فجر الأحد 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أعلنت إدارة العمليات العسكرية عن سيطرتها على العاصمة السورية دمشق بشكل كامل، بعد السيطرة على مدينتي حماه وحمص وسط البلاد، وحلب في شمالها، وذلك في عملية عسكرية أطلقتها في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، تحت عنوان “ردع العدوان”.
فرّ الرئيس السوري السابق بشار الأسد على متن طائرة خاصة، عقب دخول فصائل المعارضة المسلحة إلى دمشق، لتعلن وكالة “تاس” الروسية بعد ذلك أن القيادة في موسكو منحته وعقيلته أسماء وأفراد عائلته حق اللجوء في روسيا “لأسباب إنسانية”.
نشوة مؤقتة
يصف صبرة القاسمي، الحقوقي والخبير في شؤون الحركات الجهادية والمقيم في القاهرة، إن نشوة النصر التي تشعر بها “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً” وفصائل المعارضة الأخرى بإسقاط النظام السوري بأنها “مؤقتة”، موضحاً “أن مستقبل سوريا سيكون مظلماً بوجود تيارات جهادية تحاول أن تتجمل، لكنها لن تصمد على تقيتها وخداعها”.
ويقول القاسمي لـ”+963″ إن “هيئة تحرير الشام” وباقي فصائل المعارضة هي “دمى يستخدمها الرئيس التركي رجب أردوغان، ويسوقها للذبح، واعتقد أن الهيئة والفصائل المتحالفة معها ستحاول إعادة إنتاج تجربة طالبان في أفغانستان، وهو ما لن تسمح به الولايات المتحدة لأنها تعلمت الدرس، وكذلك روسيا، كما أن طبيعة الشعب السوري تصطدم بطبيعة هذه الجماعات وعقيدتها”.
أما المحلل السياسي علي ناصر، المقيم في العاصمة العراقية بغداد، فيرى أن انهيار النظام السوري ليس بأهمية المرحلة التي ستلي سقوطه، مستشهداً بالتجربة العراقية، ويقول لـ”963+”: “سقط النظام البعثي في العراق في 2003، لكن العراق ما زال يعاني حتى الآن أزمات لا تنتهي”.
قلق من الإسلام السياسي
ويتحدث ناصر عن مخاوف تساور السوريين ودول الجوار من تمدد الإسلام السياسي وتأثيره في شكل الدولة السورية، ويقول: “ليس المطلوب اليوم عملية سياسية تُنقذ البلاد من الانهيار فحسب، بل المطلوب أيضاً ضمانات تحمي التنوع السوري، وضروري أن يكون هناك مساعٍ لتأسيس دولة مدينة تعددية حديثة، تحت مظلة وطنية جامعة، فالإسلام السياسي لن ينجح في التأسيس لمستقبل سوريا، خصوصاً أنه فشل في دول كثيرة أخرى”.
يعقب القاسمي بالقول: “ممكن أن يحل أبو محمد الجولاني هيئة تحرير الشام، ويتحول إلى مشروع وطني في سوريا، لكن ثمة عوامل عدة يجب أخذها في الحسبان، أولها مدى استعداد الجولاني نفسه للتخلي عن فكر التنظيمات المتطرفة التي نشأ فيها”.
والعامل الآخر، بحسب الخبير المصري، هو مدى تقبل المجتمع السوري للجولاني قائداً وطنياً بعد سجله الحافل في صفوف الجماعات الجهادية المسلحة، ومنها ’القاعدة‘ و’داعش‘ (التنظيم المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفي دول عربية وآسيوية أخرى)، ويعتقد القاسمي “أن محاولات بعض الأطراف الدولية الداعمة للجولاني تغيير صورته في ذهن المواطن السوري والعربي من أجل أن يتقبلوه ستبوء بالفشل”.
البشير متشدد
وينوه المحلل العراقي أيضاً إلى أن “تصريحات الجولاني الأخيرة وحديثه عن حلّ الهيئة، وخلعه الطابع الإسلامي المتشدد، وإصدار قرارات تمنع المساس بلباس النساء، تدلّ على أن هناك تغيير في الواجهة، لكنه تغيير مؤقت، فمن سيشكل الحكومة الانتقالية هو محمد البشير، المتشدد وأستاذ الشريعة الإسلامية، وكان رئيس وزراء خامس لما يسمى حكومة الإنقاذ”.
وكانت “هيئة تحرير الشام” وفصائل معارضة متحالفة معها قد كلفت الاثنين المهندس محمد البشير تشكيل حكومة سورية جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية في البلاد، من منطلق أنه قاد “حكومة الإنقاذ” في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا.
كما أصدرت القيادة العامة للفصائل المسلحة سلسلة قرارات جديدة تمنع تصفية الحسابات والثأر، والتدخل بلباس النساء، والتعرض للإعلاميين العاملين في الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة، وتفرض عقوبات بالسجن لكل من يخالف القرارات.
تداعيات مختلفة
يقول الكاتب السياسي آلان بيري، المقيم في فيينا، لـ “+963” إن سوريا ستشهد حالة من الفوضى والانشغال بإزالة آثار النظام السابق، خصوصاً تلك المتعلقة بالسجون وإزالة التماثيل والصور والرموز. ويضيف: “وستشهد سوريا أيضاً تدخلات خارجية مكثفة، وهذا يحصل الآن، حيث تشن تركيا هجمات مكثفة على مناطق ’الإدارة الذاتية لمناطق شمال وشرق سوريا‘، وتواصل إسرائيل التوغل في الأراضي السورية، واستهداف مواقع عسكرية داخل سوريا، خوفاً من انتقال الأسلحة النوعية إلى أيدي الفصائل المعارضة”.
وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي قد أعلنت أن سلاح الجو شن اليوم الإثنين أكثر من 150 غارة على أهداف عسكرية داخل الأراضي السورية، موضحةً أن الهجمات ركزت على الدبابات والطائرات والمروحيات العسكرية التابعة للدولة السورية.
وعن تداعيات انهيار النظام السوري على المديين المتوسط والبعيد، يقول بيري: “نترقب تشكيل حكومة انتقالية، مهمتها تمهيد الطريق لنقل السلطة التشريعية، والقضائية والتنفيذية بطريقة سلمية، ثم يُفترض بعد ذلك صوغ دستور جديد للبلاد، ثم إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، بما فيها وزارت الدفاع والداخلية والخارجية”.
تركيا تعكر صفو السوريين
وبحسب الكاتب السياسي نفسهه، لبناء حكومة ودولة جديدة يتوجب أولاً على الهيئة أن تحصر السلاح بيد وزارة دفاع مؤقتة وتمنع المظاهر المسلحة في الشوارع، وثانياً التواصل مع قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، والمؤسسات الأمنية ذات الصلة، للتوصل إلى صيغة مُشتركة تمهيداً لنقل السلطة.
وإن لم تُبدِ “الهيئة” استعدادها للقيام بالخطوات سابقة الذكر، يقول: “حينها، يمكن القول إنها غير جاهزة بعد للانخراط في عملية انتقال سياسي سلمي للسلطة، وهذا قد يدفع بعض الأطراف للتدخل ولعب دور الوساطة”، مضيفاً: “يمكن تركيا أن تعكر صفو الشركاء السوريين في التوصل إلى اتفاق سياسي يخدم الجميع، وهذا ما لمحنا آثاره بعد ساعات من سقوط النظام بدمشق”.
وكان مجلس منبج العسكري، التابع لـ “قسد”، قد أعلن إن فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من أنقرة شنت هجمات عنيفة على محاور في مدينة منبج شمالي سوريا، بدعم جوي من تركيا.
ويوضح القاسمي أيضاً أن مستقبل الأكراد في سوريا “يواجه تحديات كبيرة في ظل التطورات الأخيرة مع محاولات توغل الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا في منبج، وهذا يثير المخاوف من تصعيد الصراع وتشريد المدنيين الكرد وتفشي العنف تجاه الشعب الكردي”.
الانخراط في العملية السياسية
ينوه بيري إلى أن المطلوب من “قسد” والإدارة الذاتية، “بوصفهما يمُثلان شريحة كبيرة من المُجتمع السوري ويحكمان مساحة واسعة من الجغرافيا السورية، أن يبديا استعدادهما للانخراط في العملية السياسية المقبلة، فعلى ’قسد‘ أن تبدي استعدادها للانضمام إلى جيش وطني موحد، مهمته الدفاع عن الأراضي السورية، وعلى ’الإدارة الذاتية‘ أن تتأقلم مع الوضع الجديد، وأن تحدّد إطار لا مركزيتها بما يتماشى مع الوضع الجديد، الذي سيترسخ دستوريَّاً”.
وعن تداعيات سقوط النظام السوري على دول الجوار، يقول القاسمي: “للوضع في سوريا تداعيات كبيرة على دول الجوار، والخشية الحقيقية من انتشار الجماعات المتطرفة مثل تنظيمي ’القاعدة‘ و’داعش‘، إضافة إلى احتمال تصاعد الصراع بين الفصائل المسلحة المختلفة، وهذا يمكن أن يزعزع الاستقرار في المنطقة كلها”.
ويتابع القاسمي: “غياب الاستقرار في المنطقة قد يُصعّب السيطرة على الحدود، ومنع الفصائل المسلحة من التحرك بحرية، ما قد يؤدي إلى انتشارها بشكل أوسع في دول الجوار”.
عندها، بحسب ناصر، ستتعامل حكومات دول الجوار السوري بشكل أو بآخر مع الحكومة الجديدة، “لكن إن كان ثمة إرهاب وتشدد، فهذا التعاون سيخفت مع الوقت، إلى أن يختفي تدريجياً، وستتعرض الحكومة الانتقالية لضربات إن تجاوزت حدودها، وحاولت زعزعة أمن الجوار والمصالح الأميركية في المنطقة”.