حثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، “هيئة تحرير الشام” على عدم تولي القيادة بشكل تلقائي في سوريا، والعمل على إدارة عملية شاملة لتشكيل حكومة انتقالية، تزامناً مع وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى منطقة الشرق الأوسط لبحث الأوضاع هناك، في ظل اتضاح لتوجه أميركي للعب دور أساسي برسم المستقبل السياسي السوري، والتأكد من الوصول إلى عملية شاملة لجميع الأطياف والقوى.
وبعد زيارته الأردن، وصل بلينكن الخميس الماضي، إلى تركيا والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته هاكان فيدان، وشدد على “ضرورة احترام جميع الجهات الفاعلة في سوريا لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وأن تتخذ كافة الإجراءات الممكنة لحماية المدنيين بمن فيهم الأقليات، وأن يتمكن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” من الاستمرار بأداء مهمته الأساسية”، بحسب بيان للخارجية الأميركية.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أميركيين ومساعد في الكونغرس، أن “التواصل بين واشنطن وهيئة تحرير الشام، جرى بالتنسيق مع حلفاء واشنطن بالشرق الأوسط بما في ذلك تركيا”، وقال أحد المسؤولين إن “الولايات المتحدة أرسلت رسائل إلى تحرير الشام للمساعدة في توجيه الجهود المبكرة لإنشاء هيكل حكم رسمي للبلاد، حيث تعتقد أن الحكومة الانتقالية يجب أن تمثل رغبات جميع السوريين”.
وأضاف المسؤول الأميركي، أن “الولايات المتحدة لن تدعم سيطرة هيئة تحرير الشام في سوريا دون عملية رسمية لاختيار قادة البلاد الجدد، كما أنها ليست واضحة بشأن دور أحمد الشرع في الحكومة السورية المستقبلية، أو ما إذا كان لا يزال يحمل إيديولوجيات متطرفة أم لا”.
وجاء سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد بحسب محللين، ليضع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أمام تحد بعد توجهه سابقاً نحو “ضرورة أن تكون واشنطن بعيدة عن الأوضاع في سوريا، حيث أصبح من الصعوبة بمكان تحقيق ذلك، كون راهن ومستقبل التطور بالبلاد، يكشف عن أبعاد جيو استراتيجية بالغة الدقة والارتباط، خاصة على مستوى تحركات إسرائيل وتركيا، ومن خلال ذلك يمكن الحديث أن واشنطن لن تتعجل في أي قرار، وستمضي تلك المباحثات قدماً، حتى تتسلم إدارة ترامب مهامها نهاية كانون الثاني/ يناير القادم.
اقرأ أيضاً: لماذا يتجاهل الشرع “الجيش الوطني” من مشاورات تشكيل وزارة الدفاع؟
ضوابط أميركية لأداء “تحرير الشام”
عضو الحزب الجمهوري الأميركي توم حرب، يعتبر أن “الولايات المتحدة لها جملة من الضوابط ستحكم من خلالها على أداء هيئة تحرير الشام، من أهمها عدم قيام الهيئة بأي أعمال قتل أو ممارسات ضد المواطنين إلى جانب مساراتها خلال المرحلة الانتقالية”، مضيفاً خلال تصريحات لموقع “963+” أن “واشنطن قد تستخدم الضغط على تحرير الشام عبر تركيا وقطر كورقة وظيفية ضد أي تحركات لها نحو مكونات الشعب السوري، وربما قد تضطر لاحقاً للتنسيق مع الإسرائيليين للقيام بأعمال ردع ضد الهيئة”.
وبشأن موقف واشنطن من رفع “تحرير الشام” من لوائح الإرهاب، يشير حرب إلى أن “واشنطن ستنظر بترقب بالغ لما ستفعله الهيئة خلال الشهور القليلة القادمة، لاسيما بشأن تأسيس مكونات دولة ديموقراطية تحترم كافة مكونات المجتمع السوري، وإقامة نظام ديموقراطي يحترم حرية الرأي والتعبير من خلال الدولة، أم أنها ستنقلب وتبدأ العمل كتنظيم متطرف يعبر عن عقيدة الإسلام السياسي”.
ومن جانبه، يرى المتخصص بالعلاقات الدولية كمال الزغول خلال تصريحات لـ”963+”، أن “الولايات المتحدة ستقوم بضبط أداء هيئة تحرير الشام من خلال إبقاء العقوبات عليها، وعدم رفعها من قائمة الإرهاب إلى حين معلوم يرتبط بتوجهاتها الاستراتيجية وما يتصل بالمراحل التكتيكية لتحقيق الأهداف، وستعمل على ذلك من خلال عدم مساعدة الهيئة بمجلس الأمن واستخدم “الفيتو” ضدها ومنع المنظمات الدولية وغير الحكومة من دخول سوريا للمساعدة في إعادة الإعمار”.
واشنطن ستعارض أي هجوم ضد “قسد”
وبخصوص مستقبل العلاقة بين “تحرير الشام” وقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، يعتبر حرب أن “واشنطن تنظر بيقين إلى ضرورة إبقاء المباحثات حاضرة بين الجانبين، ويمكنها أن تمارس الدور المطلوب والإشراف على أي تفاهمات، لاسيما إذا طلب منها أن تكون الحكم والراعي”، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة ستقف ضد أي هجوم من قبل أي مجموعات ضد قسد من خلال القوات العسكرية الموجودة شرقي سوريا”.
ورغم أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، قد عبّر عدة مرات خلال الفترة الأخيرة عن أن الولايات المتحدة ليس لها أي مصلحة داخل سوريا إلا ما يخص “قسد”، إلا أنه من غير المرجح أن تتدخل إدارته في حال حدوث مناوشات داخلية، خاصةً إذا ذهبت تلك المناوشات نحو التصعيد وإراقة الدماء، فيحنها سيترك الأمر لحلفاء واشنطن بالمنطقة، بحسب حرب.
ويذهب أغلب المحللين، إلى أنه “قد يبدو أن تطمينات واشنطن نحو استمرار الدعم لقوات سوريا الديموقراطية، ورغبة أنقرة في خلق منطقة عازلة على حدودها الجنوبية، سيكون هو مسار العمل سواءً ميدانياً من خلال الفصائل المدعومة منها، أو سياسياً من خلال عملية تفاوضية عميقة بين الأطراف المعنية لحسم مآلات الوضع في سوريا”.
تحقيق التوازن بين “تحرير الشام” و”قسد”
ويعتبر الزغول، أن “التهديد بعدم الاعتراف بالحكومة الجديدة، سيؤثر بشكل كبير على مدى انخراط سوريا في المنطقة والعالم وخاصةً أوروبا، بل إنها ستذهب لدعم قوات سوريا الديموقراطية ومنع توسع الثورة إذا رأت أن الحكومة الجديدة انحرفت عن المسار المطلوب، بمعنى تحقيق التوازن بين “قسد” و”تحرير الشام” من أجل ضبط إيقاع الهيئة”.
ويشير المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، إلى أن “الغرض من الحكم على أفعال الهيئة هو التوجه نحو الاستقرار والابتعاد عن الحروب و”الجهاد” واستيعاب كامل أطياف سوريا بدون تشدد ديني أو إيديولوجي، ومنع التوجه أو الميل نحو روسيا والصين على نحو يؤثر على المصلحة الأميركية، والتركيز على المشاركة السياسية وحقوق الإنسان”.
اقرأ أيضاً: ما بعد الأسد.. بين نهاية الولاءات والتبعية الإقليمية وسبل البناء السياسي
إلا أن المتخصص بالعلاقات الدولية، يرى أن “انتقال الأزمة في سوريا من داخلية إلى دولية ووقوعها بين إدارتين أميركيتين، قد لا يعطيها الاستقامة نحو هدف إنشاء دولة ترضي السوريين، فالرئيس الحالي جو بايدن، هو صاحب نظرية الفيدرالية بالنسبة للأكراد كما هو مطبق بالعراق، وهذا يتطلب كتابة دستور ينص على الفيدرالية تتحد بعد الاتفاق بين أميركا وتركيا والحكومة السورية، لكنها فرضية تمهد لاستقلال الكرد، وهو ما لا تقبله تركيا، أو هناك خيار آخر يتمثل بالإبقاء على الوضع الراهن حتى تحقيق المصلحة الأميركية بأن تصبح سوريا حليفاً قوياً لواشنطن، عندها تنتقل لمرحلة دمج الأكراد بالدولة السورية لإرضاء تركيا”.
أما بالنسبة لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب فهي مختلفة، فإما ان يفرض الفدرالية أو أن يدمج الأكراد بالدولة السورية الجديدة مراعياً بذلك مصلحة إسرائيل، وقد لوحظ وقد أن الولايات المتحدة الأميركية لا تحرك ساكناً إذا كان الهدوء لا يؤثر على مصالحها بحيث تبقى على الوضع الراهن، بحسب الزغول.
ويختتم، المراقب الدولي السابق حديثه لـ”963+”، أن “المطلوب من هيئة تحرير الشام، هو تحقيق الأمن الداخلي بحيث ينعكس على أمن المنطقة، وبناء علاقات تصب في مصلحة حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة، وإخلاء سوريا ممن تعتبرهم واشنطن إرهابيين مثل تنظيم داعش، والمشاركة في محاربة الإرهاب، ثم إقامة نظام قضائي يتماشى مع قوانين حقوق الإنسان بما فيها حقوق الإثنيات والعرقيات، وكتابة دستور عصري يتماشى مع الديموقراطيات الغربية”.