وسط تحولات سياسية غير مسبوقة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، تتزايد المخاوف من استغلال تنظيم “داعش” لحالة الفوضى لإعادة بناء نفوذه وتعزيز وجوده في المنطقة. وفي ظل عدم اليقين السياسي وغياب الاستقرار، يعمل تنظيم “داعش” على إحياء خلاياه النائمة والتحرك في البادية السورية التي شكلت سابقاً ملاذاً آمناً لعناصره.
ووفقاً للمدير العلمي لمركز “سوفان” في نيويورك، كولن كلارك، فإن “الفوضى والانفلات ستكون حتماً نعمة لداعش الذي ينتظر مثل هذه الفرصة ليعيد بناء شبكاته ببطء ولكن بثبات في جميع أنحاء البلاد”.
وفي إطار محاولاتها لمنع التنظيم من استغلال الوضع الحالي، شنّت الولايات المتحدة سلسلة غارات مكثفة على أكثر من 75 هدفاً لداعش في وسط سوريا، باستخدام قاذفات بي-52 ومقاتلات إف-15 وإيه-10.
وصرّح الجنرال الأميركي مايكل إريك كوريلا: “يجب ألا يكون هناك شك في أننا لن نسمح لداعش بإعادة تنظيم صفوفه. وسنحاسب أي جهة تتعاون معه أو تدعمه بأي شكل”.
بدوره، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن الولايات المتحدة مصممة على منع التنظيم من إعادة تشكيل نفسه، مشدداً على أهمية ضمان استقرار سوريا لمنع انزلاقها نحو فوضى إضافية.
سيناريوهات ما بعد سقوط الأسد
يعتقد الباحث في شؤون الإرهاب، منير أديب، ويقيم في القاهرة، أن “التنظيم يسعى لاستغلال الفوضى الفصائلية والانهيار الأمني لتعزيز وجوده، خاصة في البادية السورية ومحيط دمشق”.
وصرح أديب لموقع “963+” أن “الوضع يتطلب تحالفاً عربياً لمواجهة تمدد التنظيمات الإسلاموية ومنع انهيار الدولة الوطنية”. كما أشار إلى أن تراجع الجهود الدولية، لا سيما من جانب الولايات المتحدة وروسيا، أثّر على جهود مكافحة الإرهاب.
وأضاف الباحث أن “الوضع يتطلب إنشاء تحالف عربي للتصدي لصعود تنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة، بهدف الحفاظ على الأمن القومي السوري والعربي، ومنع انهيار الدولة الوطنية في سوريا”.
وأنهت سيطرة “هيئة تحرير الشام” وحلفائها، على دمشق، 53 عاماً من سيطرة عائلة الأسد على السلطة، وفر الأسد الابن وعائلته إلى روسيا التي أعلنت منحهم حق اللجوء لأسباب إنسانية.
وفجر الأحد الماضي، سيطرت المعارضة المسلحة على العاصمة دمشق بعد انسحاب قوات النظام السوري السابق من المؤسسات العامة. هذه اللحظة التاريخية شهدت نهاية حكم حزب البعث الذي استمر لأكثر من ستة عقود.
وأعلن محمد البشير، في بيان تلفزيوني في وقت سابق، أنّه تم تكليفه بتولي رئاسة حكومة انتقالية في سوريا حتى أول آذار/مارس 2025.
وكان البشير يترأس حكومة الإنقاذ التي شكلتها المعارضة قبل الهجوم الخاطف الذي استمر 12 يوماً والذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
وبعد تكليف البشير برئاسة الحكومة المؤقتة، عقدت الحكومة أولى اجتماعاتها في العاصمة دمشق، بحضور رئيس الوزراء المكلف ورئيس الوزراء السابق محمد الجلالي.
وأعلنت إدارة الشؤون السياسية في الحكومة السورية الانتقالية، أمس الثلاثاء، أنّها عقدت اجتماعاً مع سفراء دول العراق والبحرين وعُمان ومصر والإمارات والأردن والسعودية وإيطاليا.
ووصفت إدارة الشؤون السياسية، الاجتماع أنّه “كان إيجابياً. ووعد السفراء بتنسيق عالي المستوى مع الحكومة الجديدة”. وأضافت: “قطر ستفتتح سفارتها في دمشق بعد أيام” دون تحديد موعد الافتتاح.
دوافع التنظيم ومحاولات التوسع
في ظل هذه التغيرات السياسية يرى الخبير العسكري نضال أبو زيد، ويقيم في الأردن، في حديث مع “963+”، أن “سيطرة الفصائل المسلحة في سورية على مفاصل الدولة السورية قد يدفع التنظيم للتحرك من أجل إعادة إنتاج نفسه في البادية السورية خاصة أن هناك حالة من فقدان السيطرة على السلاح وعلى موارد قوات النظام السوري السابق رغم أن الجانب الإسرائيلي أعلن عن تدمير 80% منها”.
ويقول: “التنظيم قد يسعى لاستعادة أسلحة وذخائر من معسكرات قوات النظام السوري السابق، مستفيداً من انتشار خلاياه في البادية الشرقية. كما أنه ورغم عدم سيطرته على مناطق محددة، يواصل التنظيم تدريب الشبان ويستغل البيئة المضطربة لتوسيع نفوذه”.
وعلى اعتبار انتشار التنظيم في البادية السورية الشرقية في منطقة ثريا والسخنة وتدمر، “يجعله ذلك قادراً على التحرك باتجاه ثلاث دول رئيسة العراق جنوباً والعمق السوري شرقاً وغرباً والأردن ما يعني أن داعش يتمدد بهدوء باتجاه المثلث الحدودي الاردني العراقي السوري”، بحسب أبو زيد.
وعلى الرغم من تقلص هجمات “داعش” في سوريا منذ عام 2019، إلا أن الأشهر الأخيرة شهدت تصاعداً ملحوظاً. حيث ارتفعت الهجمات إلى 259 هجوماً حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وفقًا لتحليل آرون زيلين من مركز هدسون. وأوضح زيلين أن التنظيم يقلل عمداً من إعلان مسؤوليته عن بعض الهجمات لتجنب لفت الأنظار إلى قوته الحقيقية.
صراعات محتملة مع الفصائل المسلحة
يرى يورام شفايتسر، الخبير الأمني الإسرائيلي، أن التنظيم قد يحاول انتزاع أراضٍ من “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على مناطق واسعة. وأضاف: “كما رأينا في أفغانستان بعد انسحاب الأميركيين، يمكن لداعش استغلال أي فراغ سياسي لتنفيذ هجمات إرهابية وإثبات وجوده”.
من جانبه، أوضح الخبير الاستراتيجي علاء النشوع، يقيم في بغداد، أن “ضعف النفوذ الإيراني والتحركات الأميركية السريعة ساهمت في كبح قدرات “داعش، لكن استمرار الفوضى السياسية يشكل تحدياً كبيراً”.
وأضاف لـ”963+”: “تعتمد فعالية مواجهة التنظيم على العمليات الميدانية والتقارير الاستخبارية الدقيقة”.
ويشير مراقبون إلى أن تنظيم “داعش” لا يزال يحتفظ بقدرته على التمدد في مناطق استراتيجية. ويقول أبو زيد، إن وجود التنظيم في مناطق مثل تدمر والبادية الشرقية “يمنحه القدرة على التحرك نحو العراق والأردن، مما يشكل تهديداً إقليمياً مباشراً”.
ويُجمع الخبراء على ضرورة التحرك السريع لتعزيز الاستقرار في سوريا، سواء من خلال الجهود الدولية أو التحالفات الإقليمية، لتفكيك التنظيمات المتطرفة ومنعها من استغلال الفراغ السياسي لتحقيق مكاسب جديدة.