذها، وتستغل ذلك لابتزازها كما فعلت مع روسيا في أوكرانيا”.
وكان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، قال إن تركيا كانت ترغب “بالاستيلاء على سوريا، والآن تمكنت من ذلك، معتبراً أن “تركيا ستمتلك قدرة التحكم بمجريات الأحداث في سوريا”.
وعلى المستوى العربي، تتزايد الأصوات المنتقدة للتحركات التركية، وسط مخاوف من أن تؤدي سيطرة أنقرة على مناطق إضافية إلى تهديد الأمن القومي العربي. ويرى ملحم أن المشروع التركي يمتد إلى جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، مشيراً إلى أن تركيا كانت ممراً رئيسياً لعناصر “داعش” القادمة من تلك المناطق.
بينما تتجه الأنظار إلى كوباني، يبقى المشهد السوري معقداً مع تداخل المصالح الدولية والإقليمية. ومع استمرار التحشيدات العسكرية التركية، يبرز تساؤل حول قدرة المجتمع الدولي على منع تصعيد جديد قد يعمق الأزمة الإنسانية والسياسية في المنطقة.