“إيما” أو أسماء الأسد شخصية عرفها السوريون جيداً بعد اندلاع الحراك الشعبي في البلاد في عام 2011، حيث تحكمت السيدة الأولى السابقة بدفة الاقتصاد بشكلٍ كامل لتمارس بذلك هوايتها الرئيسية في الاستثمار وجمع الأموال، إلى جانب هوسها باقتناء كل ما هو فريد وباهظ، في الوقت الذي كان يعيش فيه 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر.
فكيف عاشت زوجة بشار الأسد خلال فترة حكمه الممتدة 24 عاماً، بدءاً من انتقالها إلى سوريا آتية من بريطانيا، لينتهي بها المطاف هاربة في موسكو.
ولدت أسماء في 11 أغسطس 1975 لأبوين سوريين في مدينة أكتون غرب العاصمة البريطانية لندن، وكان والدها فواز الأخرس طبيباً متخصصاً في الأمراض القلبية، وكانت والدتها ديبلوماسية. درست “إيما”، الاسم الذي كان أصدقاؤها ينادونها به، علوم الكمبيوتر في كلية “كوينز” بلندن.
عملت بعد تخرجها في “دويتشه بنك” الألماني، ثم انتقلت إلى بنك “جيه بي مورغان” للاستثمار، وبقيت فيه ثلاث سنوات متنقلة بين فروعه بلندن وباريس ونيويورك خبيرة في عمليات الدمج والاستحواذ. ترافق ذلك مع لقائها بشار الأسد في عام 1992، كان يدرس جراحة العيون في لندن
مجلس سري وحياة فارهة
مرحلة جديدة بدأتها أسماء الأخرس، بحسب ما كشفت صحيفة “فاينينشال تايمز” في العام الماضي حول وجود مجلس سري تقوده من داخل القصر الرئاسي، مهمته الأساسية الهيمنة على اقتصاد سوريا، وتمكين نفوذها مع تمويل العمليات العسكرية للقوات الحكومية.
وأكدت الصحيفة في تقريرها أن أسماء تحكمت بتدفق أموال المساعدات الإنسانية الدولية إلى سوريا، من أجل زيادة سلطة آل الأسد، مع بناء شبكة واسعة بالاعتماد على المنظمات الخيرية التابعة لها، وبينها “الأمانة السورية للتنمية”، كما اعتمدت منذ سنوات على شركات وهمية وشخصيات تدير الأعمال نيابة عنها، وهيمنت على قطاعات اقتصادية عدة، بينها العقارات والمصارف والاتصالات.
تزايد الحضور الإعلامي لأسماء الأسد بدءاً من عام 2016، تحت مظلة الأعمال الخيرية، ليرتفع أيضاً نفوذها في إدارة الملفات الاقتصادية في سوريا، وتشكيلها مجموعة واسعة من المساعدين الذين تنحصر مهمتهم في تنفيذ نشاطات من قبيل مصادرة الأراضي والعقارات والتحكم بخدمات الانترنت وتوزيع الحصص الغذائية والسيطرة على المساعدات الخارجية وتجارة النفط.
أنفقت أسماء الأسد، وفق تسريبات لموقع “ويكيليكس” عام 2012، مئات آلاف من الدولارات على الأثاث المنزلي الفاخر والتُّحَف النادرة، كما اشترت حذاءً مرصعاً بالكريستال بقيمة 7 آلاف دولار، وصرفت 350 ألف دولار على ديكور قصور عائلة الأسد، واستضافت في دمشق مشاهير مثل براد بيت وأنجلينا جولي.
أنا الديكتاتور الحقيقي
أدت دوراً كبيراً في الحرب السورية، وهذا بدا واضحاً من خلال بريد إلكتروني ضمن التسريبات نفسها، مازحت فيه أسماء صديقةً لها قائلة: “أنا الديكتاتور الحقيقي”.
اتبعت أسماء الأسد خطة مدروسة لإطاحة أبرز منافسيها الاقتصاديين وإخضاع البقية، وأهمهم رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، الذي كان يسيطر على أكثر من نصف الاقتصاد السوري، إذ تمت مصادرة أصوله داخل البلاد وبينها شركتا “شام القابضة” و”سيرياتيل”، كما فرضت عليه الإقامة الجبرية فترة محددة قبل خروجه من سوريا.
واستدعت عشرات رجال الأعمال في سبتمبر/ أيلول من العام 2019 إلى فندق شيراتون بالعاصمة السورية دمشق، حيث طلبت منهم إيداع مبالغ مالية كبيرة بالدولار الأميركي في البنك المركزي للمساعدة في استقرار الليرة السورية وسط تهديدات بعدم إطلاق سراحهم إذ لم ينفذوا.
وقالت “فاينينشال تايمز”، إن عمليات المصادرة التي تقوم بها أسماء الأسد بحق التجار ورجال الأعمال تتم من خلال ذرائع قانونية عبر إرسال محاسبين يعملون في الحكومة موالين لها إلى الشركات بشكل عشوائي للعثور على انتهاكات وأخطاء يمكن استغلالها لفرض غرامات كبيرة وباهظة.
وكشف مدير المرصد لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن في حديث لموقع “الحرة” أن أسماء الأسد كانت تقود حملة تصفية لرجال الأعمال المعارضين لروسيا، والمقربين من إيران الأمر الذي قد يعكس علاقتها القوية بموسكو.
أعلن في عام 2018 عن إصابة أسماء بسرطان الثدي، وكانت تبلغ حينها 49 عاماً. شفيت منه في العام التالي، ليتم تشخيص إصابتها مرة أخرى في أيار/مايو الماضي بسرطان الدم النقوي الحاد.
خطة استباقية وفقدان الجنسية
قالت منظمة “Global Witness” الدولية المناهضة للفساد، إن بشار الأسد وعائلته أعدوا على ما يبدو “خطة استباقية” لإقامةٍ طويلة في روسيا، حيث غادرت أسماء وأولادها الثلاثة قبل أيام من سقوط نظام الأسد إلى العاصمة الروسية.
وبحسب المنظمة الدولية، كانت عائلة الأسد قد اشترت في السنوات الماضية 20 شقة فاخرة، تقع معظمها في العاصمة موسكو ضمن مجمع “”The City of Capitals ، وتبلغ قيمتها بين 30 و40 مليون دولار.
اللافت كان موقف ديفيد لامي، وزير الخارجية البريطاني، مساء الإثنين الماضي حين صرح أمام مجلس العموم: “هناك تداول في الأيام الأخيرة حول محاولة أسماء الأسد، التي تحمل الجنسية البريطانية، المجيء إلى بلادنا. أوكد أنها غير مرحب بها”.
وأضاف: “سأبذل قصارى جهدي لضمان عدم إقامة أي من أفراد هذه العائلة في المملكة المتحدة”.
خضعت أسماء للعقوبات الأوروبية، حيث جمدت أصولها المالية في آذار/مارس 2012 بتهمة الاستفادة من الحكومة السورية المرتبطة بها، فيما فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها في عام 2020 معتبرة إياها “من أكبر المستفيدين من الحرب في سوريا”.