دمشق
استفاقت العاصمة السورية دمشق، على أصوات التكبيرات من المساجد والزغاريد ووقع الرصاص، ابتهاجاً بإعلان الفصائل المسلحة دخول دمشق وهروب الرئيس السابق بشار الأسد، و”بدء عهد جديد” لسوريا.
كما أطلقت من المساجد نداءات للناس لالتزام منازلهم وعدم الخروج إلى الشارع. رغم ذلك، اندفع العشرات باتجاه ساحة الأمويين في العاصمة السورية للاحتفال، وفق شهود لوكالة الصحافة الفرنسية (ا ف ب).
وأفاد شهود وكالة “ا ف ب” عن انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل عن العاصمة السورية، وسط إطلاق نار كثيف معظمه في الهواء ابتهاجا، بينما انتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر أشخاصا يحتفلون ويهتفون في شوارع دمشق.
وفي حديقة في الوسط التجاري العاصمة، تجمّع العشرات من السكّان محتفلين بسقوط الأسد، هاتفين “الله أكبر”، ثم أسقطوا تمثالاً في المكان للرئيس السابق حافظ الأسد، والد بشار الأسد، وحطموه بالعصي، ووقفوا عليه وهتفوا رافعين شارات النصر.
كما شوهد عناصر فصائل مسلحة يطلقون عيارات نارية في الهواء ويهتفون “سوريا لنا وما هي لبيت الأسد”، في إشارة الى عائلة الأسد التي حكمت سوريا أكثر من خمسين عاماً.
وشاهد أهالي دمشق عشرات الأشخاص من دون بزات عسكرية يخرجوهن من مبنى قيادة الأركان في ساحة الأمويين، بحسب ما تحدثوا لـ”ا ف ب”.
وأخلي مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون من الموظفين بشكل كامل، وفق أحد الموظفين السابقين في التلفزيون الذي لا تزال لديه صلات مع التلفزيون.
وفي أحياء دمشق القديمة، هتف شبان “الشعب السوري واحد”، في رسالة تطمين للأقليات التي تقطن هناك. وزغردت نساء من شرفات المنازل في حي الشاغور فيما رشّ بعضهن الأرز على مسلحين كانوا يتجوّلون ويطلقون النار في الهواء.
ووسط الفرحة التي عمت العاصمة دمشق، سمعت أصوات خمسة انفجارات ضخمة لم يعرف مصدرها فيما يرجح أنها ناجمة عن قصف مدفعي أو انفجارات في مستودعات ذخيرة، وفق ما نقل عسكري رفض الكشف عن هويته لـ”ا ف ب”.
وأضاف العنصر الذي يخدم في أحد الفروع الأمنية: “طلب منّا رئيسنا المباشر الإخلاء والتوجه إلى منازلنا، فعرفنا أن كل شيء انتهى”.
كما استبدل إعلاميون سوريون وموظفون حكوميون وحتى أعضاء في مجلس الشعب صورهم الشخصية على منصة “فيسبوك”، بصورة العلم الذي تستخدمه المعارضة.
وكتب وضاح عبد ربه، رئيس تحرير جريدة “الوطن” التي كانت محسوبة على السلطات، “الإعلام السوري والإعلاميون لا ذنب لهم، كانوا وكنا معهم ننفذ التعليمات فقط وننشر الأخبار التي يرسلونها لنا”.
وكتب الممثل السوري المعروف أيمن زيدان من جهته على موقع “فيسبوك”، “أقولها بالفم الملآن كم كنت واهما، ربما كنا أسرى لثقافة الخوف، أو ربما خشينا من التغيير لأننا كنا نتصور أن ذلك سيقود الى الدم والفوضى”.
وأضاف زيدان: “لكن ها نحن ندخل مرحلة جديدة برجال أدهشنا نبلهم في نشر ثقافة التسامح والرغبة في إعادة لحمة الشعب السوري”.
وقيّد نظام حزب البعث خلال فترة حكمه الحريات ومن بينها حرية الإعلام، حيث لم يكن متاحاً العمل سوى للإعلام الرسمي أو المقرّب من النظام.
وعبر تطبيق تلغرام، كانت فصائل المعارضة المسلحة تعلن “الطاغية بشار الأسد هرب”، بعد دخولها دمشق.
وأضافت “بعد 50 عاما من القهر تحت حكم البعث، و13 عاما من الإجرام والطغيان والتهجير (…) نعلن اليوم (…) نهاية هذه الحقبة المظلمة وبداية عهد جديد لسوريا”، كما دعت السورين المهجرين في الخارج للعودة إلى “سوريا الحرة”.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لـ”ا ف ب” إن “الأسد غادر سوريا عبر مطار دمشق الدولي، قبل أن ينسحب عناصر الجيش والأمن” من المطار.
وفي شريط فيديو مسجّل نشر على حسابه على “فيسبوك”، قال رئيس الحكومة السورية محمد الجلالي “مستعدون للتعاون مع أي قيادة يختارها الشعب (..) بحيث نقدم لهم كل التسهيلات الممكنة”.
ودعا زعيم “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) قواته إلى عدم الاقتراب من المؤسسات العامة، مشيراً الى أنها “ستبقى تحت إشراف رئيس الوزراء السابق حتى تسليمها رسمياً”.
وصدرت أوامر لقوات النظام السابق وعناصر “حزب الله”، بالانسحاب من محيط دمشق وفي حمص باتجاه لبنان ومنطقة الساحل السوري فجر الأحد.
الحرب السورية التي استمرت لمدة 13 عاماً، انتهت أخيراً في 13 يوماً، حيث تتالت الإعلانات بسرعة مذهلة بعد إعلان “هيئة تحرير الشام” وحلفائها، التي بدأت منذ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر هجوماً واسعاً سيطرت خلاله على مساحات واسعة من البلاد في الشمال والوسط، حتى دخلت دمشق أمس السبت وأعلنت اليوم سقوط نظام الأسد.
ويُعدّ نطاق هذا الهجوم غير مسبوق منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة للأسد عام 2011، والتي قمعتها السلطات بعنف، قبل أن تتحول نزاعا داميا أسفر عن مقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين وتتسبب بدمار واسع.
وجاء دخول العاصمة السورية بعد ساعات على تأكيد فصائل المعارضة سيطرتها على حمص ثالث مدن البلاد.
وفي واشنطن، أعلن البيت الأبيض ليل السبت ـ الأحد أن الرئيس الأميركي جو بايدن يتابع عن كثب “الأحداث الاستثنائية” التي تجري في سوريا.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي شون سافيت في بيان على وسائل التواصل الاجتماعي إن “الرئيس بايدن وفريقه يراقبان الأحداث الاستثنائية في سوريا عن كثب وهما على اتصال دائم مع شركائنا الإقليميين”.
وأفادت فصائل معارضة، فجر الأحد، بفتح أبواب سجن صيدنايا العسكري الواقع قرب دمشق وهو من الأكبر في سوريا والذي تفيد منصات غير حكومية بتعرض المساجين فيه للتعذيب.
وكتبت المعارضة السورية المسلحة، عبر موقع تلغرام “نزفّ إلى الشعب السوري نبأ تحرير أسرانا وفك قيودهم، وإعلان نهاية حقبة الظلم في سجن صيدنايا”.
وقبل ساعات على دخول دمشق، وصف الشرع السيطرة على كامل مدينة حمص، ثالث كبرى مدن سوريا، بـ”الحدث التاريخي الذي سيفصل بين الحق والباطل”. وأسقط سكان معظم المحافظات والمدن السورية، تماثيل الأسد الأب.
وتراجعت قوات النظام السابق، بشكل كبير وغير متوقع خلال الأيام الماضية في الميدان. وخسرت الحكومة السبت سيطرتها على محافظة درعا بعد سيطرة مقاتلين من فصائل معارضة على مدينة رئيسية، حسب المرصد.
وأمس السبت، سيطرت فصائل معارضة مسلحة على مدينة القنيطرة، مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، على بعد نحو 12 كيلومتراً جنوب حضر.
وسمحت السلطات العراقية بدخول “مئات” الجنود السوريين “الفارّين من الجبهة” إلى العراق عن طريق معبر القائم الحدودي، على ما أفاد مصدران أمنيان فرانس برس السبت.
ودعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسن، أمس السبت، على هامش منتدى الدوحة للحوار السياسي إلى “الهدوء وتجنب سفك الدماء وحماية المدنيين بما يتماشى والقانون الإنساني الدولي”، حاضّا على “بدء عملية تؤدي إلى تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري”.
وأفاد المرصد السوري بسقوط 826 قتيلاً، بينهم 111 مدنياً منذ بدء هجوم الفصائل. وأشار إلى أن 222 عنصراً بالإجمال قضوا منذ الثلاثاء بمحيط حماة.
كذلك نزح 370 ألف شخص، حسب الأمم المتحدة التي حذّرت من أن هذا العدد قد يرتفع إلى 1,5 مليون.