بيروت
احتفل مئات السوريين بعد ظهر الأحد في ساحة ترافالغار بوسط لندن، بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد، مردّدين عبارة “الشعب السوري واحد”. وهنّأ المحتفلون بعضهم بعضا، بينما حمل عدد منهم علم المعارضة السورية. وهتف المتظاهرون “عاشت سوريا، سقط الأسد”، بينما كانوا يصفّقون.
وقال طارق الجنيدي (35 عاما)، لوكالة “الصحافة الفرنسية” (فرانس برس): “إنه حلم أصبح حقيقة، شيء لم أتخيّل أن أعيشه يوما”.
لم يزُر الجنيدي سوريا منذ العام 2012 بسبب الحرب، ولكنه الآن يخطّط “للعودة بسرعة، في رحلة”.
واضاف: “بشار الأسد؟ إنّه مجرم، خائن”. ولكن الشاب الذي يعمل في مجال المبيعات أبدى “حذرا” بشأن التطورات المقبلة. وقال “حدث كل شيء بسرعة كبيرة”، مضيفا “ولكن الآن، انه وقت الاحتفال”.
من جهتها، قالت ديالا (34 عاما) التي لم ترغب في الكشف عن اسمها الكامل، للوكالة نفسها: “لا يمكن أن يكون الوضع أسوأ من (فترة حكم) الأسد”. وأضافت ديالا التي غادرت سوريا في العام 2011 ولم تعد إليها مذاك: “سوريا بلد متنوّع، لن نسمح أبدا للجهاديين بأن يحكموا البلاد”.
ويعيش السوريون منذ فجر الأحد لحظات استثنائية على وقع الأحداث المتسارعة التي أعقبت هجوما غير مسبوق للفصائل بدأ في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، مع نهاية نحو خمسة عقود من حكم آل الأسد.
وأتى سقوط الرئيس السوري بعد أكثر من 13 عاما على اندلاع تحركات احتجاجية في بلاده قمعتها السلطات بعنف، وتحولت الى نزاع دام أسفر عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص وتهجير الملايين.
وقال حسام الدين بارامو وهو صحافي يبلغ 63 عاما: “لن نترك البلد للمسلّحين”. وقد غادر بارامو سوريا قبل ثلاثين عاما لأنّه معارض ولم يعد أبدا. واذ أعرب عن رغبته في العودة قال “هذا يوم جديد، يوم مهم. أشعر بسعادة غامرة، لقد ولدت من جديد”.
في ألمانيا
وتجمع آلاف السوريين في برلين الأحد للاحتفال بسقوط الأسد، مطلقين أبواق سياراتهم وملوحين بأعلام المعارضة. وقال أحمد (39 عاما)، مكتفيا بذكر اسمه الأول، لـ”فرانس برس”: “نحن سعداء. الديكتاتورية انتهت ورحل الأسد”.
أضاف الفني في شركة السكك الحديد والذي فر من مدينة حلب عام 2015 “كل السوريين بعضهم مع بعض الآن”.
وفي ألمانيا جالية سورية تعد أكثر من مليون شخص هي الأكبر في الاتحاد الأوروبي. وتدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى ألمانيا بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011. ويعيش غالبيتهم في العاصمة برلين، لاسيما في حي نويكولن الذي تقطنه الطبقة العاملة وحيث بدأ التجمع الاحتفالي بشكل عفوي في وقت مبكر من الأحد.
واحتشد عشرات في شارع رئيسي في نويكولن وهم يلوحون بعلم المعارضة الأخضر والأبيض والأسود والأحمر، قبل أن يتجمعوا في ساحة في حي كروزبرغ المجاور. وأحضر العديد منهم أطفالهم الذين زينوا وجوههم برسم العلم السوري المذكور تعبيرا عن فرحتهم وارتياحهم. وسرعان ما توسع الحشد ليضم الآلاف. ورفع البعض علامة النصر وسط هتافات “الله أكبر”.
وشارك أحمد الحلبي البالغ 27 عاما في التجمع الاحتفالي في نويكولن مع طفليه. وقال الميكانيكي من حلب: “سقطت هذه الحكومة أخيرا”. أضاف لـ”فرانس برس”: “قبل عشر سنوات، كنت في سوريا ورأيت أشياء لا ينبغي لأحد أن يراها، أشياء من المستحيل أن تمحوها من ذاكرتك”. وتابع/ “الأسد أسوأ إرهابي يمكن تخيله”، راويا كيف فر من سوريا إلى ألمانيا عام 2015 عبر تركيا واليونان، ومعبراً عن أمله في أن يكون هناك سلام وأن يتم إعادة بناء كل ما دمره الأسد ورجاله.
وقبيل إطاحة الأسد، ومع اقتراب الفصائل المعارضة من العاصمة، كانت “فرانس برس” قد تحدثت إلى أنور البني، المحامي السوري في مجال حقوق الإنسان الذي حصل على حق اللجوء في ألمانيا في عام 2014، فقال: “كنت أعلم أن هذه اللحظة آتية لأنني أؤمن بأن الشعب السوري الذي يطالب بالحرية، سيحصل عليها في النهاية”.
وفي عام 2022، ساهم البني، الذي سُجن في سوريا خمس سنوات، في قضية ضد عقيد سابق في الجيش السوري حكم عليه بالسجن مدى الحياة في ألمانيا بعد ادانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ففي أول محاكمة في العالم تنظر في الانتهاكات التي ارتكبتها حكومة الأسد، دين العقيد أنور رسلان (58 عاما) بقتل 27 سجينا وتعذيب ما لا يقل عن 4 آلاف آخرين بين عامي 2011 و2012 في سجن الخطيب بدمشق. وتمكن البني من التعرف الى رسلان في أحد شوارع برلين.
في أربيل
واحتفل عشرات السوريين الأحد في شوارع أربيل، عاصمة إقليم كردستان بشمال العراق، بسقوط حكم الرئيس السوري، معتبرين أن “سوريا انتصرت”.
وبحسب “فرانس برس”، تجمّع عشرات الرجال والنساء قرب قلعة أربيل التاريخية وحملوا علم “الثورة السورية” ذا النجمات الثلاث، وهتفوا “واحد واحد الشعب السوري واحد”. وكانوا يحملون بعضهم على الأكتاف ويؤدون الرقصات.
وقال يمان أسير (24 عاماً) بابتهاج لوكالة “فرانس برس”: “هجَّرَنا الأسد وقتل شعبه ولم يترك شيئا لم يفعله بنا وجرّب بكل الطرق إنهاء هذه الثورة، لكن الحمدلله الثورة انتصرت بعد 14 عاما”. وتابع: “انتصرت سوريا وسُحق بشار الأسد”.
ويستضيف العراق الذي يعدّ أكثر من 45 مليون شخص، نحو 280 ألف لاجئ سوري مسجّلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يقيم غالبيتهم في إقليم كردستان المتمع بحكم ذاتي.
وأعلنت فصائل المعارضة السورية المسلحة إسقاط الأسد وهروبه من دمشق وبدء عهد جديد في سوريا، إثر دخول قواتها دمشق فجر الأحد عقب هجوم سريع أنهى حكم عائلة الأسد الذي امتد أكثر من خمسة عقود.
وبدأ النزاع السوري في منتصف آذار/مارس 2011 باحتجاجات شعبية ما لبث أن قمعها النظام، ثم تحولت نزاعا مسلحا. وعلى الرغم من خسارة قوات الأسد في السنوات الأولى مساحة كبيرة من الأراضي السورية لصالح مقاتلي المعارضة، عادت واستعادت السيطرة على أجزاء كبيرة منها بعد التدخل الروسي والإيراني دعما لها.
وأوقعت الحرب أكثر من نصف مليون قتيل، فيما نزح أكثر من نصف الشعب السوري داخل سوريا أو إلى الخارج.
أرادة النصر
وأكّد أسير الذي يعمل في شركة للتصميم الداخلي أنه سيستقلّ “أول طائرة” متّجهة إلى سوريا، مشيرا إلى أن كثرا اختاروا في السنوات السابقة عدم العودة “بسبب إلزامية الخدمة العسكرية”. وأضاف “حين تكون هناك إرادة، ينتصر كل شيء”.
واعتبر سليم عيدو (26 عاما) أن “اليوم عيد الاستقلال بالنسبة لنا”، مضيفا: “الشعب السوري يتنفس أخيرا بعد أكثر من 20 سنة من الاستبداد والقمع”.
ورأى الشاب المتحدّر من اللاذقية بغرب سوريا، معقل عائلة الأسد، أن “الكلام عن احتمال حدوث ثورة طائفية هو كلام فارغ”، مشددا على أن “السوريين السنّة والدروز والعلويين والشيعة كلهم شعب واحد”.
ويفتح الانهيار السريع جدا للنظام السوري الباب على مصراعيه أمام المجهول في البلاد المشرذمة جراء الحرب الأهلية التي شاركت فيها فصائل مدعومة من دول أجنبية مختلفة. مع ذلك، قالت سيّدة عرّفت عن نفسها بلقب أمّ شام (40 عاما) لـ”فرانس برس” إنها سعيدة بسقوط النظام “وبالتحرير الكامل وعودة شبابنا، فكفاهم عذابا وقهرا وجلّادين”.
وأضأفت المرأة المقيمة في إقليم كردستان منذ ستة أعوام “إن شاء الله كلّنا سنعود وسيُعاد إعمار سوريا”.
وقالت الكردية السورية سلمى مصطفى (35 عاما) باللغة الكردية إنها تأمل في “تشكيل حكومة تعطي كافة السوريين، عربا وأكرادا وأيزيديين وزرادشتيين، حقوقهم، وتعيين حاكم جيد للبلاد”. وتابعت: “إن شاء الله ستكون السنوات المقبلة سعيدة لنا ولأطفالنا”.
في إسطنبول
واحتشد مئات السوريين صباح الأحد أمام المسجد الكبير في منطقة الفاتح في إسطنبول حيث يقيم حوالى 500 ألف من السوريين الذين لجأوا الى تركيا بعد اندلاع النزاع في بلادهم، معربين عن سعادتهم “بالتخلص” من الرئيس بشار الأسد.
قال محمد جمعة، وهو طالب سوري وصل من حلب قبل ثلاث سنوات “لم أكن أتصور أن ذلك سيحدث يوما ما، ولا حتى في غضون ثلاثة قرون! لم يتوقع أحد ذلك، إنه نصر كبير!”.
وأعربت سوسن الأحمد التي كانت تحمل ابنها الصغير عن بهجتها العارمة بالقول “إنه أمر لا يصدق، ينتابنا شعور كأننا ولدنا من جديد”.
وتنوي هذه الأم التي عانت الحصار الشديد الذي فرضته قوات النظام السوري على حمص في 2011، اصطحاب ابنها “إلى أرضها”، مع انتهاء حكم عائلة الأسد.
ومن ورائها، هتف مئات السوريين تحت المطر الغزير “الله أكبر!”، وهم يلوحون بأعلام الثورة السورية، حتى أن بعضهم دعا إلى إعدام بشار الأسد.
ووسط هذا الصخب الذي تردد صداه على بعد مئات الأمتار، رفع رجل صورة عبد الباسط الساروت، حارس المرمى السوري السابق الذي أنضوى تحت راية الفصائل المسلحة وقتل في اشتباكات مع قوات النظام في 2019.
وأكد إبراهيم المحمد (42 عاما)، وهو واحد من ثلاثة ملايين سوري لجأوا للعيش في تركيا “اليوم هو عيد كبير بالنسبة إلينا، نحن السوريين”.
ووسط مشاهد الفرح، يحاول هذا الأب عبثا إخفاء مشاعره وقال “ابني أصبح معوّقا بسبب الأسد. كنا نعيش في حلب وسقطت قنبلة على المبنى المجاور. أصيب ابني بصدمة نفسية، وفقد القدرة على الكلام. أصبح الآن في الثالثة عشر من العمر وبدأ التحسن قليلا”.
قال أحمد محمد، وهو مدّرس قرآن وصل من حلب قبل أحد عشر عاما إثر انشقاقه عن الجيش السوري “الحمد لله، لقد تخلصنا من الأسد”.
وأضاف “إن شاء الله، سيقطع رأسه”.
في المقابل يقول محمد جمعة إن مصير الأسد “لا يهمني” مضيفا “لقد رحل وهذا هو الشيء الرئيسي. سواء ذهب إلى روسيا أو بيلاروس أو فنزويلا، دعوه يرحل. على أي حال، سيذهب إلى الجحيم”.
ويأمل الآن في أن “تتّحد سوريا كلها تحت راية واحدة”، وقدر أن نصف اللاجئين السوريين في تركيا سيعودون إلى ديارهم.
وقال طالب الهندسة المدنية في جامعة بوغازيتشي المرموقة في اسطنبول إن سقوط الأسد جعله يعيد النظر في أحلامه، موضحا “حتى الأسبوع الماضي، كنت أنوي مواصلة دراسة الماجستير في بريطانيا لكنني الآن أعتقد أني قد أفيد في إعادة إعمار سوريا، لذلك سأعود على الأرجح”.