دمشق
مع سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، إثر هجوم خاطف لفصائل المعارضة السورية بقيادة “هيئة تحرير الشام”، دخلت سوريا مرحلة جديدة تحمل فرصاً وتحديات. الولايات المتحدة ترى في الحدث فرصة لدعم تطلعات الشعب السوري لكنها تخشى فراغاً أمنياً يعيد نشاط “التنظيمات الإرهابية”، ما دفعها لإعادة تقييم مواقفها تجاه المعارضة. في المقابل، يعتمد الاتحاد الأوروبي مقاربة حذرة، متمسكاً بأولوية حقوق الإنسان وحماية الأقليات، مع دعوات لانتقال سياسي شامل يضمن وحدة سوريا. هذه التطورات تضع المجتمع الدولي أمام اختبار دقيق لتحقيق الاستقرار في سوريا الجديدة.
وأنهت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، على دمشق، 53 عاماً من سيطرة عائلة الأسد على السلطة، وفر الأسد الابن وعائلته إلى روسيا التي أعلنت منحهم حق اللجوء لأسباب إنسانية.
وفجر الأحد الماضي، سيطرت المعارضة المسلحة على العاصمة دمشق بعد انسحاب قوات النظام السوري السابق من المؤسسات العامة. هذه اللحظة التاريخية شهدت نهاية حكم حزب البعث الذي استمر لأكثر من ستة عقود.
وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية، أُعلن أن الأسد قرر التنحي ونقل السلطة بشكل سلمي، فيما شهدت الشوارع احتفالات واسعة مع ارتفاع أعلام المعارضة.
وحذر مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، اليوم، من مخاطر اندلاع اقتتال بين الفصائل المسلحة، داعياً إلى إشراك عرقيات مختلفة لتجنب التصعيد. وأكد أن غارات إسرائيلية في سوريا تُشكل مصدر قلق ويجب أن تتوقف.
بيدرسون شدد على ضرورة ترتيبات انتقالية شاملة لدعم بناء سوريا جديدة، مشيرًا إلى استمرار الصراع في شمال شرقي البلاد وتوقف عمليات السرقة في دمشق. وأوضح أن تطبيق ترتيبات انتقالية جيدة قد يؤدي إلى إنهاء العقوبات وعودة اللاجئين وتحقيق العدالة.
من جهته، قال روبرت وود نائب السفيرة الأميركية في مجلس الأمن إن الوضع في سوريا متقلب ويتغير يومياً، مضيفاً أن مجلس الأمن يعمل على إصدار إعلان مشترك لدعم الحل السياسي.
كما شدد أعضاء مجلس الأمن الدولي خلال اجتماعهم الطارئ بشأن سوريا أمس الإثنين، على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وحماية المدنيين.
اقرأ أيضاً: مجلس الأمن يدعو لوحدة سوريا وحماية المدنيين – 963+
المواقف الدولية: قلق وترقب
بينما أعربت العواصم الغربية عن ارتياحها لنهاية حقبة الأسد، أبدت مخاوفها من تكرار سيناريو الفوضى الذي شهدته ليبيا عقب سقوط معمر القذافي.
الرئيس الأميركي جو بايدن، وصف الحدث بأنه “فرصة تاريخية للشعب السوري”، لكنه حذر من أن البلاد قد تواجه مخاطر جديدة.
نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، سابرينا سينغ، أكدت استمرار تقييم الوضع وأعربت عن قلقها من عودة تنظيم “داعش”، محذرة من ضرورة ملء الفراغ الذي قد ينشأ عن انهيار النظام.
وصرح المتحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي، أنور العنوني، أن الكتلة الأوروبية تراقب الوضع في سوريا عن كثب، مشيراً إلى أن “هيئة تحرير الشام” لا تزال على قائمة الإرهاب الأوروبية، وأن أي تغيير في الموقف تجاهها سيعتمد على تقييم أفعالها، لا سيما في ما يتعلق بحماية الأقليات والالتزام بالقوانين الدولية.
وناقش المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الوضع في سوريا خلال اجتماع عُقد أمس الاثنين. وأكد البيان المشترك على أهمية العمل مع القادة الجدد في سوريا على أساس احترام حقوق الإنسان وحماية الأقليات.
وشدد الزعيمان على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها، واتفقا على تعزيز دور الاتحاد الأوروبي في دعم عملية سياسية شاملة.
اقرأ أيضاً: بيدرسون يحذّر من اندلاع صراع بين الفصائل السورية – 963+
“تحرير الشام وقائمة الإرهاب”
وبدأت إدارة بايدن مشاورات مع شركاء إقليميين مثل تركيا للتواصل مع جماعات المعارضة السورية. المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، أشار إلى أن واشنطن تمتلك قنوات للتواصل مع مختلف الأطراف، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام” التي ما زالت مصنفة كمنظمة “إرهابية”.
ورغم ذلك، ذكر مسؤول أميركي رفيع في تصريح لـ”واشنطن بوست” أن الولايات المتحدة قد تدرس إزالة “هيئة تحرير الشام” من قائمة “الإرهاب” بهدف تسهيل التواصل وضمان الاستقرار في سوريا.
وعلقت وزارة الخارجية الألمانية، الاثنين، على إمكانية رفع الحظر عن هيئة تحرير الشام في سوريا، مشيرة إلى أن معاملتها للأقليات هي التي “ستحدد موقفنا منها”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، إن “طريقة تعامل هيئة تحرير الشام مع الأقليات في سوريا ستحدد موقف الحكومة الألمانية تجاه الهيئة”.
اقرأ أيضاً: واشنطن تبدي استعدادها للعمل مع “كافة المجموعات” في سوريا – 963+
وكان قد قال وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني، بات مكفادن، إن بلاده قد تعيد النظر في رفع حظرها عن هيئة تحرير الشام، التي تقود تحالف قوات المعارضة السورية الذي ساعد في الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، كمنظمة محظورة.
وردا على سؤال عما إذا كانت الحكومة البريطانية ستنظر في رفع الحظر عن هيئة تحرير الشام مرة أخرى، قال مكفادن في تصريح لشبكة “سكاي نيوز”: “سننظر في الأمر. وأعتقد أن ذلك سيعتمد جزئيا على ما سيحدث من حيث طريقة تصرف الجماعة الآن”.
يشار إلى أن الهيئة كانت قد قطعت علاقتها بتنظيم “القاعدة” منذ سنوات وتحاول تحسين صورتها من خلال التركيز على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها وبناء هياكل مدنية.
وفي عام 2013، أدرجت الولايات المتحدة الجولاني على قوائم الإرهاب، قائلة إن تنظيم القاعدة في العراق كلفه بالإطاحة بحكم الأسد وإقامة الشريعة الإسلامية في سوريا، وإن “جبهة النصرة” نفذت هجمات انتحارية أسفرت عن مقتل مدنيين وتبنت رؤية طائفية عنيفة.