وسط مشهد سوري مضطرب، أعلنت “هيئة تحرير الشام”، تكليف المهندس محمد البشير برئاسة حكومة انتقالية حتى آذار/ مارس 2025، ما أثار تبايناً في المواقف. “الهيئة” دافعت عن الخطوة كضرورة لاستعادة الاستقرار عبر إجراءات صارمة، بينما رأى محللون أن نجاح الحكومة مشروط بشفافيتها وشموليتها لتمثيل جميع السوريين. مع تصاعد دعوات لضبط الأمن ونزع السلاح، حذر آخرون من مخاطر هيمنة قوى الأمر الواقع، مما يعكس التحديات الهائلة التي تواجه الحكومة في تحقيق التوازن بين المطالب المحلية والضغوط الدولية وسط أزمات متفاقمة.
وجاء قرار تكليف البشير خلال اجتماع ضم القائد العسكري أحمد الشرع (المعروف سابقاً بأبو محمد الجولاني)، ومحمد الجلالي، رئيس وزراء حكومة النظام السابقة، إلى جانب محمد البشير.
وأعلن محمد البشير، تكليفه رسمياً برئاسة الحكومة الانتقالية المؤقتة في سوريا، وتسيير الأعمال حتى أول مارس 2025.
وقال في تصريحات تليفزيونية، اليوم الثلاثاء، إنه “حضر جلسة اليوم تضم وزراء حكومة الإنقاذ ومجلس الوزراء السابق؛ لنقل الملفات بينهما وتسيير الأعمال”.
وأوضح أنه سيتم حل الأجهزة الأمنية وإلغاء قوانين الإرهاب، مؤكدة أن “ضبط الأمن وتقديم الخدمات والانتقال السلس أولويات في حكومة تصريف الأعمال”.
اقرأ أيضاً: من هو محمد البشير المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة في سوريا؟ – 963+
وأنهت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، على دمشق، 53 عاماً من سيطرة عائلة الأسد على السلطة، وفر الأسد الابن وعائلته إلى روسيا التي أعلنت منحهم حق اللجوء لأسباب إنسانية.
وفجر الأحد الماضي، سيطرت المعارضة المسلحة على العاصمة دمشق بعد انسحاب قوات النظام السوري السابق من المؤسسات العامة. هذه اللحظة التاريخية شهدت نهاية حكم حزب البعث الذي استمر لأكثر من ستة عقود.
تضارب التصريحات بشأن أولويات الحكومة الجديدة
بحسب بيان لإدارة العمليات العسكرية التابعة لعملية “ردع العدوان”، فإن الحكومة الجديدة ستبدأ عملها فور تشكيلها، مع التأكيد على “إجراءات تنظيمية صارمة” مثل حظر التجوال في عدة مناطق من الساعة 5 مساءً حتى 5 صباحاً، ووضع سقف لشراء الخبز بهدف الحفاظ على المخزون وضمان توزيعه بشكل عادل. كما شددت على منع استخدام “دماء الشهداء” في تصفية الحسابات الشخصية أو لتحقيق مصالح فردية.
من جهة أخرى، أوضح المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية في حكومة “الإنقاذ”، عبيدة الأرناؤوط، لموقع “963+” أن “المرحلة الجديدة تهدف إلى استيعاب مختلف شرائح المجتمع ضمن الدولة الجديدة، مع التركيز على إدارة المناطق المحررة حديثاً عبر هيئات أكاديمية مختصة تراعي ثقافة المجتمع المحلي”.
بالمقابل، عبّر الديبلوماسي السوري بشار علي الحاج علي، ويقيم في النمسا، عن رؤية مغايرة، داعياً إلى “تشكيل حكومة انتقالية تعتمد على آليات شفافة وديموقراطية”.
واعتبر الحاج علي في حديث لـ”963+” أن هذه الحكومة “يجب أن تكون ممثلة لجميع مكونات الشعب السوري، وأن يتم تشكيلها تحت إشراف محايد لضمان نزاهة العملية”.
وشدد الحاج علي، على ضرورة “دعوة جمعية تأسيسية وطنية تضم كافة الأطياف السياسية والمكونات العرقية والدينية، والعمل على صياغة قانون انتخابات مؤقت”. كما أكد على أهمية “ضمان العدالة الاجتماعية من خلال سياسات تضمن توزيعاً عادلاً للثروات وحقوق المواطنين”.
تحذيرات أممية وتحديات
الإعلان عن تشكيل حكومة انتقالية جديدة تهدف إلى تسيير شؤون البلاد في المرحلة القادمة، أثارت تساؤلات من نشطاء عن المناطق التي لا تزال خارج سيطرة هيئة تحرير الشام، خاصة في شمال شرقي سوريا، وكيف سيتم إدارتها.
وحذر مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، اليوم، من مخاطر اندلاع اقتتال بين الفصائل المسلحة، داعياً إلى إشراك عرقيات مختلفة لتجنب التصعيد، مؤكداً أن الغارات الإسرائيلية في سوريا تُشكل مصدر قلق ويجب أن تتوقف.
بيدرسون شدد على ضرورة ترتيبات انتقالية شاملة لدعم بناء سوريا جديدة، مشيراً إلى استمرار الصراع في شمال شرقي البلاد وتوقف عمليات السرقة في دمشق. وأوضح أن تطبيق ترتيبات انتقالية جيدة قد يؤدي إلى إنهاء العقوبات وعودة اللاجئين وتحقيق العدالة.
في سياق متصل، أوضح الدكتور خالد زين الدين، رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية، أن “أحمد الشرع يواجه ضغوطاً دولية كبيرة لتشكيل حكومة انتقالية جامعة”. وأضاف أن “التحدي الأكبر يتمثل في ضبط الأمن الداخلي ونزع السلاح، مع تأمين الاحتياجات الأساسية للشعب، مثل الرعاية الصحية والتعليم”.
وأشار زين الدين، الذي يقيم في بروكسل، في حديث لـ”963+” إلى “خطر التقسيم الذي يهدد وحدة سوريا”، داعياً إلى “العمل بحكمة لتجنب الانزلاق في صراعات جديدة”.
لكنه نوّه بوجود “مؤشرات إيجابية من تصريحات المعارضة المسلحة، التي أشارت إلى توجه نحو التعايش المشترك وبناء دولة ديموقراطية قائمة على حقوق المواطنين”.
من جهته، قال روبرت وود نائب السفيرة الأميركية في مجلس الأمن إن الوضع في سوريا متقلب ويتغير يومياً، مضيفاً أن مجلس الأمن يعمل على إصدار إعلان مشترك لدعم الحل السياسي.
كما شدد أعضاء مجلس الأمن الدولي خلال اجتماعهم الطارئ بشأن سوريا أمس الإثنين، على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وحماية المدنيين.
الدكتور حسان فرج، الخبير في العلوم الديبلوماسية، ويقيم في فرنسا، أكد على أهمية “إعادة الأمن والنظام سريعاً من خلال نشر قوات الشرطة وتطمين المواطنين، بما في ذلك أولئك المحسوبين على النظام السابق”. كما دعا إلى “صياغة دستور جديد يضمن وحدة الأراضي السورية وحقوق جميع المواطنين دون تمييز”.
وطرح فرج نقاطاً حاسمة يجب أن تعمل الحكومة المؤقتة على تحقيقها، منها: “التصدي للتحركات الإسرائيلية في الجولان والقصف المتكرر، تأمين عودة اللاجئين وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، إنشاء جيش وطني وجهاز أمني جديد لحماية الوطن”.
تحديات المرحلة الانتقالية
يتفق جميع الأطراف على أن المرحلة المقبلة في سوريا تحمل تحديات كبيرة تشمل إعادة الأمن والاستقرار، نزع السلاح، وإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع. لكن الاختلاف الجوهري يكمن في كيفية تشكيل الحكومة المؤقتة وآليات العمل التي ستتبعها لتحقيق هذه الأهداف.
وبين دعوات الشمولية والشفافية من جهة، والإجراءات التنظيمية الصارمة من جهة أخرى، يبرز تكليف محمد البشير برئاسة الحكومة الانتقالية كخطوة تحمل معها آمالاً كبيرة لكنها محفوفة بالتحديات. نجاح هذه الحكومة يعتمد على قدرتها في تحقيق التوازن بين مطالب القوى المحلية والمجتمع الدولي، والعمل على بناء دولة قائمة على أسس العدالة والمساواة للجميع.