عاد مشروع نقل الغاز الطبيعي القطري إلى أوروبا عبر سوريا وتركيا إلى دائرة النقاش مجدداً، بعد 15 عاماً على رفضه من قبل رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، لكن اليوم وبعد سقوط نظام البعث وتولي المعارضة السورية السلطة في البلاد، بدأت تطفو على السطح إمكانية إعادة النظر في المشاريع الاقتصادية الكبرى التي أُجهضت سابقاً.
وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، ألب أرسلان بيرقدار، أن استئناف طريق الغاز القطري التركي أصبح ممكناً بمجرد تحقيق الاستقرار السياسي في سوريا، موضحاً أن هذا المشروع يعيد الأمل في تعزيز التكامل الإقليمي بقطاع الطاقة.
ونقلت وكالة الأناضول التركية، تصريحات للباحثة التركية في وقف الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي “سيتا”، بشرى زينب أوزدمير، قالت فيها: “بعد تأسيس نظام مستقر في سوريا عقب الإطاحة بالأسد، يمكن القول إن مشروع دولفين لن يواجه عقبات سياسية بالمنطقة إذا استمر الوضع الراهن”.
وأفادت أوزدمير، أن أوروبا لديها نهج حساس بخصوص العقود طويلة الأجل بسبب السلبيات التي مرت بها مع روسيا، مضيفة أن أوروبا لديها هدف صفر انبعاثات حتى عام 2050، لذلك عليها التخلي عن استخدام محطات الطاقة الحرارية التي تعمل بالفحم، واستبدالها بمحطات الغاز الطبيعي، لذلك الغاز القطري من شأنه أن يحظى بإقبال كبير في القارة الأوروبية.
ودخل مشروع “دولفين” وهو مشروع لنقل الغاز الطبيعي من قطر إلى عدة بلدان شرق أوسطية وأوروبية، الخدمة رسمياً عام 2004 ويبلغ طوله 370 كليومتراً، إذ يربط بين قطر والإمارات وسلطنة عمان، وكان من المقرر أن يمر خط أنابيب الغاز كذلك عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا إلى أوروبا.
الأهداف الاقتصادية
ترى أستاذة العلوم السياسية، الدكتور أريج جبر، المقيمة في عمان، أن الأطماع التركية في سوريا تفوق مسألتي الأكراد وتطبيق الميثاق الملي وهو السيطرة من حلب إلى الموصل، “فتركيا لها مطامع اقتصادية بالدرجة الأولى، وكان الرئيس المخلوع بشار الأسد قد قلّم أظافرها الناشبة جزئياً بوقوفه حجر عثرة أمامها”، وفق تعبيرها.
وتقول الأكاديمية الأردنية، في حديث خاص لـ”+963″: “بزوال نظام الأسد ومع العرف المعتاد لتركيا باستثمار حالة الفوضى، عادت لها أضغاث أحلام لتحيي المشاريع الاقتصادية وخاصة فيما يتعلق بالغاز، حتى تجعل لها موطئ قدم استثماري في سوريا”.
وتحظى تركيا بالمرتبة الثانية عالمياً بعد ألمانيا في استيراد الغاز، وهي تسعى بحسب جبر، إلى تنويع مواردها عقب الأزمة الروسية المصدّر الأول لتركيا.
اقرأ أيضاً: الفترة الانتقالية في سوريا.. هل تستغل دول الوضع الاقتصادي للتغلغل؟
“مصلحة تركية أعاقتها إيران وروسيا”
فيما يرى الأكاديمي والباحث الاقتصادي السوري، الدكتور رفعت عامر، المقيم في السويد، أن إحياء تركيا مشروع “دولفين” هو “أحد أهم المصالح التركية الذي أعاقه التواجد الإيراني في سوريا والتنافس الروسي القطري على إمدادات الغاز للأسواق الأوروبية، بعد أن كانت روسيا تستحوذ على 80% من حصة السوق الأوروبية من مستوردات الغاز قبل الحرب الروسية الأوكرانية”.
ويقول عامر في حديث لـ”963+”: “تركيا من أهم اللاعبين في سوريا، تريد أن تملئ الفراغ الإيراني في لبنان وسوريا، بعد أن أُتخذ قرار أميركي أوروبي بتحجيم دور إيران في الملف الشرق أوسطي وإنهاء دورها الإقليمي”.
أما الباحث والمحلل السياسي، عدي رمضان، المقيم في إسبانيا، فيوضح أن المشروع كان وما زال أهم أبرز الدوافع الرئيسية التي جعلت قطر وتركيا بشكل رئيسي ومعهما أوروبا وأميركا ينقلبون على الرئيس المخلوع، بشار الأسد، للإطاحة به عبر مسمى الثورة في عام 2011 على خلفية رفضه التوقيع على المشروع في عام 2009.
ويشير في تصريحاته لموقع “963+” إلى أن الحديث عن مشروع خط أنبوب الغاز القطري-التركي عبر سوريا في هذا التوقيت “يعيد تسليط الضوء على الاتهامات السابقة التي وجهها الرئيس السوري السابق لتركيا وقطر”، معتبراً أن “المشروع كان أحد العوامل المؤثرة في الصراع السوري”.
وفي عام 2009، رفض النظام السوري السابق، آنذاك المشروع، مشيراً إلى أن الهدف منه كان التأثير على مصالح حليفته روسيا، المورد الرئيسي للغاز إلى أوروبا. كما وجّه اتهامات لتركيا وقطر بدعم الحرب في سوريا لتمرير مشروع خط الغاز الطبيعي.
التنافس الجيوسياسي
ويرجع عامر الباحث الاقتصادي، أسباب رفض الأسد التوقيع على المشروع لعدة أسباب، منها “التنافس الجيوسياسي بين تركيا وإيران”، فيقول: “كان مشروع خط الغاز القطري التركي يمثل تحدياً لنفوذ إيران في المنطقة، حيث كانت سوريا تربطها علاقات قوية مع طهران، ودعم الأسد لمشاريع الغاز الإيرانية كان جزءاً من هذا التحالف”.
أما السبب الثاني بحسب عامر، هو أن “سوريا كانت تعتمد على الغاز المصري والإيراني، ورفض مشروع الغاز القطري كان يعكس رغبتها في حماية مصالحها الاقتصادية وعدم فتح المجال لمنافسة جديدة”.
فيما يرى رمضان، أن “الرفض أتى بفعل التحالف السوري الروسي والحرص على عدم الإضرار بخطي الأنبوب العربي والأنبوب الإسلامي”، ورفض الأسد وفق رمضان، تسبب بحرمان قطر وتركيا من مئات المليارات من الدولارات وجعل أوروبا تتكبد خسائر كبيرة جداً ومنح روسيا فرض الهيمنة على أوروبا.
اقرأ أيضاً: الفيدرالية في سوريا.. هل تكون الحل لإعادة بناء الدولة أم خطوة نحو التفكك؟
التحديات والإمكانات
حول إمكانية قبول الحكومة الجديدة الانتقالية بمشروع “دولفين”، يعقّب عامر: “للحكومة الجديدة في سوريا مصلحة في ذلك كما هي مصلحة لتركيا” ومن جهة ثانية فإن “تطور الأحداث في سوريا يلقى دعماً مهماً من تركيا لذلك لا يمكن لصاحب القرار في سوريا تجاهله”.
الحكومة الانتقالية في سوريا الآن أمام تحديات كبرى بفرض حالتي الاستقرار والأمن وخلق فسيفساء سورية دامجة وبناء دولة قانون ومؤسسات، لذلك تعقب الأكاديمية الأردنية، بأن “هذه التحديات ستقودها لتنحية هذه الملفات في المرحلة العاجلة”.
وتضيف: “لكن ربما توافق الحكومة الجديدة لتركيا التي دعمت الثورة في إسقاط النظام السماح لأنابيب الغاز الطبيعي من العبور في أراضيها مقابل عوائد اقتصادية ودعم تركي أكبر”، ولكن هذا السيناريو يحتاج إلى عقد من الزمن ليصبح أمراً واقعاً، وفق الجبر.
أما بخصوص الموافقة السعودية على مرور هذه الأنابيب من أراضيها، فتوضح الجبر، “قبل عام 2009 لم تظهر النوايا السعودية بشكل واضح حيال هذا المشروع ولكن إذا ما عُدنا لنظريتي المصلحة واللعبة متعددة الأطراف ستكون الآن أكثر تجاوباً وانفتاحاً مع هذا المشروع”.
ويخالف الباحث السوري، سابقته، ويشير إلى أن “الأمر معقد وصعب وليس من السهولة تحقيق المشروع، لطبيعة الصراع القائم حالياً على الأدوار في منطقة الشرق الأوسط بين السعودية ودول الخليج الأخرى من جهة وبين تركيا وقطر من جهة أخرى”.
ويحتاج المشروع وفق التقديرات الأولية من 10 إلى 15 مليار دولار، لذا لا يمكن المغامرة في البدء به، في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي في سوريا، علاوة على الدور الريادي لإسرائيل في مشروع الشرق الأوسط الجديد، والتي لن تمرر مشاريع لا تؤام مصالحها، وفق عامر.