أصبحت “هيئة تحرير الشام” تسيطر على كبرى المدن في سوريا بما في ذلك العاصمة دمشق، بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد وفراره إلى روسيا، وانتشرت على إثر ذلك أنباء ومعلومات عن خطط لإنشاء “جيش موحد” والتوجه لحل فصائل مسلحة بما في ذلك “الجيش الوطني السوري”، فهل تشهد البلاد صدامات جديدة بين الأطراف العسكرية، وما مدى إمكانية القدرة على حل الفصائل؟
فجر الأحد 8 كانون الأول/ ديسمبر، أعلنت إدارة العمليات العسكرية سيطرتها على دمشق بشكل كامل، بعد السيطرة على مدينتي حمص وحماة وسط البلاد، وحلب في الشمال والتي توصف بالعاصمة الاقتصادية، لتنهي بذلك حقبة عمرها أكثر من 50 عاماً من حكم الأسد الأب والابن، رافق ذلك حديث عن عمليات تغيير واستعداد “هيئة تحرير الشام” لحل نفسها، ودعوتها لحل فصائل أخرى، ما فتح الباب لتساؤلات قديمة جديدة تتعلق بإمكانية الوصول إلى “جيش موحد”، في ظل التوجهات والولاءات المختلفة.
ولوحظ خلال سيطرة “تحرير الشام” على العاصمة دمشق، انتشار بالمدينة لفصائل أخرى تابعة لـ”غرفة عمليات الجنوب” خاصةً من “الفيلق الخامس” الذي يضم فصائل محلية من درعا، حيث أشرف عناصر من الفيلق على تأمين خروج رئيس الحكومة السابقة محمد غازي الجلالي إلى أحد الفنادق لبحث تسليم السلطة، ما أثار المخاوف رغم الحديث عن التنسيق مع إدارة العمليات العسكرية، من حدوث صدام بين الطرفين خلال الفترة المقبلة يتعلق بالنفوذ في العاصمة.
اقرأ أيضاً: مصير سوريا.. هل تعيد التاريخ وتصبح ليبيا جديدة؟
“هيئة تحرير الشام” تطالب بحل “الجيش الوطني”
وبموازاة إطلاق “هيئة تحرير الشام” وفصائل أخرى عمليتها العسكرية التي أطلقت عليها اسم “ردع العدوان” في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بدءاً من محافظتي حلب وإدلب، أطلقت فصائل “الجيش الوطني” عملية أخرى تحت مسمى “فجر الحرية” بريف حلب الشرقي، أسفرت عن السيطرة على عدة مناطق بينها الشهباء وتل رفعت بعد انسحاب “قوات تحرير عفرين”، وسط توترات كبيرة مع “الهيئة” وصلت إلى إصدار هذه الفصائل بيان إدانة لممارستها التي وصفتها “متناقضة مع دعوات الوحدة”.
مصادر خاصة كشفت لموقع “963+” اليوم الإثنين، أن “هيئة تحرير الشام طلبت بعد سيطرتها على العاصمة دمشق وإسقاط حكم الرئيس السوري السابق بشار الأسد، بحل الجيش الوطني المدعوم من تركيا، كخطوة نحو حل جميع الفصائل والوصول إلى “جيش سوري موحد”
وكان مصدر في فصائل المعارضة المسلحة قد أفاد لموقع “963+”، أن “الخلافات بدأت بعد مطالبة تحرير الشام من فصائل الجيش الوطني إخلاء المواقع التي سيطرت عليها بريف حلب الشمالي”، مضيفاً أن “عملية ردع العدوان التي أطلقتها الهيئة أدت لتوسيع سيطرتها بحلب وإدلب، ما أثار غضب “الجيش الوطني” الذي اعتبرها تهديداً مباشراً لنفوذه، خاصةً بعد مطالبتها لبعض الفصائل بإخلاء مواقعها شمالي حلب”.
اقرأ أيضاً: خلافات “الهيئة” والجيش الوطني السوري.. صراع النفوذ والوجود
هذه التوترات سلطت الضوء على خلافات عميقة بين “الهيئة” وفصائل “الجيش الوطني” الذي يتهم بالولاء المطلق لتركيا وتنفيذ توجيهاتها وأجنداتها والائتمار بأمرها، وأظهرت جانباً من العوائق التي يمكن أن تقف أمام خطط حل الفصائل وتشكيل “جيش موحد” يضم بين صفوفه قياديين وعناصر من أطراف وقوى تختلف بالتوجهات والمرجعيات والإيديولوجيا.
الأسماء المدانة بانتهاكات عقبة أمام تشكيل جيش
العميد خالد حميدي، مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات، اعتبر أن “عملية تشكيل جيش موحد في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، سيرافقها إقصاء أطراف وأسماء مدانة بارتكاب انتهاكات بحق الشعب السوري، وسيكون هذا أحد أبرز العقبات أمام هذه الخطط، وذلك رغم أنه سيكون هناك تشكيل جيش كجزء من مرحلة انتقالية سيتم العمل عليها في سوريا”.
ويقول في تصريحات لموقع “963+”، إن “هناك إصراراً وإجماعاً على ألا يكون هناك دمج بين الولاءات السياسية وبين الدولة التي ستشغل المساحة العامة في سوريا، لذلك ستمر مسألة إعادة تكوين المؤسسات الأمنية والعسكرية في مقدمتها الجيش، خاصةً في ظل رعاية دولية لهذا التوجه”.
لكن الخبير العسكري والاستراتيجي ناجي ملاعب، يؤكد لـ”963+”، أن “شكل العلاقة بين هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة غير واضح المعالم حالياً وهو رهن المرحلة المقبلة في ظل وجود مصالح للدول الداعمة لكل فصيل، وعليه يكون السؤال هو هل السيطرة السريعة لتحرير الشام جاءت باتفاق مع القوى الأخرى، ووفق خطة روسية أميركية فرضت على الدول الإقليمية؟”.
اقرأ أيضاً: لماذا تدفع تركيا فصائل “الجيش الوطني” نحو مناطق الإدارة الذاتية؟
وشهدت مناطق سيطرة الفصائل شمالي سوريا على مدى السنوات الماضية عمليات اقتتال متكررة فيما بينها لأسباب مختلفة أبرزها تتعلق باختلاف التوجهات والمرجعيات والولاء، ومناطق السيطرة والنفوذ، وكان آخرها شن فصيلي “العمشات” و “الحمزات” المدعومين من تركيا منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هجوماً على مواقع فصيل “لواء الشمال” بريف حلب الشمالي، تخلل ذلك اشتباكات عنيفة ما أسفر عن قتلى وجرحى.
ويتهم “الجيش الوطني” وقيادات فيه بارتكاب انتهاكات خلال السيطرة على مناطق في سوريا، بدءاً من عفرين في الشمال الغربي وصولاً إلى رأس العين (سري كانييه) وتل أبيض بالشمال الشرقي، حيث قال تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية صادر في شباط/ فبراير الماضي، إن “تركيا مسؤولة عن الانتهاكات وجرائم الحرب المحتملة التي ترتكبها الجماعات المسلحة المدعومة منها بحق المدنيين شمالي سوريا”.
مصالح متباينة وغياب الرؤية الموحدة للفصائل
ويحذر الباحث من مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهند الحاج علي خلال تصريحات لموقع “963+”، من أن “غياب رؤية موحدة بين الفصائل المسلحة قد يعيد السيناريو الليبي في سوريا، ويقول إن “التحدي الأكبر خلال هذه الفترة هو منع المصالح المتباينة للفصائل من أن تتحول إلى صراعات داخلية تُضعف الدولة الوليدة”.
وتؤكد تقارير أن “تركيا استخدمت “الجيش الوطني” منذ تشكيله في عام 2017، على أنقاض فصائل مسلحة معارضة، كرأس حربة في عملياتها العسكرية وسعيها لتوسيع نفوذها في سوريا، حيث شنت عناصره بدعم تركي 3 عمليات أسفرت عن السيطرة على مناطق واسعة شمالي البلاد، وأدت أيضاً إلى تغيير في خارطة السيطرة ونزوح آلاف السكان عن منازلهم”، إلى جانب تنفيذه حالياً هجوماً على مدينة منبج بريف حلب الشرقي.
ومنتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قال وزير الدفاع التركي يشار غولر خلال مقابلة مع قناة تلفزيونية تركية، إن ” الجيش الوطني السوري سيكون جزءاً من مستقبل سوريا إذا بقيت دولة واحد”، مضيفاً أن “أنقرة لن تسحب قواتها من سوريا دون شروط واضحة، وهذا ليس خياراً مطروحاً حالياً”.
ووفق هذه المعطيات واستمرار تمسك تركيا بـ”الجيش الوطني” فإنه وبحسب محللين، تبقى خطط تشكيل “جيش سوري موحد” يضم فصائل معارضة وعناصر من القوات الحكومية السابقة، رهن المراحل القادمة، ومدى إمكانية استجابة هذه الفصائل لما يتم الاتفاق عليه، والتخلي عن المكاسب والنفوذ الذي تحظى به حالياً لصالح بناء دولة موحدة يتساوى ويتشارك فيها الجميع.